باختصار: لماذا ينتصر البارزاني؟

جان كورد 
 هذا السؤال يطرحه كثيرون على أثر الانتصار الذي حققه الحزب الديموقراطي الكوردستاني في الانتخابات العراقية الأخيرة، حيث حصل على نتائج أفضل مما حصل عليها في انتخابات 2014، وذلك بعد النكسة الكبرى التي أدت إلى استيلاء القوات العراقية المدعومة بالمليشيات التابعة للحرس الثوري الايراني وحفنةٍ من خونة الشعب الكوردي على مدينة كركوك ومناطق واسعة مما يطلق عليها العراقيون تسمية “المناطق المتنازع عليها”، وللإجابة عن سؤالنا  هذا، لابد وأن نسأل  أنفسنا قبل ذلك: من هو البارزاني؟
  السيد مسعود البارزاني، هو أحد أنجال القائد الأسطوري الخالد الملا مصطفى البارزاني الذي حارب سنين طويلة من عمره من أجل حرية وحقوق الشعب الكوردي، وهو غني عن التعريف وفي عالم الكتب والانترنت الكثير مما كتب عنه الأصدقاء والأعداء ويرقد الآن في مرقدٍ متواضعٍ جداً إلى جانب نجله المناضل ادريس في ظل العلم الكوردستاني ويزوره الكورد وأصدقاؤهم من شتى أنحاء العالم يومياً ويدعون لهما بالفردوس الأعلى على ما قدّماه من تضحيات ولما قاما به من بطولاتٍ وخدماتٍ في سبيل أمتهما المظلومة المغلوبة على أمرها.  
 تسلّم السيد مسعود البارزاني الذي كان عنصراً من البيشمركة المحاربين وعضواً في الحزب الديموقراطي الكوردستاني مسؤولية قيادة الشعب الكوردي بعد رحيل أبيه وأخيه وهو لايزال شاباً وفي مرحلة بدا فيها أن نظام صدام حسين مستعدٌ لإبادة الشعب الكوردي لشعوره بأن الاتحاد السوفييتي لن يعارضه على ذلك وبأن الولايات المتحدة الأمريكية بحاجةٍ ماسةٍ له للقيام بما تطلبه منه في مواجهة الظروف الجديدة التي نجمت عن انتصار ثورة الشعوب الايرانية على نظام الشاه التابع الأمين لها.  وظل السيد مسعود البارزاني الذي أنتخب رئيساً للحزب وقائداً للبيشمركة ساعياً من أجل توحيد الطاقات الكوردية السياسية والقتالية في جبهةٍ واحدة، ودعم الوجوه المختلفة لمقاومة الشعب الكوردي في وجه المشاريع الصدامية المدمّرة للبنى التحتية في كوردستان، ومنها التعريب الشامل والتهجير والأنفلة وتمزيق الوحدة الإدارية للاقليم الكوردي وبث الفتن والنعرات المناطقية والعشائرية والطبقية والمذهبية بين الكورد، إضافةً إلى السعي من أجل تقريب وجهات نظر سائر الفصائل  الوطنية العراقية المناضلة من أجل عراق ديموقراطي موّحد تتمتّع فيه كل المكونات القومية والدينية بحقوقها العادلة في ظل دستورٍ لا يستثني أي مكوّن عراقي ولا يبخسه حقه في العراق الحديث. فكان السيد البارزاني مع كل مقاومة حقيقية للنظام البعثي الدموي ومن بناة كل التحالفات العرا قية التي كانت تمتلك رؤى وطنية واضحة، وكان خير شخصيةٍ تثق بها فصائل الكفاح الوطني وأهم قائدٍ كوردستاني يلقى القبول والتأييد من سائر الكوردستانيين، ليس في العراق وحده وإنما في شتى أنحاء كوردستان الممزقة والعالم. 
 ولذا، فإن السمعة السياسية الحسنة للسيد الرئيس مسعود البارزاني لم تأتِ من فراغ، وإنما يحمل على كتفيه إرثاً كفاحياً يشهد له المؤرخون الأجانب والعراقيون والكورد بأنه القائد الذي تحمّل مختلف صنوف العذاب والإرهاق وخاض أشرس المعارك للدفاع عن شعبه، وساهم في مختلف المراحل التي مرّ بها العراق، وبخاصة بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، حيث أعلن السيد البارزاني بأن كفاح شعبه الكوردي في السلم لن يكون أسهل من كفاحه الثوري، كما أعلن للعالم أجمع بأنه لن يذهب إلى بغداد لينتقم من أحدٍ على ما عانى الشعب الكوردي من المآسي المتلاحقة ممن ساهموا في الحرب على كوردستان وقتلوا من شعبه مئات الألوف وإنما سيذهب ليشارك العراقيين في بناء وطنٍ جديد ترفرف عليه رايات الحرية والكرامة، وينال فيه شعب كوردستان كافة حقوقه المهدورة ويستعيد أجزاء أرضه المغتصبة. وهكذا صار السيد البارزاني جندياً مسالماً في سبيل وطنه وشعبه، مثلما كان مقاتلاً بالسلاح من قبل. 
إلاّ أن كثيرين من الذين فتح لهم الكورد صدورهم واستقبلوهم كإخوةٍ وأخواتٍ لهم في كوردستان في أيام العدوان الإرهابي الشامل لنظام البعث انقلبوا وكذبوا وتحوّلوا إلى أعداءٍ أشداء للكورد وللسيد البارزاني الذي لم يتغيّر موقفه تجاه العراقي الديموقراطي الموّحد رغم كل التخريب الذي مارسه هؤلاء حيال كوردستان وشعبها، بتحريضٍ من دول اقليمية وجيرانٍ يرفضون أن يكون لشعبه مكانٌ تحت الشمس مثل سائر  شعوب الأرض. ومنذ الهجمات الخطيرة على كوردستان من قبل التنظيمات الإرهابية المتطرّفة عقيدياً والمدعومة من قبل أعداء الكورد، ظهر للمجتمع الدولي أهمية المقاومة التي يبديها البيشمركة وأهمية الانجازات العمرانية العظيمة التي أنجزها الشعب الكوردي في ظل الرئيس الكوردي، بعد أن كانت كوردستان قاعاً صفصفا في ظل الحكومات العراقية المتعاقبة، إلاّ أن المجتمع الدولي لم يشأ مع الأسف أن يتابع السيد البارزاني مسيرة حزبه وبيشمركته وشعبه المظفّرة صوب الحرية والاستقلال، فانقلبت الدول الكبرى والدول المجاورة من أجل حماية مصالحها في العراق وايران على هذه المسيرة التي أكّد على صحتها استفتاء الاستقلال في اقليم جنوب كوردستان، فما كان من السيد البارزاني إلاّ أن يقوم بحركة دبلوماسية أثبتت صحتها على أساسين:
عدم التصادم عسكرياً في هذه المرحلة مع القوات العراقية التي لن تدخل المعركة ضد الكورد لوحدها، وأنما ستكون مدعومة من قبل كل أعداء كوردستان ومن قبل خونة الأمة الكوردية أيضاً.
العمل في كوردستان من أجل إعادة ترتيب البيت الكوردي ومنع حدوث أي صدام داخلي مع عملاء الأنظمة المعادية لطموحات الكورد العادلة، والسعي المتواصل للتحضير الشامل من أجل متابعة المعركة السياسية في بغداد، من دون التخلي عن السير  وفق احداثيات الاستفتاء على الاستفلال.
          وهكذا، نتفهّم السر الكبير وراء تراجع السيد الرئيس مسعود البارزاني منذ احتلال كركوك والمناطق المتنازع عليها، رغم الحضور الدائم والقوي له من خلف الكواليس في كل ما يقوم به السياسيون الكورد في المنطقة، فإن مسؤولية القيادة التي حملها بأمانة لم ينته أمدها بعد، وهو يعلم أن شعبه لن يسامحه إن تخلّى عن القيام بهذه المسؤولية، طالما هو على قيد الحياة، وطالما هو الصخرة الأكبر التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق مشاريع الأعداء المختلفة. 
          وهنا، نسأل أنفسنا: لماذا ينتصر البارزاني؟ فحسب رأيي هو أن السيد البارزاني يمتلك صفات القائد الكبير لأنه تخرّج على أيدي أبيه الذي لا يضاهيه أحد في تاريخنا العريق، فهو جريء، شجاعٌ، يمتلك قلوب من حوله بسعة صدره ورقة عواطفه الإنسانية واستعداده الدائم لخوض سائر المعارك السياسية والعسكرية في سبيل أمته، وهو ذكي مدرك لأبعاد السياسة الدولية والتحالفات الاقليمية، ولا يخطو خطوةً دون التأكّد من أن شعبه سيكون معه، وهذا ما أكده إصراره على تنفيذ الاستفتاء على الاستقلال، رغم معارضة شاملة له في العراق والعالم، فلم يخذله شعبه و وافق على طرحه بنسبة تزيد عن 92% من أصوات الذين ذهبوا إلى صناديق الاستفتاء الذي لايمكن إلغاؤه لأن نتائجه من قرار شعب كوردستان.
  ويبدو أن القوى العظمى والدول الاقليمية أدركت تماماً، حتى قبل إجراء الانتخابات العراقية الأخيرة أن السيد البارزاني لايتمتّع بدعمٍ تام من شعبه فحسب، رغم انتكاسة احتلال كركوك من قبل القوى التابعة للحرس الثوري الايراني، وانما لن تكون في العراق حكومة ثابتة ومستقرة تضمن استمرار مصالحها البترولية والتجارية من دون بصمات السيد البارزاني، ثم إنه يمتلك القوة القتالية الضاربة المنضبطة تماماً في كل المعارك القادمة في الشرق الأوسط، ولم نجده غريباً عندما قال سياسي تركي هام من الحزب الحاكم في أنقره بأنه كان خطأً كبيراً وقوف حكومة بلاده ضد استفتاء الاستقلال في كوردستان العراق. 
 لقد عاد الدكتور مهاتير إلى رئاسة الوزراء في ماليزيا وهو في ال92 من العمر لسببٍ بسيط، ألا وهو  وقوفه ضد الفساد وثقة الشعب بأنه  لن يخذل شعبه وسيقوده رغم كل التحديات إلى حياةٍ أفضل، والكورد الذين أدلوا بأصواتهم بأغلبية ساحقة للسيد البارزاني وحزبه في الانتخابات العراقية الأخيرة يدركون أيضاً بأنهم بحاجةٍ دائمة لهكذا قائدٍ مؤمنٍ بالله وبعدالة قضية شعبه وبحق هذا الشعب في الحرية والاستقلال. 
‏  ‏20‏ أيار‏، 2018  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…