عندما يتذكر عزيز اومري..!

اكرم حسين 
يصنف كتاب ” في اروقة الذاكرة ” لمؤلفه عزيز اومري ضمن فئة كتب المذكرات الشخصية والقائمة على دينامية الحضور والفعل ضمن الحركة الحزبية الكردية ، واستظهار بعض خفاياها ، ونبذ القراءة المتحزبة الفقيرة وفيه يضع عزيز اومري نضاله ومواقفه السياسية في اطار الحزب الذي اشتغل فيه بشفافية تامة وصفاء منقطع النظير دون حقد او انحياز. شارحا بعض التفاصيل التي قد تصطدم القارئ وكأن المؤلف جالس الى جانبك يتكلم بلغته المحكية وبالأسماء المتداولة شعبيا ويترك للقارئ الحكم على هذه الشخصيات من خلال مواقفها وافعالها العيانية .
لان بعض هذه الشخصيات قد حكمت على نفسها بالعزلة عندما لم تقف في صف الجماهير. والكتاب توثيق لأحداث ومسيرة مناضلين ضاعوا ولم يتذكرهم احد فغابوا في زحمة الاحداث ووقائع التاريخ وسردياتها ، التاريخ الذي لا مكان للضعفاء فيه او العامة. بل جله للأقوياء والطغاة وسيرهم بعيدا عن صناع التاريخ الحقيقين ،والذي لولاهم لما كانت الحضارة ولما كان التاريخ اصلا، ولان الذاكرة الكردية سطحية ومؤقتة وبصرية . فان هؤلاء المناضلين ما ان يرحلوا او يتنحوا جانبا حتى ينساهم الكثيرون وكأن ما وقع لم يقع . كتاب في اروقة الذاكرة للمناضل عزيز اومري للجميع وليس للحزبين او السياسيين فهو يحتوي على احداث مهمة من تاريخ الحركة الحزبية و شهادة سياسية لها أهمية خاصة لأكثر من سبب: لأنه صادر عن مناضل كردي، أدى دوراً كبيراً في الحركة الحزبية وكان في موقع قيادي في مرحلة مهمة من تاريخها .
عزيز اومري تولد  7-6-1942 مدينة الموصل ، استقرت عائلته في القامشلي وهو في سن السادسة ، انخرط في العمل الحزبي الكردي عام 1958، لوالده ولعبد ملا علي دور اساسي في دخوله المعترك السياسي ودفعه للعمل في خدمة القضية الكردية، والكتاب عبارة عن مقابلات وكتابات ووثائق عن مرحلة الخمسينات من القرن الماضي حيث لم يكن الشعور القومي بعيدا عن ابناء الشعب الكردي في كردستان الغربية رغم ان الميول العامة لدى الكرد كانت باتجاه الحزب الشيوعي السوري والذي كان مهيمناً في المنطقة ، وخاصة لدى قطاع المثقفين والعمال والفلاحين والشباب وكان هدف اغلبية المنتمين الكرد اليه تحقيق اهدافهم القومية بناء على تنظيراته واهدافه .وبعد تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في 14-6-1957 وتبنيه لشعار تحرير وتوحيد كردستان تعرض الى حملة اعتقالات بعد الوحدة المصرية السورية.  فاعتقل بحدود 60 عضو من مناطق حلب والجزيرة ودمشق ، وفي السجن تراجع رئيس الحزب نور الدين زازا عن تبني هذا الشعار ، عندما سأله القاضي درويش الزوني عن منهاج واهداف الحزب وبخاصة فقرة تحرير وتوحيد كردستان قائلاً  “ان تحرير وتوحيد كردستان محض خيال ” هامساً للرفاق ايضا كي لا يقروا بهذه الفقرة بعد خروجه من التحقيق . في حين دافع اوصمان صبري بصلابة وشجاعة عن الحزب ومنهاجه بما فيه شعار تحرير وتوحيد كردستان مؤيداً الثورة الكردية في العراق ، وهو ما ادى لاحقا لبروز صراع امتد خارج اسوار السجن واستمر لسنوات . حيث تم تجميد عضوية نور الدين زازا ومن ثم فصله لأنه كان يطالب بان يكون العمل في الحزب رئاسي وان يكون كل شيء تحت يده ،ويتطرق الى دور حميد درويش في تزكية وايصال حسن بولش للقيادة عام 1963والذي تبين فيما بعد بانه جاسوس تركي او سوري او كليهما معا ، فقد كان رجلا محنكا ورساما ماهرا قادرا على رسم صورة أي شخص بمجرد النظر اليه . 
قبل كونفراس اب 1965كانت هناك كتلتان تتصارعان داخل الحزب على خلفية ما حدث من خلاف داخل السجن ، وعمت الفوضى ولم يعد هناك تنظيم ولا قيادة بمعنى القيادة ، ولم يعد لوحدة الحزب أي اساس , في هذه الاوضاع المضطربة دعا اغلبية الرفاق الى عقد كونفراس 5 اب 1965 وتم تشكيل قيادة مرحلية من (ملا محمد نيو وصلاح بدر الدين وهلالو و رشيد سمو )وتقرر ان يتم الاتصال مع اوصمان صبري. فوافق بشرط ان لا يكون حميد درويش ، وتم تجهيز البيان لكنه لم يوزع الا بعد التفاوض مع بقية القيادة والطلب منها اما عقد المؤتمر او نشر البيان الا ان خالد  مشايخ سافر إلى كردستان لإعلام البارزاني بما يدور داخل الحزب .عاد مشايخ ومعه نعمان عيسى واتفق مع حميد درويش وانصاره على عقد الكونفراس الرابع في قرية بركو دون ان يدعو اليه احد من طرف كونفراس اب ، ورغم اللقاء مع نعمان عيسى الا انه اصر على شرعية الكونفرس مما دفع كونفراس اب الى توزيع بيانه وشرح المشاكل والتناقضات والحقائق وبان الخلافات فكرية وليست شخصية .وهكذا انقسم الحزب الى طرفين ، اما جكرخوين فقد انتقل الى كتلة حميد درويش في نفس الليلة التي عقد فيها المؤتمر الاول بالهلالية بقامشلو 5-8-1968 وتم استبعاده من القيادة من قبل محمد نيو وصلاح بدر الدين واوصمان صبري، وفي مؤتمر طلبة الكرد في المانيا 1967 الذي حضره صلاح استطاع ان يجلب فيه التأييد للبارزاني والثورة الكردية ، وفي المؤتمر الثاني الذي عقد في مدينة عامودا 1969 . تم طرد اوصمان صبري بتهمة الخيانة الوطنية والحزبية بسبب سفره الى كردستان الشمالية دون اعلام او اذن من احد ويعتبر اومري القرار خطأ كبير جدا ارتكبه المؤتمرون وعلى راسهم صلاح حيث انتخب بدر الدين سكرتيرا للحزب اما عن  المؤتمر الوطني الذي عقد عام 1970  فيرى بان البارزاني قد عقد مؤتمرا في كردستان لكنه لم يضع الحل الحقيقي رغم انه كان يعرف الكثير عن كرد سوريا وكانت تنبؤاته صحيحة ، ويعتبر حميد درويش سبباً لفشل الوحدة لكرهه الشديد للبارزاني واليسار وعدم جدية صلاح ودهام ميرو، وهكذا فشلت الوحدة وكانت النتيجة  ثلاث احزاب . في الكونفراس العاشر للحزب تم ربط النضال القومي بالنضال الطبقي ،وفي المؤتمر الثالث الذي انعقد عام 1972 تم الالتزام بالماركسية- اللينينة، وبعد استئناف المعارك في 25-3-1974 بين صدام والبارزاني صدر بيان توضيحي باسم اللجنة المركزية يضع فيه المسؤولية على عاتق البارزاني وكان يشتم منه رائحة موالاة الحكومة العراقية فاحدث خلخلة وبلبلة بين الرفاق وادى الى توقفهم عن النشاط والعمل ،وفي اجتماع المركزية تبين ان صلاح وحده من اصدر البيان ورد بانزعاج “لا نريد البارزاني ولا نريد ذكر اسمه ولا علاقة لنا معه” وهاجم المؤتمر الوطني ووافقه اغلبية الرفاق 
وردا على بيان صلاح اصدر اومري ومحمد عباس ومحمد نيو في اوائل اب 1974 بيانا اعلنوا فيه تأييدهم للبارزاني والثورة وجمدوا عضويتهم ونشاطهم ،وكان ذلك انفصالهم عن صلاح ،واتبعوا البيان برسالة داخلية للرفاق ، ثم تقرر الاندماج مع البارتي الذي انشق في اوائل ايلول 1974 وتحول الى كتلتين الاولى تتألف من حميد سينو ومصطفى ابراهيم وهوريك ابو احمد والثانية تتكون من محمد باقي الشيخ محمود حاج صبري عبد الرحيم وانلي ونتيجة المناقشة تقرر انضمام عزيز اومري ومن معه الى جماعة شيخ باقي ، ثم يتذكر اللقاء مع مسعود بارزاني في دمشق عام 1977 والذي كاد ان ينتج عنه اتحاد طرفي البارتي الا ان بعض القياديين من الحزب الديمقراطي الكردستاني ومعهم اخرون متنفذون من البارتي وقفو ضد التوحيد مثل كريم شنكالي وجوهر نامق الذين كانا منزعجين جدا من محاولات اعادة اللحمة بين طرفي البارتي رغم عدم رضى البارزاني عن هذا القرار وعدم اقتناعه به .
في 9-8-1979 قدم عزيز اومري استقالته من الحزب ولم يعد الى العمل التنظيمي كما يقول ، وفي عام 2004 وافق على العمل في الهيئة الاستشارية المركزية لحزب يكيتي الكردي .
يتكون الكتاب  من  244  صفحة باللغتين الكردية والعربية من اعداد وترجمة عبد الصمد داوود وتصميم الغلاف سيامند اومري ومن اصدار اتحاد كتاب كردستان سوريا لعام 2018 ؟
________________
نشرت في صحيفة بوير برس العدد /78/ تاريخ 15/5/2018

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…