هل الكوردي مادة انتخابية .. فقط ؟

د. ولات ح محمد
    صرح أمس محرم إينجه المرشح عن حزب الشعب الجمهوري CHP لوسائل الإعلام بأن “إن القضية الكوردية في تركيا قضي أخلاقية، ومن الضروري إيجاد حل لها، وإن الحكومات التركية والمسؤولين الأتراك تعاملوا بطريقة غير أخلاقية مع القضية الكوردية”. وهو تصريح إن كان يبدو غريباً من قيادي في حزب ينكر حتى الوجود الكوردي فإنه لا يبدو مفاجئاً في سياق الدعاية الانتخابية ومحاولة فوز كل طرف بالصوت الكوردي من خلال بيع كلمات لا قيمة لها، وهي عادة دشنها حزب العدالة والتنمية ومارسها خلال العقدين الماضيين.
    تصريح إينجه يذكر المتابع بالعبارات التي كان أردوغان يطلقها في كل مناسبة انتخابية دون أن يترتب عليها فيما بعد أي شيء، وكان آخرها قبيل الاستفتاء الذي جرى العام الماضي على التعديلات الدستورية عندما سرب بعض القياديين في حزبه بأن العدالة والتنمية قد يطرح فكرة الفيدرالية في تركيا بعد عملية الاستفتاء. أما التسريب الأخير الذي تم قبل أيام فهو أن أردوغان (أو حزبه) لديه رؤية شاملة لحل نهائي للقضية الكوردية بعد الانتخابات. 
    الكورد عند هؤلاء ليسوا سوى مادة انتخابية يستخدمونها لكسب المزيد من الأصوات، لدرجة أن الحزب الذي كان يمنع حتى التحدث باللغة الكوردية بات يتحدث عن قلة الأخلاق التي مارسها المسؤولون الأتراك بحق القضية الكوردية. وهذا يشبه ما قاله أردوغان نفسه قبل سنوات عندما انتقد الظلم الذي تعرض له الكورد من طرف الحكومات السابقة وعبّر عن أسفه لما حدث.
    مقابل هذه الدعاية الإيجابية (الكاذبة) لكسب الصوت الكوردي دأب أولئك المسؤولون أو المرشحون على جعل الكورد مادة انتخابية في الاتجاه الآخر لكسب الصوت القومي الشوفيني من ناخبيهم من خلال إظهار العداء للحق الكوردي والوقوف في وجه طموحاته. من هذه الزاوية الدعائية الانتخابية يمكن قراءة إصرار حكومة العدالة والتنمية على مهاجمة عفرين (الكوردية) وتهديد المدن الكوردية حتى الحدود العراقية لدغدغة مشاعر القوميين الأتراك وسحب البساط من تحت منافسيها القوميين. وكأن الناخب التركي يمكن إرضاؤه وكسب صوته بمجرد أن يَعِده الحزب أو المرشح بأنه سيعادي الكورد وحقوقهم، أو كأن المرشحين يتنافسون على رفع أصواتهم على الكورد وعلى الوعد بتدميرهم وإخافتهم، وكأن أولئك المرشحين ليس لديهم برامج يقدمونها للناخب سوى معاداة الكورد. 
    من غير المستبعد أن أردوغان وحليفه بهجلي قررا من هذه الزاوية أيضاً ً تقديم الانتخابات من أواخر 2019 إلى حزيران القادم، أولاً لاستغلال صعود شعبية حلفهما (كما يتوقعان) بعد احتلال عفرين الكوردية، خوفاً من خفوت حماس الناخب التركي إذا تمت الانتخابات بعد عام ونصف من الآن، وثانياً تحسباً لحدوث وقائع قد تضرب “انتصاره” في عفرين كمقتل جنود أتراك مثلاً أو اصطدام عسكري محتمل مع أمريكا أو أوربا في منبج على سبيل المثال قد يضعه في موقف ضعيف. لذلك وجد أردوغان فرصة لضرب الحديد وهو ما زال حامياً، لأنه يظن أن القوميين الأتراك مازالوا مبهورين بانتصاره على الكورد وأنهم سيصوتون له ولحليفه الشوفيني المتشدد حزب الحركة القومية MHP الذي كان رئيسه دولت بهجلي قد صرح بأن على الجيش التركي إبادة الكورد في عفرين. 
    هكذا يتعاطون مع الصوت الكوردي؛ فمن جهة يقدمون له معسول الكلام والوعود، ومن جهة ثانية يحاربونه من أجل كسب أصوات شوفينييهم. وبذلك يتحول الكورد في برامجهم الانتخابية من شريحة يسعون لإرضائها وكسب أصواتها إلى عدو يَعِدون الناخبين بمحاربتهم وتهميشهم وإسكات صوتهم. هذا ما فعله أردوغان عندما كان في المعارضة ثم صارت في يده السلطة، وهذا ما يفعلون القوميون اليوم وهم ضعاف في المعارضة، إذ يريدون عوناً من الشارع الكوردي الذي لم يعترفوا بوجوده حتى الآن.
    عراقياً كان أحد أهم الأسباب التي دفعت العبادي إلى الهجوم على كركوك (كهجوم أردوغان على عفرين) ثم فرض عقوبات على الإقليم وشعبه هو سعيه للفوز بأصوات العراقيين في الانتخابات القادمة التي ستجري غداً طمعاً في ولاية ثانية. من جهته شن التيار الداعم لنوري المالكي داخل حزب الدعوة وداخل البرلمان (أيضاً لدعاية انتخابية) حملة شعواء على العبادي لإظهاره ضعيفاً متهاوناً مع الكورد، فقام هو من جهته لإثبات نفسه وقوته وقدرته أمام الناخب العراقي بتلك الحملة العسكرية وفرض تلك الإجراءات العقابية بحق الإقليم. وكأن كلاً منهما ينافس الآخر على أصوات العراقيين من خلال إظهار أعلى درجات التشدد مع الكورد وليس من خلال ما لديه من مشاريع. 
    التشدد حيال الكورد بات ورقة انتخابية يلوح بها كل من يريد الفوز بالانتخابات طالما لا يمتلكون برامج تلمع لهم صورهم في عيون الناخب. وكأمثلة على الأرض ترددَ أن بعض المرشحين من المكونين العربي والتركماني في كركوك صاروا يرددون في حملاتهم الانتخابية شعارات معادية للكورد وللبيشمركة من أجل كسب أصوات الناخبين؛ فأحدهم ـ حسب موقع رووداوـ يقول لجمهوره إنه إذا تم انتخابه فلن يسمح بعودة البيشمركة إلى كركوك أبداً. ويقول آخر إنهم قد احتلوا كركوك فعلاً، ويوم الانتخابات سيحتلونها أكثر. هذه هي شعارات بعض المرشحين التي مادتها الأساسية هي معاداة الكورد بدلاً من البرامج والمشاريع التي يقدمها عادة المرشح لجمهوره من أجل الفوز بصوت الناخب وكسب ثقته ورضاه. 
    وهكذا يصبح العداء للكورد وحقوقهم هو الشعار المعلن أو المضمر الذي يحرك السياسي العراقي الذي يرفع في الوقت نفسه شعار المواطنة المتساوية لجميع العراقيين. مع ضرورة التذكير هنا أن هؤلاء الساسة عندما كانوا في المعارضة العراقية كانوا يعبرون للكورد عن تفهمهم لكل مطالبهم وحقوقهم في عراق ديمقراطي تعددي فيدرالي لأنهم كانوا بحاجة للصوت الكوردي، وعندما وصولوا بفضل الكورد إلى السلطة واستتبت لهم الأوضاع هاجموا كركوك وهجروا كوردها ترويجاً لدعاية انتخابية. 
    هذه النبرة التنافسية الانتخابية المتمثلة في رفع الصوت على الكورد ومعاقبتهم هي التي رسمت كل تصرفات العبادي بعد استفتاء الإقليم سواء أكانت من خلال لهجة التهديد العالية أم بإصداره القرارات والفرمانات التي تقوي صورته المهزوزة أم بفرض العقوبات على سكان الإقليم أم بشن حملة عسكرية على كركوك. وهذه النبرة ذاتها هي التي رسمت خطابات أردوغان وقراراته بحق الكورد خلال الشهور الماضية سواء في موقفه من استفتاء جنوب كوردستان وتهديداته بحقه أم في غزوه لعفرين وتهديده باجتياح باقي المناطق الكوردية تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة وكسباً لصوت الناخب فيها.
    المالكي، العبادي، أردوغان، إينجه، الحكومات والمعارضات كلهم يتقربون من الشارع الكوردي ويرون في إرضائه مادة انتخابية توصلهم إلى كرسي السلطة، ولكنهم لا يلبثون أن يجعلوا من معاداة الكوردي وإنكار حقوقه مادة انتخابية لإرضاء العنصريين من شارعهم الانتخابي للفوز بمقعد برلماني أو كرسي رئاسي. في هكذا واقع كيف يمكن بناء وطن مشترك مع من يجعل من إيذائك والتشدد حيال حقوقك شعاراً انتخابياً ومادة انتخابية لكسب رضا الناس أو وسيلة يتخذها المرشح لجمع أكبر عدد ممكن من أصوات الذين يُفترض أنهم شركاؤك في الوطن؟؟!!. 
    إذا كانت حقوق الكورد في نظر أولئك المرشحين والحكام مجرد أحصنة طروادة يستخدمونها للوصول إلى السلطة أو تثبيت أقدامهم فيها أو مجرد أوراق وشعارات انتخابية للوصول إلى الكرسي النيابي أو الرئاسي ثم يتغير بعدها كل شيء، فهل يمتلك الكورد جواباً على هذه المعاملة وعلى هذه النظرة في هذه الانتخابات؟ أو هل فكروا في وسيلة تغير هذه النظرة وهذه المعاملة وتنقلهم من كونهم مادة انتخابية إلى عنصر فاعل ومؤثر في الحدث ومجرياته ونتائجه؟. في الختام، إذا كان هذا السياسي (في تركيا وفي العراق) يجعل من إيذاء الكورد وإنكار حقوقهم دعاية انتخابية لكسب أصوات الناخبين، فهذا يعني أنه يقول لهم: إذا انتخبتموني فسألبي طموحكم أكثر من غيري. وفي النتيجة، ألا يعني هذا أن أولئك الناخبين عندما ينتخبون ذلك المرشح فإنهم يصوتون أيضاً على إيذاء الكورد ؟. إذا اجتمع المرشح والناخب على الرغبة في إلحاق الضرر بك فأين شركاؤك إذاً ؟!.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…