م. محفوظ رشيد
بلا شك عفرين بأرضها وعمرانها وسكانها وأهاليها جزء من الدولة السورية وسيادتها، والحكومة السورية ملتزمة بحمايتها وإدارتها وتوفير الخدمات فيها بالرغم من انحسار سلطاتها بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها، استنجد بها العفرينيون الكورد فلم تحرك ساكناً عندما غزت القوات التركية ومرتزقتها من بقايا من داعش والنصرة وما يسمى بالجيش الحر بذريعة إخراج حزب الـ pyd (الذي تتهمه بالإرهاب) ومنظماتها وإداراتها من عفرين، فارتكبت جرائم قتل وتدمير وتهجير وسلب وتعفيش.. تنفيذاً للصفقة الثلاثية القذرة (روسيا، تركيا، ايران) وفي ظل صمت دولي وفي المقدمة أمريكا التي تنصلت من التزاماتها تجاه حلفائها (الكورد) في محاربة قوى الإرهاب (داعش) بحجة أنها لا تقع في منطقة نفوذها،
ومازالت الانتهاكات مستمرة، والأخطر ما في الأمر هو منع عودة المهجرين إلى دورهم وديارهم وتوطين المرحلين من الغوطة والقلمون في بيوتهم والاستيلاء على ممتلكاتهم، لإجراء التغيير الديموغرافي والتطهير العرقي والديني فيها تطبيقاً للمشروع العنصري المتفق عليه إقليمياً والذي يستهدف الوجود الكوردي وقضيته في مناطقه الأصلية.
كارثة عفرين جرح نازف في الجسد الكوردي وقضيته، وما يزيده تفاقماً هو الجمود الكوردي وغياب المبادرات والمحاولات الجادة لإنقاذها، وذلك لوجود الخلاف والاختلاف بين الأحزاب الكوردية بسبب التباين الحاصل في المواقع والمواقف السياسية المقسمة بين أطراف الصراع تبعاً لتحالفاتها ومصالحها الشخصية والحزبية الضيقة، ويُخشى أن تتحول الجراح إلى عاهة دائمة تفتك به طويلاً وعميقاً.
فمن الأحزاب من يعتبر اجتياح عفرين خسارة معركة بسبب مؤامرة دولية كبرى، ويتأمل تحريرها والانتقام لها والتعويض عنها في ساحات أخرى، ومنهم من يراه فشلاً ذريعاً (متعمداً ومحتماً) بسبب سوء التعامل والإدارة والتدبير، ومنهم من يوصفه بسقطة اعتيادية كسائر المناطق السورية في خضم الحرب الدائرة ويجب التوليف وفقها. ومنهم من راهن وساهم في سقوطها لإضعاف الخصم وإرضاء الحليف، ومنهم من ربطه بالانتكاسات في الأجزاء الأخرى من كوردستان ويرى حل القضية الكوردي في سوريا يمر عبر تلك الأجزاء، ومنهم من تنصل عن المساندة والمساهمة في إدارتها ويبحث عن دور آخر وحل آخر في ظل الغموض والارتباك السائدين، ومنهم من نأى بنفسه عن المشهد لتجنب المسؤولية واقتناص الفرص وطرح نفسه كبديل هزيل ومساوم على المأساة والمعاناة والتنازل عن استحقاقات الحالة الراهنة (الفدرالية) التي تتلخص بالشراكة الحقيقية في الوطن ويحكمه نظام ديموقراطي علماني تعددي لا مركزي، والقبول بالحد الأدنى من الحقوق والمطالب التي انخفض سقفها تحت ضغط السياسات العنصرية والمشاريع التمييزية والاجراءات التعسفية بحق الكورد ومناطقهم، والتماهي مع الطروحات الاندماجية تحت عنوان المواطنة ضمن دولة تحمل هوية وثقافة القومية العربية السائدة.
وبدأ الكل يعود إلى مرجعياته الكوردستانية والإقليمية للبحث عن ذاته ولملمة أوراقه واستعادة ميزاته ومهاراته وتبرير خيباته وإقناع نفسه قبل غيره بالأمر الواقع والسعي لإيجاد موطئ قدم في المشهد التراجيدي المفتت والضبابي..
عفرين أسقطت الشعارات الطنانة والبراقة وكشفت العورات الملوثة بالفساد المالي والسياسي والأخلاقي لأصحاب البرامج القومية (المشروع القومي (والوطنية (الخصوصية والاستقلالية) والديموقراطية (أخوة الشعوب) ومراهناتهم على تصارع المحاور الكوردستانية والاقليمية وما تتمخض عنها وانخراطهم في مشاريعها العنصرية والطائفية عن قصد أو بغيره.
الكل مسؤول عن احتلال عفرين بشكل أو بآخر وعن استمرار آثارها الكارثية الوخيمة، وللأسف الكل مازال في سبات أو تخبط أو هستيريا (نسبياً) من هول الصدمة التي أخرجتهم جميعهم من الحلبة خائبين يائسين، يفتقرون إلى عقول منفتحة وصدور رحبة ودماء جديدة تستوعب تطورات المرحلة وتتقبل النقد والتغيير، ويحتاجون إلى خارطة طريق واضحة وبوصلة صحيحة وإرادة صادقة لاستعادة ثقة الشعب بهم بعد فقدانها وتقبله لهم بالتمثيل والقيادة..
ولتخفيف المعاناة وتقليل الخسائر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه يجب العودة إلى الثوابت القومية والوطنية والتي تبدأ بوقف حملات العداء والتشهير والتخوين وتهيئة الأجواء لتوحيد الصف والخطاب الكورديين ولو في حدوده الدنيا، وعدم التفرد والادعاء بالتمثيل عن الشعب الكوردي في كافة الساحات والمحافل، والكف عن تدويل ملف قضيته عبر أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة للدول المقتسمة لكوردستان أو القوى الكوردستانية لأنها ستستثمرها في عقد اتفاقاتها وصفقاتها الداخلية والخارجية، وعدم الانخراط في الصراعات الطائفية والعرقية وعدم الرهان على مشاريعها، والاستعانة بالعمق الكوردستاني في إطار التنسيق والتعاون، وأخيراً قراءة الأوضاع السياسية وأجندات كل الأطراف الداخلة في الصراع والتمييز بينها وتحديد مدى وجدوى التقاطع مع مصالحها في خدمة القضية الكوردية.
———- انتهت ———–