تدريبات على الدكتاتورية.. إلى الصديق نعمت داوود

إبراهيم اليوسف
قد يبدو عنوان المقال- هنا- غريبا، بعض الشيء: “تدريبات على الدكتاتورية”، لاسيما عندما يكتشف ذلك، لاحقاً، القارئ الكريم، غير” المخدوع” أو” غير مغسول الدماغ” بثاني أوكسيد الأيديولوجيا الطارئة، إذ إنه خطر في بالي أن أكتب تحت هذا العنوان، كموقف من انتهاكات ب ي د، ما إن التقطت أنفاسي، بساعات، بعيد عودتي من سفري إلى ألمانيا، من تونس، وكان يمكن العودة إلى: قامشلي، لو أن حزب ” ب .ي. د” جاداً في تكنيسه لسلطة النظام في مناطق نفوذه، كما قال، وصدقناه، على مضض، وإلى حين، فحسب، قبل أن يؤكد أنه لا يريد من كرد سوريا إلا جسراً لتحقيق جدوى ب  ك ك، وإن كان ثمن ذلك حياة كل كرد سوريا، بل وكل كرد العالم، وكل كردستان، لأن كل هؤلاء مجرد قرابين لحزب بات بلا جذور لدى العقلاء، فالكردي، ودمه، حتى رفاق هذا الحزب، بمسمياته، ليس إلا الأرخص، في موازينه!
ليس من كردي، حتى من انضوى تحت راية ب ك ك وفروعه، إلا ويدرك أن هذا الحزب مؤسس على العنف، وهوما يبين بجلاء أن بعض من انخرطوا فيه، فعلوا ذلك  إما لحماية أنفسهم من شرور آلة الشرِّ فيه- ولا أعمم- وهو مقبول إلى حد ما، ككثيرين ممن ينتسبون إلى أحزاب الأنظمة القمعية، أو لاستخدام هذه الآلة نفسها لتصفيات الحساب، تجاه بعض أبناء الجلدة، يستوي هنا: مهرب الحشيش، والمثقف، والانتهازي، والمهمش، وعديم الشأن، والأزعر، كما السياسي، وها هم كرد عفرين الذين لم تتلوث أياديهم بالمكاسب، وبحبر التقارير ضد الأهل، أو حتى بدم الأهل، باتوا يخرجون من صمتهم، ويبدون آراءهم، ولا أعني هؤلاء المتواطئين مع الاحتلال التركي، فلهم شأن آخر، و هو ما ذكرني بجمهور ب  ك ك بعد خطف وأسر قائده السيد عبدالله أوجلان، فك الله أسره، إذ لم يبق من عداد شارعٍ كاملٍ*، متعاطفٍ معه حتى مجرد بيت واحد، وهو ما اعتمدت عليه- استبيانياً على طريقتي- في معرفة نسبة الحضور الفعلي لهذا الحزب في حياة إنساننا، بعد بما أغاظ بعض الكتبة المستفيدين الذين روجوا لتضخم هذا الجمهور، كجزء من وظيفتهم.!
ما أريد التركيز عليه أن هذا الحزب الذي أسس على الدكتاتورية، فإن ممارسته للخطف والاعتقال، وحتى التصفية الجسدية بحق المختلف يأتي من صميم تصميم بنائه، ولا يستطيع الفكاك عنه، إذ قلما تجد أحد هؤلاء سوياَ في حواراته التي يدونها، أو يبديها، مشافهة، حتى وإن حاول بعضهم تمويه ذلك، لأن أبجدية هذا الحزب مبنية على العنف، وفي هذا ما يعني إلغاء” الآخر، حتى ولو كان الأخ”- والعبارة مأخوذة من الصديق الروائي هيثم حسين إذ قالها في سياق آخر- ما أفقد كل ذي بصر أو بصيرة الثقة ب” مشروع” ب ي د عندما ” أُظهر” على الساحة الكردية، تحت ظلال حضور الحراك الثوري الكردي الذي سرعان ما ساهم في إلغائه، مع سواه، عبر أداة الترهيب، كما فعل سواه: المجلس الوطني الكردي في ذلك، عبر سعي مختلف، وهو الترغيب، كأداة ناعمة، لاغية!؟
كان على ب ي د  الفرع، أن يصر على تمايزه عن الأصل، وذلك باقترابه من محيطه الكردي، عبر إتباع سياسة التسامح والحب، واستيعاب الآخر، والحرص عليه، والتنسيق معه، من موقع أنه: الأقلية النادرة، بعيداً عن وهم العملقة بأنه الشريك المناصف للحركة الكردية، صاحبة الفضل في أنها كانت في واجهة جبهة حماية الأهل، بالرغم من كل مآخذنا عليها، وعلى مكوناتها، جملة وتفصيلاً، ولا أعني هنا الأطراف المتشكلة من الفراغ، بعيد الثورة السورية2011، إذ لها تقويماتها، وإن كل قطرة دم أهدرت، وكل عملية اختطاف أو اعتقال أو تهميش أو تضييق تمت تحت رعاية حكم: ب ي د العابر تحسب في سجله الثقيل بالانتهاكات، المُنهَك والمُنهِك، وأن أشخاص الواجهة مسؤولون عنه أخلاقياً وقضائياً، بعكس ما كان زمان ما قبل الثورة إذ إنه تم غض النظر  عن كل ما ارتكبه هذا التنظيم  من انتهاكات، وفي طليعتها: التجنيد الإجباري، وعمليات التصفية إلخ، وذلك لأن ثمة نظاماً آخر كان يحكم، إلا أن إعادة هذا التنظيم: أصلاً وفرعاً، سياساته بحق الأهل ما جعل فكرة مستقبله بين كرد سوريا مستحيلاً، بالرغم من مآخذنا على أخطاء بعض وجوه الحركة الكردية، وغرق بعضهم في ذاتيته، أو تخبطاته، هنا وهناك، لأن أحزاب هذه الحركة هي فضاء الواجهة السياسية، وعليها أن تعرف ذلك، وإلا فإن قطار التاريخ سيتجاوزها هي الأخرى، وما يجعلنا متعاطفين معها هو أنها تحت نير أكثر من رحى ونار، أسوأهما: نير ونار الأخ/ الآخر الذي سقط في امتحانات الأهل والتاريخ..!؟
إن بعض الجهلة الذين ظهروا في واجهات ب ي د مأساتهم ذاتية، لأن منهم من كان من الممكن أن يدخر إمكاناته ويخدم ذويه، لا أن يتحول إلى مجرد قامع، أو مسوغ لهذا الأخير، مرسخاً الهوة بين أهله، محاولاً النيل من كل مختلف، معنوياً كان، بحق من نأى منهم عن ساحة الوطن، أو شخصياً بحق من هم تحت دائرة السطوة، وذلك لأن أي” كادرو” ذاهب إلى مكانه، بعد فقدان الثقة به، بالرغم من وجود  الخير، والشهم، الذي لا يستطيع فهم حقيقة  ب ك ك، لاقتناعه بمقولاته، على أنه محرر، وحام- وليته كان كذلك فقط!- في الوقت الذي يجب إدراك أن هذا التنظيم لا يحمي إلا مصالحه، مصالحه كحزب، وبعقلية: آغا القبيلة، لا قوقعة- اليسارية- التي يتدرع بها، وإن أكبر دليل على ذلك فتكه بكل من يقول له: لا، مع أن دأبه مع هذا الأخير دأب: ابن الدار والضيف، أية كانت تسويغات أيديولوجاه التي خسر بسببها كرد سوريا الآلاف من أبنائهم، في كردستان تركيا، من دون أن يكون هناك أي منجز، في المقابل…؟!!!؟
 
*لا أقصد الشعب بل شارع محدد في مدينة قامشلي هوشارع الحرية الذي غدا شارعه ، شبه كاملٍ، بعد استيلائه على المناطق الكردية، بعيد الثورة السورية..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…