رسالة من الخوذ البيضاء حول الغوطة

الأصدقاء الأعزاء،
على مدى ٢٤ يوم كنت آمل أن أهل الغوطة سيتمكنوا من تنفس هواء نقي خالي من رائحة الموت التي ملأت كل شارع وزاوية ومنزل. كنت آمل أن قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٠١، والذي طالب بوقف إطلاق النار لمدة ٣٠ يوماً، سيعني أن أقوى دول العالم ستتمكن أخيراً من حماية المدنيين في سوريا. ولكن ولمرة أخرى أثبت هذا القرار أنه كغيره من القرارات ليس سوى مضيعة للحبر.
ما يزال الهجوم العنيف على الغوطة متواصلاً لأكثر من شهر. أكثر من ١٣٠٠ مدني فقدوا أرواحهم وأكثر من ٤٠٠٠ تعرضوا للإصابة. تم استخدام جميع أنواع الأسلحة على المدنيين: البراميل والقنابل العنقودية والأسلحة الحارقة والصواريخ. ومما لا شك فيه هو أن أكثر الاستراتيجيات شراسة هي استخدام الغازات السامة كغاز الكلور لإجبار كل من استنشقه في الأقبية على الهرب إلى الخارج كي يتعرضوا عندها للغارات الجوية.   
هذا الهجوم هو أشد من قدرة فرق الخوذ البيضاء على استخراج جميع الجثث من تحت الأنقاض. الاستهداف المباشر لمراكزنا ولعمليات الإنقاذ أدى إلى تدمير معظم معداتنا. يوم الجمعة استشهد أحد متطوعينا أثناء اتجاهه إلى مكان الإنقاذ بعد أن تعرضت سيارة الإسعاف التي كان يستقلها للقصف. إنه المتطوع العاشر الذي استشهد خلال هذه الحملة الأخيرة. فرقنا على الأرض تعيش ما هو بمثابة يوم قيامة طويل.
السيناريو الذي شهدناه في حلب يتكرر اليوم في الغوطة: النظام وروسيا يمارسان سياسة الأرض المحروقة بدعم الميليشيات الإيرانية واللبنانية الحليفة. يخبرون العالم أنهم فتحوا “ممرات إنسانية” لكننا نسمي هذه الممرات في الحقيقة “ممرات الموت”. المدنيون الذين يحاولون الهرب من خلال هذه الممرات إلى المناطق التابعة لسيطرة النظام يتعرضون للاستهداف، والعديد منهم فقدوا أرواحهم. استخدم النظام آلاف المدنيين الهاربين كدروع بشرية أمام الدبابات لاقتحام بلدة حمورية – وقتل الآلاف أثناء هذا الاقتحام.
ما يزال هناك داخل الغوطة الآلاف ممن ينتمون إلى مجتمعها المدني المعروف بصلابته: الأطباء الذين يعملون على مدى ٧٢ ساعة دون نوم، والمعلمون الذين يستمرون بالتدريس في الأقبية، والخوذ البيضاء الذين ما توقفوا عن إنقاذ الأرواح. جميعهم يتعرضون للاستهداف الممنهح من قبل النظام وحلفائه وهم الآن يواجهون مخاطر جسيمة. إذا ما ظلوا دون حماية فإنهم سيكونون أول من سيتم اعتقالهم أو قتلهم من قبل قوى النظام. علينا أن لا نشك في إمكانية النظام السوري في ارتكاب الإعدامات الميدانية أو الاعتقال على نطاق واسع. في الواقع إنها أهم الصفات المميزة لحكم بشار الأسد.
من الواضح أن قرار مجلس الأمن بوقف إيقاف النار قد فشل، والآن أقل ما يمكن للدول التي دعمت هذا القرار أن تفعله هو ضمان أن المدنيين الذين يودون الذهاب إلى مناطق أخرى في سوريا يتمتعون بهذا الخيار وبالحماية اللازمة للقيام به. كل من يريدون “الإخلاء” من الغوطة يجب أن تتم حمايتهم. أتمنى أن ما تبقى في هذا العالم من ضمير سيدفعه للقيام بشيء للسماح للمدنيين بمغادرة هذا الجحيم على الأرض.    
شكراً لكل من يقف معنا من أجل الحياة.
أخوكم،
رائد الصالح
مدير الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)
—————
ملاحظة من فريق حملة لأجل سوريا: نسخة من هذا النص تم نشرها باللغة الانكليزية على موقع الجزيرة. الرجاء مشاركة رسالة رائد المهمة على فيسبوك والتبرع بما يمكنكم لمساعدة الخوذ البيضاء في استبدال معداتهم.  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…