حسين جلبي
لن تكون تركيا بالمحصلة، وعلى المدى الطويل الرابح الأكبر من معركة عفرين، رغم النجاح العسكري الذي حققته خلال أقل من شهرين، والذي تمثل بالسيطرة على جبال منطقة عفرين وسهولها، بما فيها من معسكرات وتحصينات، ونجاح آلتها العسكرية في قضم مراكز النواحي والبلدات والقرى جميعها، وصولاً إلى تشكيل طوق ناري حول مدينة عفرين؛ ملاصق للبيوت الواقعة على أطرافها، لدرجة أن منفذ المدينة الوحيد على مناطق سيطرة نظام الأسد في بلدتي نبل والزهراء؛ بات تحت السيطرة النارية التركية، الأمر الذي يتوقع معه سيطرة الأتراك القريبة على مركز المدينة نفسه.
مقابل ذلك، لا يمكن الحديث عن مقاومة أبدتها وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، أو حتى عن صمود في حده الأدنى؛ يمكنه أن يدخل ضمن إطار حفظ ماء الوجه، إذ لم تنجح تلك الوحدات في عرقلة التقدم التركي، أو في إيقاع خسائر مؤثرة في صفوف المهاجمين؛ بصورة تدفعهم إلى إعادة حساباتهم وتغيير خططهم، وكل ما قامت به هو التحول إلى أهداف مكشوفة تتلقى الضربات المتتالية، ما أوقع خسائر فادحة في صفوفها، وأرغمها على التقهقر، وأدى إلى انهيارها السريع.
لقد فشل مسلحو حزب الاتحاد الديمقراطي؛ في الاستفادة من وعورة المنطقة التي جرت فيها المعارك، والتي تشكل أصلاً حصونا طبيعية لمن يتمركز فيها، هذا رغم وجودها منذ مدة طويلة تحت سيطرتهم، كما لم تترجم القيادات الحقيقية لتلك الوحدات في جبال قنديل تهديداتها؛ في “تحويل عفرين إلى مقبرة للأتراك” كما قالت، إذ إن العكس تماماً هو ما حدث، كما أصبح واضحاً.
والحقيقة هي أن نظام الأسد هو الرابح الأكبر من معركة عفرين، رغم عدم كونه فعلياً طرفاً فيها، ورغم عدم إطلاقه رصاصة واحدة خلالها. فقد انتفت حاجة النظام إلى حزب الاتحاد الديمقراطي في الوقت الحالي، بعد نجاحه في تحييد منطقة عفرين أولاً، ومن ثم حفاظه على أمن بلدتي نبل والزهراء المجاورتين للمدينة، بعد أن شكلت عفرين وخلال سنوات رئتي البلدتين، ومصدراً لتزويدهما بالمواد التموينية والسلاح، وممراً لعبور المقاتلين إليهما، بالإضافة إلى كونها العائق الذي منع اكتمال طوق حصار كتائب المعارضة السورية عليهما، والسيطرة عليهما. ورغم أن للنظام اليد الطولى في عفرين، التي كان سلم إدارتها لحزب الاتحاد الديمقراطي قبل سنوات، فقد شكل نداء الحزب له للتدخل، في بداية الهجوم التركي على المدينة؛ إعادة فعلية لها إلى “السيادة السورية”، وشطباً للإدارة التي أعلنها الحزب من طرفٍ واحد على المدينة، وعلى “مقاطعة عفرين”؛ كواحدة من ثلاث مقاطعات تشكل “فدرالية شمال سوريا” المعلنة من قبله قبل وقت قصير؛ على أنقاض “كانتونات روجآفا” التي شطب عليها بجرة قلم.
لم يحتج نظام الأسد إلى إطلاق رصاصة واحدة إذاً، حتى من باب ذر الرماد في العيون؛ لإنهاء مهمة حزب الاتحاد الديمقراطي واستعادة عفرين منه، التي لم تكن قد خرجت عن سيادته فعلياً، فقد ترك المهمة للأتراك، بعد أن استفاد من الحزب لدرجة استهلاكه، وجعل منه بالتدريج بعبعاً، منذ أن دفعه إلى رفع شعارات معادية لتركيا في الأيام الأولى للثورة السورية، والتي لم تكن الغاية منها سوى صرف كُرد سوريا عن همهم الوطني السوري؛ والقومي الكُردي داخل البلاد، وإيقاظ المخاوف التركية، لتتدحرج تلك الشعارات الاستفزازية مثل كرة الثلج، وتصبح في غياب شمس الحقيقة؛ وكأنها خطر فعلي على الأمن القومي التركي، فتدفع الأتراك بالمحصلة إلى التورط وحدهم بالدم الكُردي، مقابل تبرئة نظام الأسد من تلك الدماء، وحفاظ الأخير على شعرة معاوية مع حزب العمال الكُردستاني، وظهوره وكأنه الجهة الأكثر قبولاً من الجميع؛ في موضوع السيادة على عفرين، نظراً إلى اعتبارات عديدة، منها سورية المدينة.
جرت العادة منذ سبع سنوات في سوريا، أن يربط جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين أنفسهم بنظام الأسد، فهو على ضعفه مبتدأ كل المعارك والتحركات ومنتهاها، وبشكل أو بآخر الغطاء الشرعي لمن يخوضها، لذلك عمل الجميع على رمي بعض فتات حصادهم السوري له؛ أملاً في الحفاظ عليه على قيد الحياة، وتركيا خلال عملية عفرين لا تخرج عن هذا المبدأ، فقد وهب الأتراك نظام الأسد نصراً في عفرين؛ وحملوا عنه عبء الخسائر. من جهة أُخرى، فإن خوض وحدات حماية الشعب معركة الدفاع عن عفرين تحت علم نظام الأسد، وإرسال النظام بعض الميليشا إلى المدينة بعد نداءاتها له بالتدخل، لا يعفي تلك الوحدات ومرجعيتها من اعتبارهما الطرف المهزوم، ولا يؤدي إلى نقل عبء الهزيمة والمسؤولية عنها إلى النظام.
ولأن الشعب السوري يأتي على الدوام في آخر سلم الاهتمام؛ عند إجراء حسابات الربح والخسارة، فإن أهالي مدينة عفرين بهذا المعنى؛ هم الخاسر الحقيقي خلال العملية العسكرية التركية الحالية، شأنهم شأن السوريين، الذين يعتبرون الخاسر في الحرب المدمرة التي تشهدها بلادهم.
ـ عن موقع تلفزيون سوريا