ماريا عباس
حتما لن تكون المادة التي أكتبها جديدة في طرحها ولا نوعية أسلوبها ولا حتى قصة مؤثرة بسردها، أو مدهشة قد تحمل في كلماتها تفسيراً لوقائع معاشة في حياة النساء مما سيرد لاحقا بشكل مقتضب، ولكن كل القصة محض مقالة رأي خاصة أو بوح لقلم أو بالمعنى العامي “فضفضة” أردتها أن تظهر على شكل كلمات حبيسة أفضل من البقاء راقدة، وعلها تريح النفس.
النساء والنساء ومن ثم النساء ومعاناتهن، هنِّ دوماً غايتي وقصصهن مصدر حزني وإلهام قلمي.
فليس الأمر سهلا كما يعتقد الكثيرون عندما تكون امرأة في هذا العالم المهستر الممتلئ بصور تثبت ما أشعر به وأتحدث عنه، وما الأحداث التي تجري وما يحصل في الواقع حقيقةً أكبر وأكثر ألما وبشاعة مما نتصور أو حينما نتعرف عليها أو نسمع عنها أو نشاهد بعص صورها وماهي إلا فتات الأصل المتناثرة خلسة.
أن تكون امرأة يعني أن يصاحبك الألم طوال حياتك وستحظين بالعنف يمارس عليك بصور شتى وبحجج مبررة، إن جئت للحياة طفلة فالأمر مختلف: عليك الالتزام بعدم الاقتراب للممنوعات عليك، لا العادات ولا التقاليد تسمح بذلك ولا الشريعة تحلل وتجيز لك ما ترينه حقا لك في هذه الحياة، ولا القانون في بلدك سيقف معك “الرجل رجل والمرأة مرأة” احفظيها كاسمك وضعيها “حلقة في أذنك”.
ربما يحالفك الحظ وتخلقين جميلة وتنبهرين بنفسك وقد ينقلب وبالا عليك فالذنب كبير: سترافقك المشكلات، ويزداد اللوم ويكثر نميم الشارع وتلاحقك التحرشات في الشارع والمدرسة ومكان العمل وستبتلعين الألم ومرارة التجارب لأنك لن تجدين من يساندك فالقانون الاجتماعي أصم وأخرق، وإن لم تحظي بالجمال حينها سيكون العبء النفسي كبيرا عليك فحصتك من السخرية والهجاء والنعت بصفات لم تخلق للبشر تلطم أسماعك في كل مكان ولن تمحو آثارها لا طب العطارين ولا مراكز التجميل ولا حتى الحظ السعيد الذي قد تتعثرين به في حياتك فلا شيء يضاهي عند المرأة جمالها وأنوثتها والاهتمام غذاء لروحها.
وأن تكوني امرأة وحينها لك الحق في العشق ولا بأس في أنك ستقعين في الحب بشكل من الأشكال وستدفعين ضريبة المشاعر الإنسانية والأمنيات التي حلمت بها في مناماتك أن تتحول إلى حقيقة ستكلفك باهظا قد تكون ضريبتها “حياتك” ببساطة ولا مبالغة في ما أقول.
فأن تكوني امرأة يعني ذلك أنك ستصبحين زوجة موهوبة على مدار الليل والنهار وعلى نغمات الفصول الأربعة، تجيدين وتمارسين طقوس الطاعة الزوجية بدءاً من طقوس السرير ومروراً بفنون المطبخ ولاحقاً خوض المعارك الشرسة مع الشركاء، وحذاري من الاقتراب والتفكير بحقوق الزوجة ما لك وما عليك، وإلا فالقوانين لن ترأف لك لأنها ممهورة ببصمة ذكر مفعم بمعاني الذكورة.
وأن تكوني امرأة يعني ستحصلين على هبة من السماء وتعيشين الأمومة التي كنت تحلمين يوما بها، تحملين تسعا من الشهور وتتذوقين أصعب ألم قد يتذوقه الجسد في هذه الحياة وهو المخاض والولادة ولا مفر أنت من اخترت وعليك بضريبة ذلك ويأتيك الطفل الذي يغير جغرافية جسدك وروحك وعقلك لتتسخر جميعها في جعل ذاك الطفل رجلا أوذكراً مستنسخا من والده أو امرأة تعيسة كأمها، وتقدمين القرابين متتالية حتى يقوى العود ويضاف رقما الى من يمارس السلطة والعنف عليك فلا بأس إنه من فلذات الأكباد وعلى يديك ترعرع واعتاد كل ما يفعله أو يجب فعله فإنه الرجل وأنت المرأة.
وأن تكوني امرأة تطمح للسلطة والعمل في السياسة فالويل ثم الويل، فأي طريق اخترتِ سيدتي؟، مليء بالأشواك توخز في جسدك وتقلق راحتك، الإشاعات مستمرة والمراقبة قائمة واقتناص الأخطاء مهما كانت وكأنك معصومة عن أخطاء يقع فيها أدهى الرجال، خرق لكل خصوصية وفرض القيود على ممارسة الحياة الطبيعية. فأنت منافسة قوية وشجاعتك قد تكون مدمرة لبعض العادات ومرعبة لبعض النفوس، السياسة لاترحم ولن ترأف بالنساء.
ويا سيدتي بعد المرور بكل مرحلة من مراحل حياة النساء وخوض كل التجارب وتذوق مرارتها التي ستنسيك روعة كونك خلقت في هذا العالم أنثى وهناك الكثير مايجب أن تتمتعي به في هذه الحياة التي ترينها ثقيلة على كاهلك ولكنك تجدين دوما بأن الحياة تليق بالنساء، ستتألمين وستذرفين دمعا غزيرا وستشعرين بالوحدة والضعف والحاجة الى سند وستضيق بك الحال وستلعنين الساعة التي خلقت فيها أنثى، ستجدين إنَّ البشر والحجر والقانون والشرائع والعادات والتقاليد كلها اتحدت ضدك، ستختارين كل ما ترغبين فيه ستعيشين تجاربك الخاصة وتحلمين بالحقيقة التي ترينها في داخلك كالشمس مشرقة، ستأتي اللحظة التي ستنهضين فيها بعد تأمل ومناجاة لروحك المنهكة وتقطعين عهدا لنفسك بالاستمرار مهما كان، فثورتك في داخلك يجب أن تنتصر، فالحياة معركة هكذا تبدو للجميع وأنت منهم تعتقدينها معركتك.
فالأرض المباركة من تحت أقدامك صماء والسماء بصفائها صماء والريح عاتية لا تساير مزاج البشر. فرفقاً بأنفسكن أيتها القوارير، فما لكنَّ إلا ما لكن أيتها النساء.