حسين جلبي
يبدو بأن التاريخ يكرر نفسه كما يقال، مرةً على شكل ملهاة وأُخرى على شكل مأساة، إلا أن الصحيح أيضاً هو أنه يحمل في الحالة الأولى بذور الثانية، بحيث تكون هذه الأخيرة نتاجاً أو مكملة لها، وهكذا يدرك المرء في نهاية المطاف؛ بأنه كان يعيش مأساة من فصلين منذ البداية. منذ أعوام يتلاعب الآبوجيون بكُرد سوريا وعواطفهم ومصيرهم، يبيعون ويشترون فيهم في الأسواق وحتى على نواصي الشوارع، ويشغلون طواحينهم الهوائية بدمائهم ودموعهم، حتى وصل بهم الأمر إلى التحول إلى أداة لمن هب ودب، من أمريكا إلى روسيا إلى غيرها من قوى عالمية، ومن إيران إلى العراق إلى سوريا، جنباً إلى جنب الميليشيا التي تتبع هؤلاء جميعاً، مقابل حفنة من الدولارات، ورفع بعض الرايات البائسة؛ لزوم الخدمة.
بعد أن إشتد عودهم، أو بعد أن شد نظام الأسد عودهم وسلحهم وأتم تجهيزهم، ذهب أبوجيي الأسد بأبناء الكُرد وبناتهم إلى مدن وبلدات عربية الهوية، دخلوها وكأنهم فاتحين؛ ضحكوا ودبكوا فوق أطلالها، ودماء أهلها وهي لم تجف بعد، ونشروا راياتهم القهرية الصفراء، كان ذلك بعد أن مهد الطيران لمسيرهم ذاك، من خلال مسح معالم البيوت عن الوجود، وقتل وتشريد أهلها، ليدعي هؤلاء على الأثر بطولةً ليست لهم، وينسبوا للكُرد جرائم لم تُرتكب بأياديهم، لا بل شط بهم الخيال إلى حد تغيير أسماء مدن وبلدات ومواقع، وإعطائها أسماء كُردية زيادة في التلاعب العقول، وزيادة الضغائن تجاه الكُرد، بينما راح الغوغاء، العاطلون يهربجون من وراء الشاشات للجريمة الموصوفة؛ ويستهزؤون بأوجاع الضحايا ويسخرون من آلامهم.
اليوم يجرب الكُرد، وللأسف الأبرياء منهم الوجع ذاته؛ ويشربون من الكأس المُر؛ التي سبق وأن سقاها سفائهم للآخرين، فقد وجد أبناء المدن والبلدات والقرى التي دخلها الآبوجيون يوماً؛ حليفاً أو مشغلاً لهم، مثلما كان نظام الأسد وباقي اللاعبين قد وجدوا في الآبوجيين أداة إستخدموها لأغراضهم، وهاهي المدن والبلدات والقرى الكُردية تُدمر الواحدة تلو الأُخرى، مثلما كان هناك من يدمر باسم الكُرد بيوت الآخرين ومدنهم، وهاهم الكُرد يدفعون ثمن جرائم لم يكن لهم يد فيها من قريبٍ أو بعيد، مقابل ذلك، تغير دور الغوغاء العاطلين إياهم اليوم، فبعد أن كان إستهزاءً وسخرية وضحكاً وصباً للزيت على النار، هاهو يتحول إلى ولولة كاذبة، ومرة أُخرى عن بعد.
من يرى ألسنة النار؛ وهي تخرج من أفواه آبوجيي أوربا والخليج والإمارات؛ وحتى المقيمين منهم في إقليم كُردستان، ومن يرى الشرر المتطاير من أعينهم وزمجراتهم من وراء الشاشات والحدود، ويقرأ بوستاتهم وتغريداتهم؛ ويشاهد لايفاتهم ويستمع للعيهم وتخوينهم لسواهم، ومن يستمع إلى المطبلين والمزمرين لهؤلاء، والراقصين على طبل وزمر الفئة السابقة، والمهربجين لهؤلاء جميعاً، سيظن بأن نصف المشار إليهم أعلاه قد أصبح على جبهة عفرين في مواجهة الأتراك، بينما نصفهم الآخر لا يزال في مطارات أوربا والخليج والإمارات ينتظر دوره، وقد تسببوا في أزمة حادة في الطائرات بعد أن تكدسوا فيها؛ وشكلوا طوابير طويلة أمامها إنتظاراً للسفر، بينما يكاد جسر سيمالكا لا يخلو من المهرولين منهم، بإتجاه عفرين نصرة لها.
في الحقيقة لا أجد شيئاً واحداً، أي شئ يجعلني أدافع عن الآبوجيين وحواشيهم، وإبرئهم من الجرائم الحاصلة بحق الكُرد السوريين، فكل شئ في تاريخهم الأسود يستحق الإدانة فحسب، ذلك التاريخ يخلو من مثقال ذرة واحدة من الإنسانية أو التضحية أو الصدق، لقد هجروا ما لا يقل عن مليون كُردي سوري خلال سبع سنوات، تسببوا في تدمير كوباني، وفي تدمير البنية التحتية والتعليمية للمناطق الكُردية السورية والقائمة تطول، وآخر إنجازاتهم اليوم هي عفرين، التي تتعرض للتدمير وأهلها المسالمين للتقتيل، كرمى لصورة زعيمهم أوجلان، لقد أعدوا مسرح الجريمة جيداً، وبعد أن حشدوا الكُرد في معركة مدمرة خاسرة سلفاً؛ تراجعوا إلى الخلف يتفرجون، وقد إتخذوا وضع المزهرية.
مثلما الآبوجيون غير مستعدين للتفكير بعقولهم، وللتضحية مرة واحدة لتجنيب عفرين مصير كوباني، فلا يوجد آبوجي واحد على إستعداد للتخلي عن عمله ومصلحته وماله؛ والمعونة التي يتلقاها من الدولة التي يقيم فيها في سبيل عفرين، لكنهم هؤلاء جميعاً غير مستعدين أيضاً للتنازل عن صراخهم؛ الذي هو سلاحهم الوحيد للتشويش على حقيقتهم وضآلتهم، وبالنتيجة فإنه ليس ثمة آبوجي واحد على إستعداد لتلبية نداء “الإدارة الذاتية الديمقراطية” التي وجهته للآبوجيين بشكل خاص للعودة، للعيش “في ربوع الحرية في روجآفا”، والدفاع عنها في وجه الأخطار التي تتعرض لها كما ذكر النداء، هذا رغم تغزل من وجه لهم الخطاب وحواشيهم بتلك الإدارة، وتخوينهم لمن ينتقدها ولا يعترف بها ولا يعود إليها.
الآبوجي الذي لن يعود للدفاع عن عفرين، سيستمر في الصراخ من وراء الشاشات، وشتم وتخوين غيره، ممن لن يذهب مثله للدفاع عن عفرين، سيستمر بالتغزل الكاذب، وبالإختباء وراء صور من يسميهم “قديساته وقديسيه”، ولكنه سيجبن عن أن يكون واحداً منهم في الميدان، وبدلاً من إثبات رجولته مرة واحدة، من خلال إقران القول بالفعل والعودة إلى عفرين، فإنه سيعبر عن نفسه، من خلال الشتم والتخوين، في ميادين؛ الصمت فيها هو الكرامة الحقيقة.