إبراهيم اليوسف
يتعالق اسم السفير الأمريكي الأخير روبرت فورد، على امتداد حيز لابأس به، من مدونة سردية الثورة السورية، لاسيما في بدايتها، سواء من خلال ظهوره في أكثر من مدينة سورية، من دون علم النظام الحاكم، كما كان يبدو للمتابع العادي، ليتابع المظاهرات الشعبية التي كانت تتم، أو من خلال نشاطه ولقاءاته بالسوريين . إذ عرض نفسه بذلك للتشهير من قبل إعلام النظام الذي ألب عليه شبيحته وأزلامه، إلى درجة الخوف على حياته، بما جعله يبدو في مظهر المخلص، أو البطل، بعيداً عن أي منجز او أثر له في مرحلة ما قبل الثورة ومهادها، أو حتى بعد إحالته للتقاعد، وهوما أهله ليتم تكريمه من قبل بلده، كدبلوماسي عمل في ذروة اشتداد الخطر المحدق به.!
وفورد أحد الأسماء الإشكالية في مدونة الثورة السورية، على أكثر من صعيد، إذ إنه الاسم الاستفزازي لدى آلة النظام، كما أنه بات يفتقد تدريجياً بريق وسطوة اسمه لدى المعارضة التي طالما التقاها، وزار بعضها في المدن والأرياف خارج العاصمة السورية، من دون أي تنسيق مع سلطة المركز التي تفرض، وفق بروتوكولاتها، على الدبلوماسيين، إعلامها بتحركاتهم خارج مقارِّ أعمالهم، بدعوى تأمين الحماية لهم، واعتبار أية لقاءات بالمواطن السوري اختراقاً لها من جهة، ومدعاة إدانة للمواطن، حتى وإن كان ناشطاً حقوقياً او مدنياً كما جرى لي ولآخرين، عندما التقينا في دمشق دبلوماسيين بريطانيين في العام2008 وأدى ذلك إلى الضغط عليَّ بعيد نميمة من طرف أو أكثر!
ربما لن يكون سلوك فورد غير مفهوم في حماسه للثورة السورية، كما قد يبدو ذلك لأي متابع لشأن ثورة السوريين، لأول وهلة، ومردُّ ذلك إما أنه انخدع بالخطاب العلني من قبل مركز القرار في بلده الذي بدا وكأنه مع تغيير نظام بشار الأسد، لاسيما بعيد إعلان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عن خطوطه الحمر التي أججت جذوة الحماس في الشارع السوري، وبات العالم بأسره يترقب السقوط النهائي للنظام، ما دفع حتى بكثيرين ممن كانوا في مركبة النظام للقفز منها إلى مركبة الثورة، على حين غرة، إما للنجاة برؤوسهم، أو للحفاظ على ديمومة مكاسبهم، وهو ما أوجد خللاً في بنية المعارضة نفسها. المعارضة التي احتضنت هؤلاء في مظاهر الثوار، وأولت أبعاضهم مراكز حساسة في صفوفها الأمامية، ومنهم من آل إليه القرار السياسي، جراء هذا الانتقال السياحي ، من دون أن يكون مؤمناً برسالة الثورة والثوار، لاسيما في ظل عدم وجود الضوابط اللازمة من قبل من تنطعوا لقيادة واجهات الثورة السورية، وفي مطلعها: المجلس الوطني السوري، ومن ثم قوى الائتلاف..!
وإذا كان فورد قد التقى بعيد انطلاقة الثورة بعض رموز المعارضة، وعده بعضهم مسؤولاً عن إراقة دماء بريئة لأنه أكد للمعارضين الذين التقاهم- ومنهم الكاتب والقيادي الكردي مشعل التمو- أن التغيير مؤكد، و وشيك، فإن اللقاء به بات مسترخصاً، من خلال لقاءاته التالية غير المدروسة ببعضهم- في تركيا مثلاً- تحت يافطة اللقاء بالحراك، أو سواه، وقد بات مألوفاً أن يصرح أحد مراهقي السياسة الذين سرعان ما تقاعدوا عنها بشكل مبكر، بعد أن تم منع التظاهرات، و هجرة وتهجير الوجوه المشاركة وغير المشاركة إلى دول الجوار، بمناسبة أو دونها: موعدي للقاء بفورد اليوم أو غداً…!
لست- هنا- في موقع نقد وتقويم سلوك هذا الدبلوماسي الغربي الذي كان يخدم سياسة بلده، بكل تأكيد، حتى في رسالته الشهيرة التي وجهها إلى السوريين، إلا أنني أجد أنه من اللزام عليه أن يجري مراجعة دقيقة، لسياسة بلده، ولذاته، في آن واحد، بعيداً عن دهاء الدبلوماسي البراغماتي، بادئاً ذلك من خلال بوابة نقد الذات، لاسيما إن الأمر يتعلق بدماء هؤلاء الضحايا الذين فقدوا حياتهم، أو تعرضوا لعاهات دائمة، جسدياً، أو سايكولوجياً، وهم بالملايين، وفق هذا التصنيف، ناهيك عن الدمار الرهيب الذي لحق بالبنية التحتية لسوريا؟؟!
قد يكون هناك دافع شخصي لفورد وراء حماسه، حيث إنه كان يلاحظ عمق مكابدة السوري على أيدي نظام بلده- وهو ممكن- إلا أن هذا يفرض عليه أن يخلص لهذه الرؤية من خلال مثل هذه المحاكمة لبلده ولذاته، لا الاعتماد على التصريحات الفاقعة التي ما عادت تفيد أمام حجم القتل والدمار الرهيبين في هذا البلد، كما أنه لا يستبعد أن يكون بعض أسباب حماسه شخصياً، إذ إن اللعبة الدولية انطلت عليه هو الآخر، وكان مغفلَّاً، لأنه خيل إليه في لحظة ما أنه سيتحول إلى” بول بريمر” إعمار سوريا، وحاكمها العرفي حتى لحظة استقرارها. هذه الأمور كلها، يعد فورد مسؤولاً عن الإجابة عنها، وهي لما تطرح عليه، حتى الآن، بالحدة المطلوبة التي تصل إلى مستوى عمق الجرح السوري..!؟
* جريدة كردستان
* المقال كتب قبل حوالي سنة ونصف ولم ينشر إلى الآن