حسين جلبي
يعيش كُرد سوريا هذه الأيام أسوأ وأخطر مراحل تاريخهم، ليس ذلك بسبب تعرض عفرين؛ عروس كُرديتهم لهجوم كاسح من قبل الجيش التركي وصنيعته من فصائل سورية مسلحة، والذي كان من نتائجه حتى الآن؛ تساقط عشرات البلدات والقرى الكُردية الواحدة تلو الأُخرى في قبضة المهاجمين؛ ومقتل الآلاف من الشابات والشبان الكُرد في المعارك، بل لأنهم يخوضون معركة عفرين مرغمين؛ بلا أمل أو أصدقاء أو مقومات نجاح، فالمعركة أُحادية الجانب ونتيجتها في النهاية هي الهزيمة. أما الأبعد من ذلك، فهو ما يمكن أن ينتج عن المعركة من نتائج كارثية على الوجود الكُردي في سوريا، ذلك الوجود الذي شهد أصلاً نزيفاً حاداً طوال السنوات السبع الماضية، على خلفية الإجراءات القمعية لحزب العمال الكُردستاني، والتي يأتي على رأسها حملة التجنيد القسري الفالتة من عقالها، والتي تشمل الصغار قبل الكبار، الأمر الذي دفع مئات آلاف الكُرد للفرار؛ للنجاة بأنفسهم من الحزب.
في مثل هذا المفصل التاريخي المصيري، يحق للمرء أن يتسائل عن المسؤولية الأخلاقية والجنائية؛ لمن حشر الكُرد وحيدين في مثل هذه الزاوية الضيقة، وخنقهم فيها وكتم على أنفاسهم، بحيث أن صوت ألمهم لا يصل اليوم إلى أحد في العالم. فإذا كان المشروع الكُردي يشكل مشكلة للأتراك، وهو كذلك حقاً، فإن الأتراك لم يكونوا مشكلة للكُرد في سوريا حتى وقت قريب، حتى اللحظة التي إنخذ فيها حزب العمال الكُردستاني من مناطقهم منصة للتحرش بتركيا، فراح ومنذ اليوم الأول للثورة السورية يرفع لهم صور أوجلان، الذي لا علاقة بكُرد سوريا من قريب أو بعيد، ولا بالمشروع القومي الكُردي من أساسه، ثم راح يفرض أجندته المرضية على الحياة في المدن والبلدات الكُردية، حتى أصبحت يوميات السياسة التركية مادة يومية على موائد الطعام وغرف النوم، بدلاً من الشأن الكُردي السوري. وفي هذا السياق يحق للمرء أن يسأل: إذا كان حزب العمال الكُردستاني بهذا الضعف والهوان، وهو لم ينتصر بالفعل يوماً في معركةٍ إلا على الكُرد المسالمين، فلماذا جعل من تركيا هدفاً له، وهي قوة عسكرية كبيرة؛ تفوق بإمكاناتها الكُرد في سوريا بما لا يُقارن، أم أنه مثل حزب الله “لم يكن يعلم” بأن ردها على غباء خياراته ومغامراته سيكون كذلك، أم أن الإخلاص لنظام الأسد فوق كل إعتبار؟
في نوفمبر الماضي، أي قبل حوالي ثلاثة أشهر من الآن، وعندما بدأت بوادر الهجوم التركي على عفرين تلوح في الأفق، أطلق بطل التصريحات النارية في حزب العمال الكُردستاني “قريلان” صاروخاً إعلامياً ثلاثي المفعول: أرض ـ جو ـ بحر من منصات الحزب في أعماق كهوف جبال قنديل؛ قال فيه بأن حزبه: “سيجعل من عفرين مقبرة للأتراك إذا هاجموا المدينة”، ثم دخل المذكور في سباته الشتوي العميق، حيث لم يسمع أحد عنه شيئاً منذ ذلك الوقت، رغم أن منطقة عفرين تتعرض مذ سبعة أسابيع لهجوم بري وجوي تركي غير مسبوق، وقد تحولت فوق ذلك إلى ملعب لشبيحة الأسد، وتتحول يوماً بعد آخر إلى مقبرة للكُرد، طبعاً بفضل السياسة الحكيمة والشجاعة لحزب المدعو “قريلان”. هذه السياسة العظيمة التي نجحت في جعل الكُرد أداة مرنة؛ قابلة لخدمة أجندات الجميع دون مصلحتهم أنفسهم، كما نجحت وبإقتدار في إيصال صوت الكُرد وصورتهم إلى الآخرين بشكل مشوه، بإعتبارهم وقوداً لحزب موجود على قائمة الإرهاب، كلما تمسكوا بها؛ كلما أنزلهم معه إلى الهاوية، بحيث أن صوت الكُردي لم يعد يتجاوز أصدقاء صفحته الفيسبوكية.
إن ما يجري للكُرد اليوم ليس مقاومةً ولا صموداً ولا إنتصاراً، بل هو مذبحة موصوفة وتدميراً ممنهجاً، تحت إشراف ورعاية حزب العمال الكُردستاني، ولمصلحة راعيه نظام الأسد. لقد سلب الحزب الكُرد كل شئ طوال سبع سنوات، واليوم يسلب مدينة عفرين ومقاومتها حتى هويتها الكُردية، ذلك أن دفاع الكُرد عن أنفسهم وبيوتهم ومدنهم؛ لا يجري باسمهم وهويتهم وتحت رايتهم، بل تحت راية نظام الأسد، وإلا ما السر في أن علم النظام السوري؛ هو الوحيد الذي كان مرفوعاً في بلدة راجو عندما دخلها الأتراك، وأين إختفت مئات الأعلام، بالألون والأحجام المختلفة التي إخترعها الحزب؟ أليس القصد من ذلك هو القول بأن نظام الأسد هو الذي يدافع عن المدينة، خاصة بعد إرساله بعض شبيحته إلى المنطقة، بناءً على نداءات الحزب له لإستلامها، ليصبح الكُرد بالنتيجة “قوات شعبية” مؤازرة للجيش العربي السوري، كما أسماهم النظام منذ البداية، ثم لماذا كان الحزب يصر عندما يدخل مسلحوه المدن والبلدات العربية؛ بعد قصف قوات التحالف لها وتدميرها، على أن يجري ذلك بهوية كُردية، وتحت راياته وصور زعيمه أوجلان؟ ألم يكن ذلك لغرض زرع المزيد من الكراهية في نفوس الآخرين تجاه الكُرد؟ وهو ما يحصد الجميع نتائجه اليوم.