لماذا الدول الكبرى تغض الطرف عن إرهاب أردوغان1/2

 د. محمود عباس
  كثيرا ما تخطت تركيا حدود القيم الدبلوماسية، مستخدمة الأساليب المبتذلة في الرد على مواقف بعض الدول أو تصريحات سياسييها، ومنها الكبرى، كأمريكا وأوروبا، كما واجهت روسيا بضربة عسكرية، بأسقاط طائرتيها الحربيتين فوق سوريا، وكان الرد دون مستوى العنجهية الروسية المعروفة بالثأر لقيمها الوطنية وحماية مصالحها الخارجية.
فما السر، وراء هذا التعامل المرن معها؟ والصمت إزاء تجاوزاتها الخطوط الحمر؟
فهل هي حقاً بتلك القوة العسكرية التي تجعلها لا تهاب ردة فعل الدول الكبرى؟
 أم أن الخدمات التي تقدمها لهم كافية لشراء سكوتهم؟
وما هي هذه الخدمات؟
 نحن هنا لا نتحدث عن الصراع بين القطبين، أمريكا وروسيا، وتغاضيهم عن السيرك الأردوغاني ضمن هذا المجال. ففي الواقع وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي لم تعد لتركيا تلك المكانة العسكرية، بل وحينها كما هي الأن قواتها لم تكن بذات الأهمية الدولية فيما لو جردت من الدعم الأوروبي-الأمريكي، ولغتها الدبلوماسية الدونية، مع العالم، وتحرشاتها بدول الجوار، واعتداءاتها على الأطراف، مثل هجومها على عفرين، نابعة من الثقافة الطورانية العدائية، قبل أن تكون مبنية على قوتها العسكرية الهشة.
  في الثالث من شهر شباط الماضي، ومن ضمن القاعدة العسكرية في مدينة باتمان الكردية، وجه أردوغان كلمة غير مباشرة للذين شككوا في قوة ترسانته العسكرية، وبنيتها، ومنابع تمويلها، وقد كتبنا سابقاً في هذه عدة مقالات، معتمدين على مصادر المراكز الاستراتيجية العسكرية العالمية، وبينا أن أكثر من 90% من عتاده مستورد من المعامل الأمريكية -الأوروبية، فحاول التغطية على هذه الحقيقة المخزية في كلمته، لكنها خرجت، ومن حيث المنطق السياسي- العسكري أقبح فيما لو كان ذاكراً الحقيقة، عندما قال ” كنا نوفر 80 % من احتياجاتنا(التسلح) من الخارج، والأن نحن ننتج البنادق الخاصة بنا”.
 وكونه ثاني أكبر قوة في الناتو لا تعطيه تلك المكانة عند المقارنات الدولية، لأن المراقبين العسكريين يميزون بين المصطلحين التاليين ” صنع في تركيا” و ” من صنع تركيا” فالعتاد الذي يتبجح به أردوغان في كلمته والتي شملت نوع من الدبابات، وطائرات بدون طيار، ونوع من الصواريخ أرض -أرض قصيرة المدى، والتخطيط لصنع نوع من الدبابات بلا طاقم، تندرج ضمن المصطلح الأول (صنع في تركيا) وهذه تعني حالتين:
.1 التجميع، أي أن تركيا، ولتخفيف التكلفة على المصنع، من اليد العاملة إلى الشحن، وأحيانا الضرائب، تستورد القطع من منابعها الرئيسة، ويتم تجميعها في المصانع التركية وتحت مراقبة الشركات أو الدول المصنعة، وهنا لا تستطيع تركيا امتلاك التكنلوجيا العسكرية الخارجية المحاطة بسرية تامة، وعلى أثرها هددتها ألمانيا بانها لن تدعم دباباتها لاحقا، بالتطوير أو القطع، وذلك على خلفية استخدامها في هجومها على منطقة عفرين، وهذه تنطبق على الطائرات بدون طيار، والتي هي إسرائيلية الصنع، وقد بدأت تستوردها بعد الاتفاقية الاستراتيجية العسكرية المستدامة حتى اللحظة. وفضحت هذه في كلمة أردوغان عندما قال ” تقريبا جميع الناقلات المدرعة (العاملة) في عفرين تنتج محليا، وأشكر أصدقائنا الذين أنتجوها” ذاكراً ” الإنتاج” ولم يأتي على ذكر كلمة “الصنع” محليا ولا العتاد العسكري المستخدم.
.2 الحصول على رخصة التصنيع لبعض القطع ذات التكنلوجيا البسيطة، وقد حصلت عليها تركيا بعد موجة المساعدات الاقتصادية العالمية الضخمة، والتي شملت ليس فقط السيولة البالغة على مدى عقد من الزمن، بدءً من 2007م وحتى 2016م (الفترة التي بلغت فيها الاقتصاد التركي الدرجة 17 في العالم بعد هولندا، والمتجاوزة في بعض السنوات 70% من الدخل القومي العام) بل درجت ضمنها العديد من التراخيص، لصنع القطع، تحت إشراف الشركات الداعمة، مثلما كانت الاستثمارات تحت مراقبتهم وبعلامات تجارية تركية. وقد ذكرها في كلمته تلك قائلا ” في الماضي لم يكن هناك مال، ولكن الآن هناك الكثير من المال المتدفق، وحزب العدالة والتنمية لديه رؤية لتحقيق هذا المشروع” والحديث يجري عن المال الذي كان يتدفق في الماضي من الخارج لتسخير أردوغان، والتي يؤديها اليوم، ويعتم عليها بتصريحاته الهوجاء.
واستنادا على تقارير (Global Firepower) و (Pwrlndx) تدرج تركيا كثامن أكبر قوة عسكرية في العالم، من حيث مجموع الأفراد، وليس قوة السلاح، فقد قورنت قوتها بقوة إسرائيل دون إدراج السلاح النووي الإسرائيلي والتكنلوجيا المتطورة، رجحت فيها أن إسرائيل ستتمكن من مواجهتها رغم قلة قوامها العسكري، حتى بدون استخدم الأسلحة النووية ولسنوات. نشر في هذا المجال المحلل السياسي الروسي (إفغيني كروتيكوف) مقالا بتاريخ 27-7-2016م في مجلة (سبوتنيك الدولية) تحت عنوان (نمر الورق: لماذا الجيش التركي ليست قوية كما يبدو) ذاكرا أن “الجيش يحاول تعويض العجز التكنولوجي مع قوة بشرية غير محدودة” موضحا أن أهم طفرة نوعية فيه حدثت في عهد (تانسو تشيلر) محاولة تحويلها إلى قوة عسكرية حديثة قادرة على التعامل مع التحديات المحلية، كالتي يطرحها حزب العمال الكردستاني، وتلك النقلة النوعية لم تبلغ سوية الصنع الذاتي كالتي تقوم به إسرائيل، أو التي بلغته إيران إلى حد ما، رغم تدفق الأموال من الخارج…
 
 يتبع…
 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
1-3-2018م   

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تمعنوا، وفكروا بعمق، قبل صياغة دستور سوريا القادمة. فالشعب السوري، بكل مكوناته، لم يثر لينقلنا من دمار إلى آخر، ولا ليدور في حلقة مفرغة من الخيبات، بل ثار بحثًا عن عدالة مفقودة، وكرامة منهوبة، ودولة لجميع أبنائها، واليوم، وأنتم تقفون على مفترق مصيري، تُظهر الوقائع أنكم تسيرون في ذات الطريق الذي أوصل البلاد إلى الهاوية….

نظام مير محمدي*   بعد الذي حدث في لبنان وسوريا، تتسارع وتيرة الاحداث في المنطقة بصورة ملفتة للنظر ويبدو واضحا وتبعا لذلك إن تغييرا قد طرأ على معادلات القوة في المنطقة وبحسب معطياتها فقد تأثر النظام الإيراني بذلك كثيرا ولاسيما وإنه كان يراهن دوما على قوة دوره وتأثيره في الساحتين اللبنانية والسورية. التغيير الذي حدث في المنطقة، والذي كانت…

عنايت ديكو سوريا وطن محكوم بالشروط لا بالأحلام. سوريا لن تبقى كما يريدها العرب في الوحدة والحرية والاشتراكية وحتى هذا النموذج من الإسلاموية، ولن تصبح دولة كما يحلم بها الكورد، من تحريرٍ وتوحيد للكورد وكوردستان. هذا ليس موقفاً عدمياً، بل قراءة موضوعية في ميزان القوى، ومصارحة مؤلمة للذات الجماعية السورية. فمنذ اندلاع شرارة النزاع السوري، دخلت البلاد في مرحلة إعادة…

محمود برو حين يتحدث البعض عن كوردستان على أنها أربعة أجزاء، ثم يغضون الطرف عن وجود كوردستان الغربية، ويحاولون النقص من حقوق شعبها تحت ذرائع مبرمجة ومرضية للمحتلين ،فهم لا ينكرون الجغرافيا فقط، بل يقصون نضالاً حقيقياً ووجوداً تاريخيا و سياسياً للكورد على أرضهم. إنهم يناقضون انفسهم ويدفعون شعبهم إلى متاهات صعبة الخروج كل ذلك بسبب سيطرة الادلجة السياسية…