جبر الشوفي: الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية من أفضل الحلول للكرد في سوريا

حاوره: عمر كوجري 
   
قال الكاتب والمعارض السوري جبر الشوفي في معرض حديثه عن سوريا المستقبل في حوار خاص لصحيفتنا «كوردستان» إن لا مستقبل لسورية إلا بعد تحقيق العدالة الانتقالية ووصول الجميع إلى حقوقهم ومحاسبة كل من تعدّى القوانين والأعراف ومن ثم إقامة المصالحة الوطنية والتفاف الجميع حول الهوية الوطنية الجامعة . 
وتحدث الشوفي عن سبب تخلّي المجتمع الدولي عن مأساة السوريين قائلاً إن الدول فتّشت عن مصالحها، ولم نحسن مخاطبتها وتطمينها، وقد تخوفّت من الإرهاب، ولم تجد قيادة تطمئنها على مستقبل سورية المستقرة لاسيما مع ظهور فصائل من الإرهاب والإسلام المتشدد المنظم والعشوائي، وطروحاته الظلامية والمعادية للغرب والحضارة.
وعن رؤيته للكرد في سوريا المستقبل قال الشوفي في حواره مع ” كوردستان” أتمنى أن يحصل الكرد على حقوقهم المشروعة في الوطن السوري، وأفضل الحلول إقامة الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية وتمتعها بصلاحيات خاصة يتفق عليها، إذ لا حياة سورية مشتركة ولا سيادة دون هذا الإقرار ومساندته بكل قوة ومن الجميع، وليكن هذا مستقبل كل الإثنيات الأخرى، فقوة سورية المستقبل وغناها بتنوعها وباستقرار جميع مواطنيها.
حول هذه المسائل.. ومسائل ساخنة تهم الحدث السوري ولوحته بشكل عام، كان هذا الحوار مع السيد جبر الشوفي:
*أنت معروف ككاتب وناقد أدبي، و”بالعادة” فإن الكُتّاب لا ينخرطون في العمل السياسي، وسجلك السياسي حافل من الانتساب للحزب الشيوعي السوري إلى الانتساب لإعلان دمشق إلى عضوية المجلس الوطني السوري الى الائتلاف السوري، ماذا تقول في هذه التجربة الغنية؟
أنا أكتب في النقد الأدبي، ولست ممتهناً للنقد، أما الانخراط في العمل السياسي، فهي تجربة كشفت لي ولغيري كثيراً من الوهم، وفتحت عيني على حقائق كانت مغيبة باسم التوجه الاشتراكي والتابعية للاتحاد السوفييتي، واتضح لي أن الحرية والكرامة بمعناهما الشخصي والعام هما جوهر أي نضال، وأي عمل سياسي ومن دونهما نبيع الوهم، ولا نصل إلى برِّ الأمان، ثم أنّ السياسة هي خيار أساسي لي وواجب شخصي تجاه مستقبل بلدنا سوريا الذي نعتز بانتمائنا إليه، وواجبنا أن نعمل على رفعة شأنه والعمل على تخليصه وتخليص شعبنا من منظومة الاستبداد والفساد والتفرقة وكل هذه الشبكة الفاسدة ترافقت مع الأسف مع الانقلابات العسكرية الأمنية ولاسيما انقلاب حافظ الأسد عام 1970 الذي جعل من الفكر القومي وشعارات التحرير نواة للحكم باسم الطائفة وتعميق الصراعات الثانوية على حساب الهوية الوطنية، لتكون عوامل مساعدة لإضعاف المجتمع والشعب وتغوّل السلطة عليه.
*برأيك هل نجح النظام السوري في تحييد أهل السويداء.. وأنت ابن السويداء عن الانخراط في الثورة السورية، وجعلها منطقة ” باردة” في المفهوم العسكري أو الأمني؟
السويداء حيّدت نفسها، وساهم النظام بذلك، ولكن من نجحوا أكثر في تحييدها، هم من هيمنوا على السلاح وتوزيعه وفقاً لرؤية ضيقة، ثمّ أن الأسباب التي دفعت كثيرين لحمل السلاح لم تتوفر لأبناء السويداء رغم بعض المحاولات التي تعثرت منذ بدايتها، ولم يكن لأبناء السويداء أن يذبح بعضهم بعضاً في صراع سرعان ما هيمنت عليه الفصائل المسلحة والممولة من الدول والتي رفعت شعارات غير وطنية، لكن في المحافظة أعداد كبيرة من المثقفين في صفوف المعارضة السياسية، وقد توفي تحت التعذيب في فروع الأمن حوالي 45 شاباً من شبابها إضافة لتوزع عملهم في أرياف دمشق والغوطة وفقاً لأماكن تواجدهم.
*عانت السويداء منذ عهد الأسد الأب ولاحقاً الأسد الابن، من تدخلات واعتداءات على الناس، وتجييش الحشد الطائفي بين مكوّنات المجتمع السوري عبر سلوكيات أمنية مسيئة، لماذا؟ 
كان سلوك النظام يقوم على تقريب الوجوه الدينية والاجتماعية لجعلهم عيوناً له ومساعدين في تخميد أيِّ حراك، يخرج عن رغبات السلطة، إضافة لتفريق المتقاربين اجتماعياً وطائفياً، وهو قد عمل في تخريب البنية الداخلية لكلّ طائفة وتخريب علاقتها بجوارها، وعبث مع كل محافظة وفقاً لظروفها الاجتماعية والمذهبية، ومنها كانت أحداث 2000 مع اعتداءات البدو المدعومين من الأجهزة الأمنية، حيث سقط برصاص الأمن أكثر من عشرين شاباً ومئات الجرحى، وكان القصد دائماً إلهاء المجتمع وإضعافه في صراعات جانبية، ليعود إلى النظام ويطلب منه الحلول .
*قلت في حوار سابق إن الأجسام والسقوف السياسية السورية لم تشجّع على الانخراط في صفوفها، برأيك لماذا لم تنتج الحالة السورية معارضة بمستوى الجرح السوري الكبير؟ 
لا تاريخ سياسي عميق وحقيقي للمعارضة السورية، فهي ظلت موزعة ومتفرقة ومودعة في السجون، ولم تلتئمّ على مشروع وطني تنموي متكامل، وكان الاستبداد السبب في عدم نموها ونضج تجربتها، فلما جاءت الثورة تكشفت عيوبها، وعفويتها وارتهان بعض رموزها للخارج والنرجسيات المتنافسة.
طول فترة الثورة وكثرة الأهوال وموقف الدول اللامبالي، كل ذلك وغيره ساهم في مزيد من ضعفها وتشتتها، لكن الأخطر كان إثارة النزاع الطائفي والمذهبي والإثني. 
*برأيك، لماذا تخلّى كلّ العالم عن حماية السوريين، ويتفرّج على الدمار الذي يلحقه النظام وبجميع أنواع الأسلحة، وكذلك بعض المجاميع الإرهابية المسلحة بحق الشعب السوري؟
الدول فتّشت عن مصالحها، ولم نحسن مخاطبتها وتطمينها، وقد تخوفّت من الإرهاب، ولم تجد قيادة تطمئنها على مستقبل سورية المستقرة لاسيما مع ظهور فصائل من الإرهاب والإسلام المتشدد المنظم والعشوائي، وطروحاته الظلامية والمعادية للغرب والحضارة، ولحياة الإنسان وحقوقه، وحتى الآن تقول بعض الدول ليس عندكم بديل جاهز لبشار الأسد سوى الإسلاميين المتشددين.
*بتصورك هل نجح النظام في تطييف المجتمع السوري، أم أن مقولة “الوحدة الوطنية” كانت شعاراً للاستهلاك المحلي؟
حتى الآن وخارج الفصائل الملتبسة لم ينجح النظام في تحويل الحرب إلى حرب طوائف، وإن ساد مناخ من الكراهية والتنابذ لكن مازالت اللاذقية تحوي أكثر من مليون نازح سنّي، وكذلك بقية المحافظات، لذا عودة الهدوء وإيقاف الحرب ومحاسبة المجرمين كفيل بإنهاء هذه الشعبوية المسيئة للجميع . 
*أنت دائم الظهور في الفضائيات العربية، برأيك: هل استطاع رجالات الثقافة والتحليل السياسي في سوريا إقناع شرائح فاعلة على المستوى العالمي بأحقية الشعب السوري لحياة أفضل ونظام أفضل؟
كنت دائم الظهور في الفضائيات، ثم توقفت منذ آواخر  2014، الخطاب الإعلامي والثقافي والتحليل السياسي، – ما عدا بعض الاستثناءات، ولاسيما الاكايميين الذين يطلون من دول أوربية وأمريكا – لم يكن ولا زال يعاني من فقر وعشوائية وبعد عن المهنية لذا لم يصل خطابنا إلى العالم الخارجي كما يجب ومازال العالم بعيداً عن تفهمنا ! 
*قلت في تصريح تلفزيوني سابق إن النظام السوري سياسياً ودبلوماسياً محاصر بشكل كبير، ولا يملك غير القوة العسكرية، لكنه ينجح الآن في فرض سيطرته التي تكاد أن تكون على كامل الأرض السورية، ما قولك في هذا السياق؟
ولا زال محاصراً حتى من داعميه فما يتلقاه من الروس من مهانات متكررة والخلاف مع موسكو بسبب عبثه بمن أرسلهم إلى مؤتمر سوشي وما ورد من مهانات إيرانية في توصيفه نوع من هذا الحصار، والحصار الأهم من الدول الغربية ومعظم الدول العربية، وعدوانه المجرم على الغوطة دليل على هذا الحصار السياسي الدبلوماسي ومحاولته إعادة الوضع الميداني والتهرب عبره من الحل السياسي، وثمة اللاورقة الأمريكية وخمس دول وهي تشير إلى مقترح حلّ عن طريق مقررات جنيف، وكل هذه ويرها تحاصر النظام فيهرب إلى العنف ليعيد الحسم لنتائج المعركة .
*متى يمكن القول إن المجتمع الدولي بدأ يفكّر جدياً بإنهاء المشكل السوري؟
حينما لم يعد قادراً على تحمّل تبعاتها وحينما يصل إلى توافق حول الحلول وتقاسم المصالح، فالحرب حروبهم والمصالح مصالحهم ونحن خارج الحسابات   
*بين الفترة والأخرى، نقرأ عن مؤتمرات دولية جديدة بشأن السلام في سوريا، ماسرُّ كل هذا الإخفاق الدولي في تحقيق سلام للسوريين.
هو بالضبط الاختلاف بين الدول على تقاسم الضحية بينهم، فكل ما حوصر النظام تساعده روسيا على تخريب نتائج المؤتمر أو توجهاته، ومثاله الاستانة الذي أقرته روسيا ثم تلجأ هي والنظام إلى تخريبه . 
*لماذا تحليلات المحللين الاستراتيجيين السوريين وغيرهم بشكل عام حول الأزمة السورية لم تكن دقيقة، أو جانبت الواقع؟
الوضع بالغ التعقيد وسريع التغير، والدول تتبادل المواقف والمواقع، إضافة لضعف في مهنية هؤلاء وعدم وصولهم إلى المعلومات الدقيقة من مصادرها  .
*على ما يبدو تفشل الأجسام المعارضة في تكوين رأي سياسي موحّد حول الحدث السوري، كيف السبيل لتشكيل جسم معارض قوي بعيد عن التبعية للدول النافذة في المشهد السوري؟
تغيب حالياً الإمكانات المادية والمعنوية، وتفتقد الثقة بين التكوينات السياسية، وتشكيل جسم قوي يحتاج إلى تنظيم وترتيب مسبقين، واستنفار الكوادر المجربة ودعوة الممثلين عن جميع التشكيلات السياسية المؤمنة بالتغيير وأخذ مطالبات الأقليات الإثنية والدينية بعين الاعتبار، وضرورة توفير المناخ الدولي الدائم ومنع بعض الدول من تخريب نتائجه، وقبل ذلك يجب أن تتم محاسبة الهيئات التي انتهت مدة صلاحياتها!!
أنت كاتب وناقد معروف: كيف توفق بين الكتابة والعمل السياسي؟
الأولية عندي للعمل السياسي فإن توفر الوقت أنصرف لهواياتي الأخرى في القراءة والكتابة، علماً أنني أعتبر نفسي من الذين انقطعوا طويلاً عن الكتابة في شؤون الأدب والنقد الأدبي، ويعود ذلك لفترة السجن التي منعنا منها عن أي نشاط أو حتى قراءة الكتب ثم فترة الثورة والمهام الملحة التي وضعت أمامنا، وبالتأكيد حياة الشعب وشؤون الثورة لها الأولوية على أي نشلط خاص لي.
 * ما الذي أضافته تجربتك في السجن إلى قناعاتك ورؤاك؟
زادني السجن إيماناً بالحرية الشخصية والعامة وبضرورة العمل لانتصارهما، وبأن النظم الاستبدادية أكثر رهبة من الذين تعتقلهم، بل هي في خوف وقلق دائمين وإن إرادة الشعب لن تقهر . 
* سوريا المستقبل: كيف تتصورها؟
أرغب أن أراه بلداً ينعم بالحرية والديمقراطية ويسوده التآخي بين كل الإثنيات والطوائف ووصول الجميع إلى حقوقهم المشروعة وتحقيق العدالة في دولة المواطنة للجميع . 
*هؤلاء الذين بات القتل هواءهم ولغتهم، كيف يمكن العيش معهم في سوريا، هذه؟
لا مستقبل لسورية إلا بعد تحقيق العدالة الانتقالية ووصول الجميع إلى حقوقهم ومحاسبة كل من تعدّى القوانين والأعراف ومن ثم إقامة المصالحة الوطنية والتفاف الجميع حول الهوية الوطنية الجامعة . 
*كرد سوريا: كيف تنظر إلى مستقبلهم مع أخوتهم السوريين؟
أتمنى أن يحصل الكرد على حقوقهم المشروعة في الوطن السوري، وأفضل الحلول إقامة الحكم الذاتي أو الإدارة المحلية وتمتعها بصلاحيات خاصة يتفق عليها، إذ لا حياة سورية مشتركة ولا سيادة دون هذا الإقرار ومساندته بكل قوة ومن الجميع، وليكن هذا مستقبل كل الإثنيات الأخرى، فقوة سورية المستقبل وغناها بتنوعها وباستقرار جميع مواطنيها.
*كلمة أخيرة تريد قولها.
أتمنى لكم الاستمرار والتوفيق في خدمة قضايا الشعب الكردي في سورية وكل السوريين، وأن نظل يداً واحدة من أجل إسقاط الاستبداد وإقامة سوريا السيدة الحرة الديمقراطية والآمنة، لكل شعوبها وأعراقها وذلك بالاستفادة من الأخطاء التي ساهمت في ما وصلنا إليه من تشتت في القوى وضعف وتراجع. 
النصر لكم ولكل الثائرين الأحرار.   
*جريدة كوردستان – العدد 579 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…