إيزيديو عفرين والفرمان الرابع والسبعون

إبراهيم اليوسف
 
أطلق مجلس إيزيديي سوريا أول بيان عن العدوان التركي على عفرين، بعيد ساعات من العملية المسماة ب” غصن الزيتون” التي بدأت في العشرين من شهر كانون الثاني/   ديسمبر الماضي، ورأى فيه المجلس الذي تشكل بعد عام من الثورة السورية أن الحجج التي يتشدق بها هذا العدوان واهية، لاصحة لها، واعتبر هذا المجلس بذلك أول جهة  سياسة كردية  محايدة وضعت أصبعها على الجرح، مشيرة إلى  حقيقة  دواعي هذا العدوان  وهي السيطرة على المنطقة. و قد نفى البيان أية نية لدى كرد سوريا في تشكيل دولة ما، كما رأى أن من شأن هذه الحملة تحريض السوريين على بعضهم بعضاً، من دون أن ينسى البيان إدانة التدخلات الخارجية في سوريا، داعياً أطراف الصراع من عرب وكرد وسواهم لتحمل مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية.
وإذا كان تاريخ توقيع البيان هو العشرون من ديسمبرالماضي،  كما نعلم، فإن هذا البيان لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى المكون الكردي الإيزيدي في عفرين والذي يشكل النسبة الكبرى المتبقية من إيزيديي سوريا الذين بلغت أعدادهم حوالي أربعمئة ألف إيزيدي توزعوا في منطقة الجزيرة وعفرين- من دون منطقة كوباني- وكان توزعهم في عفرين على حوالي ثلاثين قرية تشكل الحد الفاصل بين السكان العرب والكرد، و لهم دور كبير في الإنتاج الاقتصادي في المنطقة و البلاد، من خلال زراعة الزيتون، وإنتاج الزيوت والثروة الحيوانية، بما يساهم في رفد حاجة السوق في البلاد، ناهيك عن الأيدي العاملة، إذ طالما تعرضت المناطق الكردية في سوريا للإهمال وسوء الرعاية من قبل الحكومات المتعاقبة في سوريا، ومن بينها منطقة عفرين.
ولابدَّ من الإشارة إلى أن أبناء المكون الإيزيدي اضطروا للهجرة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي إلى عدد من الدول الأوربية، ولاسيما ألمانيا، كما أن نسبة هجرتهم كانت أقل من هجرة ذويهم في الطرف الآخر التركي الذي تعرض لاضطهاد أشدّ، وهناك عشرات القرى الإيزيدية في تركيا فرغت من أهلها. إذ إن للدولة العثمانية سجلاً أسود في ما يتعلق بالإيزيديين إذ تعرضوا على أيديهم، لاسيما في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، للعديد من المجازر الرهيبة إلى الدرجة التي تعد كلمة” الفريق” وهي مرتبة الفريق عمر وهبي باشا “1892م”عامل شؤم في الذاكرة الإيزيدية لما قام به من ذبح للرجال الإيزيديين وسبي للنساء والأطفال، كما هو حال كلمة”الفرمان” أي” القرار” المجزرة،التي تثير حفيظة الإيزيديين  الذين تعرضوا خلال تاريخهم إلى أكثرمن سبعين فرماناً، أو مجزرة .
وإذا كان مجلس إيزيديي سوريا الذي وقف إلى جانب الثورة السورية أصدر بيانه الكردي الأول بعيد العدوان التركي الذي يعتمد على فصائل تسير في مقدمة عمليات التمشيط التركي، وكدرع بشري للجنود الأتراك، فإن المجلس سرعان ما شكل لجنة لتوثيق الانتهاكات، كما تم الإعلان عن ذلك في شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك بعيد العدوان على عدد من القرى الإيزيدية، لاسيما في قسطل جندو المتاخمة لإعزاز، إذ أفرغت البيوت من ساكنيها، وتمت سرقة الزيوت من المعاصر، بالإضافة إلى ما في القرية من آليات، ومن دون أن  يسلم خلال هذه الحملة حتى الدجاج وسائر الدواجن والمواشي التي يعنى أهالي المنطقة برعايتها، وأكد شهود عيان أن بعض مسروقات المناطق الكردية في عفرين تباع في مدينة الريحانية التركية بأسعارزهيدة.!
تشير الأنباء الواردة أن الإيزيديين يعانون الآن من الحصار الشديد، كما أهلهم الكرد في عفرين، وأن مواصلة تركيا وفصائل الجيش الحر التي ترافقها في حملتها على الكرد عملت على إفراغ الكثير من القرى الكردية، ومنها القرى الإيزيدية، وفي هذا ما ينذر بتغيير ديموغرافيا المنطقة، والإقدام على ارتكاب فرمان جديد، قد يكون الرابع و السبعين، بعد اعتبار فرمان داعش على الإيزيديين الثالث والسبعين، إذ إننا أمام مشروع إبادة-جينوسايد- بحق الكرد، وإحدى أقدم الديانات الكردية ألا وهي الإيزيدية.
* ملاحظة:
المقال كتب في الأيام الأولى من العدوان التركي على عفرين

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…