عبدالرحيم علي
من جديد تتكالب الأعداء على مناطق في كوردستان وبمؤامرات قذرة لقتل حلم كل كردي هنا وهناك بأن يعيش بحرية وكرامة كسائر شعوب العالم وكأن الشعب الكوردي اصلا لم يخلق الا ليكون اداة او وقودا لتنفيذ مصالح وأجندات الأنظمة الإقليمية والدولية بدون ان يأخذ مصلحتهم أو مطالبهم القومية والوطنية المشروعة بعين الاعتبار.
لا يخفى على أحد بان سوريا أصبحت كعكة تتقاسم بين مجموعة من الدول المتصارعة على أراضيها بعد أن فقدت كل سيادتها الوطنية.
ومن الدول التي لم تغب عن ساحة الأحداث السورية منذ اندلاع ثورتها وحتى يومنا هذا هي تركيا, ولكن دون ان تكون لها حصة في الكعكة, فلا بد ان تبدا بحياكة مؤامرة من خلالها تأخذ نصيبها وتنفذ بعض أجنداتها. فوجدت من تواجد قوات YPG الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD على حدودها ذريعة للدخول إلى الأراضي السورية بحجة ملاحقة منظمة ارهابية – حسب زعمها – وحماية حدودها والدفاع عن أمنها القومي. وباتفاقيات ومقايضات عبر قنوات سرية, خاصة مع كل من روسيا وامريكا وحتى النظام في دمشق. روسيا تسعى الى توسيع نفوذها في تلك المناطق ولكن الأولوية عندها من خلال النظام السوري ولهذا طلب في البداية من القوات YPG بتسليم تلك المناطق للنظام السوري, وعندما رفضت ذلك مهد الروس السبيل لتركيا للتوغل وستتم توافقات بين الطرفين الروسي والتركي على آلية توزيع النفوذ في تلك المناطق, وخاصة هناك تقاربات وتفاهمات بينهما في الشأن السوري. وبهذه الحالة تجنبت روسيا اي صدامات مع أمريكا كون أن المناطق الكوردية ضمن نطاق النفوذ الأمريكي والقوات المتواجدة في عفرين هي قوات حليفة لها, ناهيك أن تلك العملية ستؤدي إلى تقويض نفوذ إيران في تلك المنطقة وحلب وريفها. وبالنتيجة فإن الضحية في هذه المؤامرة هي الشعب الكوردستاني ومناطقه, أما الدول صاحبة النفوذ في سوريا وحاملة المطرقة, وهذه المرة فوق رأس الشعب الكوردي كل منهم لها نصيب من الكعكة ولو بشكل نسبي.
اما عن دور الحركة الكوردستانية بشكل عام والسورية بشكل خاص. حتى تاريخه ما زال مواقف الحركات الكوردستانية خارج كوردستان سوريا خجولة, لم ترتق الى مستوى الواجب الوطني والقومي, والمسؤولية الكبرى في هذا المجال تقع على عاتق الاحزاب الكوردستانية في تركيا والشعب الكوردي هناك, والذي يتجاوز تعداده عشرين مليون. كان بإمكانه أن يقوم بنشاطات وفعاليات ضد الحكومة التركية بالتوازي مع اتصالات دبلوماسية على نطاق واسع, تهدف الى وقف هذا الهجوم البربري على كوردستان سوريا.
أما في سوريا وكما اعتدنا على ذهنية ومنهجية PYD فقد استفرد بالقرار السياسي والعسكري في عفرين وعمل على قطع كل سبل التواصل مع الاطراف السياسية الكوردية سوى من يقبل ان يدخل تحت مظلتها, بدون اي قيد او شرط او حتى إبداء الرأي او مقترح حول الأحداث الجارية, ناصبا نفسه “منزلا” لا اعتراض على حكمه وقراره. بل بلغ به الأمر إلى منع نشاطات المجلس الوطني الكوردي ضد العدوان التركي. وبالتالي باتت قضية عفرين قضية حزب واحد لا قضية شعب برمته, هذا الموقف المتفرد المتسلط من PYD جاء بشكل مدروس وممنهج وبالتالي هو ايضا يبقى شريك في هذه المؤامرة بشكل او بأخر.
أما عن بقية الاطراف السياسية وخاصة المجلس الوطني الكوردي ENKS – الذي يفتقر الى كادر سياسي عصري – ورغم موقفه السياسي وبياناته التي تدين العدوان التركي وبعض تحركاته الدبلوماسية على الصعيد الاقليمي والدولي, يبقى موقفا خجولاً لا يرتقي الى مستوى الحدث فما زال يعمل بشكل كلاسيكي, ليس لديه قدرة على تغير نمط عمله السياسي بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة ومتغيراتها, فبقي في إطاره الجامد غائباً عن الساحة وطموحات الشعب الكوردي.
إن صمت المجتمع الكوردستاني وتسلط PYD وغياب المجلس الوطني الكوردي والاطراف الاخرى كلها مجتمعةً ليس الا سنديان يتم تدمير وقتل عفرين وابنائه عليه.
المستفيد الاكبر مما يجري في عفرين هو النظام السوري, المقاتلين الكورد والجيش التركي ومرتزقته ما يسمى بالجيش الحر كلهم يقتلون, ومناطق كوردية تتدمر تزداد يوميا المعاناة الانسانية للمواطنين الكورد الابرياء. فكلما طال أمد هذا الحرب – وهذا ما نخشاه – استنزف أعداء النظام السوري المجرم, وهذا هو السبب الرئيسي لموقف النظام المتفرج من ما يجري في عفرين الزيتون, سوى تصريحات بين حين واخر للتضليل والحفاظ على ماء الوجه.
كل ابناء الشعب الكوردي يؤمنون بانه ليس للكورد سوى وحدتهم وجبالهم. فالجبال من الجمادات تبقى صامدة لا تلين وما علينا الا ان نستثمرها بشكل صحيح. اما عن وحدة الصف الكوردي التي باتت شبه مستحيل وخاصة على المدى المنظور القريب, فعجبت لأمر هذه الامة لم يبق بيت الا وفيه شهيد او مفقود او معتقل او مبعد ….الخ ناهيك عن التدمير ونهب وسلب الممتلكات العامة والخاصة. ورغم ذلك لم يتنبؤوا للخطر القادم.
وعذرا من الشعب الكوردي على هذا المثال الواقعي. حتى الماشية والاغنام عندما تسرح في السهول والمراعي تنتشر هنا وهناك وحينما تشعر بخطر قادم نحوها تترك كل ماشية منها حتى اللقمة في فمها وتركض لتجتمع معا في كتلة متماسكة كجسد واحد وتخرج الاقوياء منها الى الاطراف لتواجه الخطر القادم وبمساندة ودعم من البقية. تلك الحالة الغريزية عند هذه الحيوانات غالبا ما تعونهم على التصدي لأعظم الاخطار.
فإلى متى هذا التفرد والتشتت والخمول والمتاجرة بدم ابنائنا والرهان بمصير شعبنا؟
سؤال موجه للقادة السياسيين والماسكين بناصية هذا الشعب المغلوب على امره.
8/2/2018