إبراهيم اليوسف
أثار الفيديو الذي نشرته مجموعة من مقاتلي- الدرع البشري السوري- للجيش التركي الذين ينسبون أنفسهم إلى الجيش الحر، وبموافقة من الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة، الكثير من ردود الأفعال على صفحات التواصل الاجتماعي ، بين مدين ومؤيد لما أقدمت عليه تلك المجموعة التي راحت تمثل بجثة المقاتلة الكردية بارين كوباني، إذ تم تعريتها، و بتر بعض أعضاء جسدها، وبقر بطنها واستخراج أحشائها بوحشية تقشعرُّ لها الأبدان، وتكاد تكون غير مسبوقة.
والاسم الأول للمقاتلة بارين يعني بالكردية” العويل/ الصرخة، كما أن اسمها الثاني ينسبها إلى مدينة” كوباني”/ عين العرب،
وهي إحدى المقاتلات اللواتي انخرطن ضمن قوات” ي ب ج” للدفاع عن عفرين التي تعرضت للعدوان التركي في العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، ولما يزل أهلها يدافعون عنها، ما أدى إلى عرقلة تقدم قوات من يسمون ب” الجيش الحر” الذين يسبقون القوات التركية براً، كممشطين للمكان، وذلك بعد أن أحكمت هذه القوات زرع المنطقة بالألغام، وحفر الأنفاق، وتوزيع القناصة من المقاتلات والمقاتلين الذين يشهد لهم بأنهم من أمهر قناصي العالم، بحسب اعتراف أحد الناطقين الرسميين لهذه القوات، على إحدى أبرز القنوات التلفزيونية العربية.
وقد ظهرت أصوات بعض السوريين الذين أدانوا هذه الفعلة على صفحاتهم الفيسبوكية، أو عبر تغريداتهم على التويتر، باعتبار ما تمَّ جريمة شنعاء موصوفة، لاسيما إن الممثل بجثتها فتاة وأن أخلاقيات المجتمعات القبلية والعشائرية، على بدائيتها، كانت ترفض النيل من كرامة المرأة ولو العدوة، كما أن بعض المؤيدين لهذه الفعلة النكراء انطلقوا من أن الكرد كفرة، وأن مقتل هذه المقاتلة هو رسالة إلى الكرد، بل إن بعضهم راح يسوغ لهذه الجريمة بأنها عبارة عن رد على عرض قوات ” ي ب ك” جثث عدد من المقاتلين الذين دفعتهم تركيا لاستهداف عفرين في نيسان /أبريل العام 2016.
وبغضِّ النظر عن أن ما تم آنذاك من عمل مدان كان عبارة عن عرض من قبل مجموعة صغيرة من هذه القوات الكردية، وتمت محاسبتهم، كما أعلن عن ذلك مصدر رسمي في الاتحاد الديمقراطي، ولم يتم التمثيل بجثث هؤلاء، كما أنه لم يكن بين تلك الجثث أية امرأة، بعكس ما تم من قبل القوات التي تنسب نفسها إلى” الجيش الحر” بعد أن تمت تصفية فكرة الجيش الحر، لأسباب عديدة بعد اختراقه من قبل جهات عديدة.
وقد تلقت الأوساط الكردية هذا الفيديو الذي بزَّ ما كان يقوم به داعش، بالكثير من الألم، لأن هذه المجموعة التي ارتكبت هذا العمل الشنيع، المنافي للقيم، لم تراع مشاعر الملايين من الكرد الذين يعتبرون اليوم كل من يدافع عن عفرين: سكاناً ومكاناً، أشجاراً، وجبلاً، وحجارة، ونهراً، وينابيع، بل وحجرة حجرة، وكل حبة رمل أو تراب أو حصاة، على أنهم يدافعون عن أعظم ما لديهم من مقدسات، بغض النظر عن أي خلاف سابق، أو راهن، بين الاتحاد الديمقراطي الذي يتحكم بمصائر الكرد في كانتونات: عفرين- الجزيرة- كوباني، بل بالرغم من الأذى والأضرار التي لحقت بهم، من جراء سياسات هذا الحزب الذي يتصرف وفق رؤيته، من دون سواه، ممن يختلفون معه.
وفي المقابل، فإن عدداً من المتحمسين من الناشطين الكرد واصلوا إلقاء اللائمة على المجلس الوطني الكردي الذي لايزال عضواً في الائتلاف الوطني، مطالبين إياه بالانسحاب منه، ليرد عليهم آخرون بأن أعضاء الكتلة الكردية في المجلس الوطني السوري- سابقاً- و مثلهم في الكتلة الكردية في الائتلاف-الآن- هم وحدهم من واصلوا نقد، ورفض الفصائل الإسلاموية المقاتلة، بالرغم من أن كثيرين حتى ممن يحسبون من غلاة العلمانيين في الائتلاف ظلوا ساكتين، إرضاء للأخوان المسلمين وتركيا. كما أن هناك من راح يقول: مع من سيتحالف المجلس الوطني الكردي إذا انسحب من الائتلاف، بعد ن أسد الاتحاد الديمقراطي عليه كل منافذ العمل في داخل الكانتونات التي يديرها، ولما يزل بعض قادته وأعضائه في سجونه، ومن بينها: سجون عفرين؟!
من هنا، فإن في كل بيت كردي، سواء داخل حدود الوطن، أو في الشَّتات، ثمة مناحة، إذ بات اسم: بارين كوباني يتردد صداه، بألم، حيثما كان هناك كردي، وثمة أمور عديدة يمكن تناولها، هنا، أولها ثقافة الكراهية التي انتشرت بين السوريين، وسببها الأول، كما في حالة من تم إعدادهم للعب دور” الدرع البشري” للجيش التركي هو عامل التمويل، إذ إن كل فرد من هؤلاء المقاتلين يتلقى مبلغ ثلاثمئة دولار- فحسب- وهو عمل موسمي مؤقت، يتخلى خلاله هذا المقاتل عن الكثير من المقومات الإنسانية، ويتحول إلى وحش كاسر، ينقضُّ على من يتم توجيهه إليه، ليكرس بدوره الشقاق والقطيعة بين المكونات السورية، وبما لا مصلحة للسوريين فيه، إذ إنه يخدم أجندات ثأرية في دولة مجاورة، تستبق حربها، الافتراضية، من دون أية مواجهة أو اعتداء على حدودها، ومواطنها، وأمنها الوطني أو القومي؟!
كاتب كردي سوري مقيم في ألمانيا