حسين جلبي
خسر الكُرد معركة عفرين قبل أن تبدأ، مثلما سبق لهم وأن خسروا كوباني بالنتيجة، وهي المدينة التي تدمرت ولم يعد معظم سكانها إليها؛ رغم إلحاق التحالف الدولي وبيشمركة كُردستان الهزيمة بتنظيم داعش، إذ لم تؤمن سلطة الأمر الواقع، التي أعلن عنها حزب الاتحاد الديمقراطي الحد الأدنى من الأمان والحريات وسبل العيش الكريم. ومعركة عفرين خاسرة بدورها على كل الأصعدة، ولعل السبب الأساسي في ذلك يعود إلى خوضها بالأدوات البالية ذاتها، ومنها ما أثبت ما يحدث في سوريا منذ سبع سنوات عدم جدواه؛ إذ يدخل الكُرد إلى المعركة دون أصدقاء حتى من الجبال، في حين يدخلها الأتراك وعلى جانبيهم؛ ومن خلفهم حشد من الدول الوازنة، التي كانت تصفق للكُرد أنفسهم حتى الأمس القريب.
عملياً، كان لسلاح الطيران دوره الحاسم في كل ما جرى في سوريا من أحداث خلال السنوات الماضية، وكان كل من افتقد مثل هذا السلاح أو هدفاً له من الخاسرين. على هذا الصعيد؛ خسر حزب العمال الكُردستاني غطائه الجوي في معركة عفرين، وهو الغطاء الذي أمن كل تحركاته في سوريا من قبل، هذا بالإضافة إلى افتقاده إلى السلاح المضاد للطيران؛ لمواجهة سلاح الجو التركي المتفوق، وبذلك تكون المدينة وسكانها دون حماية، وتحت رحمة المهاجمين. أما الإعتماد على صور الدمار وجثث المدنيين كسلاح لحشد الرأي العام، فقد سقط في سوريا منذ وقت طويل، إذ لم تحرك مثل تلك الصور؛ شعرة واحدة في جسد العالم المتكلس وراء مصالحه. لذلك، فإن الخسائر البشرية والمادية التي لحقت أو ستلحق بالكُرد في عفرين، ستكون من كيس أصحابها، إذ لن يفيد التصفيق والهربجة عن بعد في منعها أو تعويضها فيما بعد، وقد أثبتت الأحداث بأن تضامن الكُرد مع بعضهم سطحي؛ لا يتجاوز الاستعراضات والمزاودات وتخوين بعضهم البعض. فمشروع بناء كوباني لا زال ماثلاً في الأذهان، ولم ينفذ منه أي شئ رغم جمع تبرعات باسمه، هذا عدا عن عدم حصول تحقيق في أسباب الهجوم على المدينة، و في ملف الضحايا المدنيين، خاصةً في المجزرة التي أعقبت طرد داعش منها، إذ لم يتم تحديد المسؤول عن الخرق الأمني الكبير الذي تسبب بمجزرتها.
النقطة الجوهرية المرجحة في التراجع الكُردي الحالي؛ وكذلك الخسارة الثقيلة القادمة، والتي يحاول معظم الكُرد السوريين تجاهلها؛ هي تصدر حزب العمال الكُردستاني المشهد في منطقتهم. فالحزب يواجه الجيش التركي، بالعقلية ذاتها التي يواجه بها سلاح طيرانه في معاقله الجبلية النائية، التي تتيح له التخفي وعدم التعرض لخسائر كبيرة. لكن الأمر في مدينة عفرين مختلف كما هو واضح؛ ومكلف بالتالي بسبب ضيق رقعة المعركة ووضوح حدودها، وعدم القدرة على إخفاء الأهداف؛ واستخدام كل أنواع النيران في التعامل معها، الأمر الذي قد يجعل من كل رصاصة سبباً في إزهاق روح، وكل قذيفة تكلف تدمير بيت على رؤوس أصحابه. مقابل التفوق التركي العسكري والدبلوماسي، يميز التخبط والفشل الموقف الكُردي، ولعل من دلالات ذلك، هو أن سقوط مدنيين في الجانب التركي من الحدود بقذائف وحدات حماية الشعب؛ قد أثار ردود أفعال حادة، مقابل تجاهل واضح لسقوط مدنيين كُرد في عفرين، ولعل السر الذي لا يخفى وراء ذلك هو في موقف المجتمع الدولي من حزب العمال الكُردستاني؛ الموضوع على لائحة الإرهاب الدولية، والذي يؤخذ الكُرد بجريرته، رغم أنه فرض نفوذه عليهم بقوة السلاح حتى إبتلع قضيتهم. لقد كرست تركيا كل علاقاتها الدولية ونفوذها في خدمة عمليتها العسكرية، في حين يعجز الكُرد حتى الآن عن العثور على صديق واحد في العالم، رغم إنتزاعهم تصفيق دوله حتى الأمس القريب؛ على خلفية بلائهم في قتال تنظيم داعش.
بعيداً عن ساحة المعركة أو ربما من إحدى امتداداتها، قضت احتجاجات مدينة كولن الألمانية؛ على أي أمل بالنجاح في نقل مأساة عفرين إلى الساحة الأوربية، والحصول على تعاطف مجتمعاتها، وستكون كل الجهود التي قد تبذل بعد ذلك غير مجدية ربما، هذا إن لم تأتي بنتائج عكسية. فقد هجم عدد من أنصار حزب العمال الكُردستاني، من المحتجين على الهجوم التركي على عفرين كما يُفترض؛ على الشرطة الألمانية بالعصي، ورفع عدد آخر منهم صور زعيم الحزب أوجلان المحظورة في ألمانيا، الأمر الذي قدم ـ كالعادة ـ خدمة مجانية لتركيا؛ رغم أن قيادتها لا تتمتع بالشعبية في ألمانيا، وأعطى مصداقية للرواية التركية حول مواجهة إرهابيين في عفرين، وربما سُينظر إلى كل إحتجاج بعد ذلك ضمن هذا الأطار.
على الكُرد أن يدركوا أخيراً، بناءً على الواقع وتجاربهم، بأن وضع كل بيضهم في سلة حزب العمال الكُردستاني لا يعني سوى الخسارة، لأن الحزب “كرت محروق” على كل الأصعدة؛ وهو ليس إلا بعبع على الكُرد، وقد بنى استمراره على منسوب العنف المنفلت الذي يتعامل به معهم، وعلى دعم أعدائهم له. كما أن على الكُرد أن يعوا بناءً على تجرية السوريين المريرة بأن التباكي؛ ونشر صور الضحايا والدمار من عفرين، والنضال من خلال المتاجرة بتلك الصور لجمع اللايكات والمشاركات؛ لن يكون مفيداً للضحايا والمحاصرين أو في وقف العدوان التركي، وقد جرب السوريون مثل هذه الوصفة منذ سبع سنوات دون جدوى. الموقف يحتاج إلى العقل ولا شئ غيره؛ لأنه وسيلة الوصول إلى قرارات شجاعة، توقف سيل الدماء؛ وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها.