أشهد أنني قد عشتُ كرديتي

 ابراهيم محمود
ثمة الكثير ممَّن يعتقدون أنهم يدخلون التاريخ كأبطال عظماء، سوى أنهم يخرجون من التاريخ مجرمين طغاة، وربما كان أردوغان أحد أهمّ هؤلاء في النصف الثاني من القرن العشرين وإلى الآن، من خلال عقدة فوبيا الكرد التي تتلبسه. ولعله مخلص لطاغية دشَّن تاريخ تركيا الحديثة مصطفى كمال والذي كان أكثر من كان يعارض نشوء أي صيغة من صيغ نشوء كياني كردي حتى لو في أفريقيا هو وخلفاؤه، ولا بد أن أردوغان  يحفظ هذا الدرس عن ظهر قلب، وهو في شك من أن أي كردي يشكّل مشروع إرهاب، وليس باعتباره ببكاوياً أو بيداوياً، وفي الوضع الراهن وهو في سعاره الموجه إلى عفرين، لهذا، لهذا يشرّفني أن أكون أي كردي، وبملء صوتي، على أن ألتزم الحياد أو الصمت إزاء هستيرياه المعسكرة .
وفي الوضع الراهن، في مثل هذا التوقيت، أشهد أنني قد عشت كرديتي وقد بلغتْ أوج اكتمالها، وأنا أتابع في الجوار وبالصوت والصورة كيف أن دولة يكون الكذب فيها مدخل السياسة ومخرجها بدءاً من أكبر سياسي وأصغره، هي تركيا، ولا تدَّخر جهداً في إقامة حفلات، وعقْد اجتماعات، وانتهاز فرص ومنذ سنوات، لإظهار مخاوف تركيا ” العظيمة ” الجامعة بين الشرق والغرب، من الكرد الإرهابيين بالجملة، وليس لأن هناك حزباً يُسمّى ويُتعوَّذ منه حتى على سجادة الصلاة، وقبل النوم، ومع آذان الصبح، وقبل البدء بتناول الطعام، وأثناء الاستحمام، وتغيير اللباس، ولحظة ركوب السيارة، وأن الاستنفار القائم ليل نهار ضد أي تفكير كردي، بصدد استقلال كردي ينمّي المخاوف تلك.
وفي الوقت الراهن ومنذ ” 20-1 / 2018 “، أشهد أن كرديتي أصبحت أكثر اكتمالاً وقرباً مني، وأنا أكثر احتواء بها، على إعلان العملية المسمومة ” غصن الزيتون “، لتؤكد تركيا أردوغان، كما كانت تركيا ” الغازي ” مصطفى أتاترك، ومن بعده  جمال كورسيل، وسليمان ديميريل….الخ. إنها قاعدة الصواب وصواب القاعدة فيما تفكر وتعمل، وتحديداً تجاه أي تحرّك كردي، وأن التاريخ المذكور عمَّق يقيني أكثر فأكثر، أن ليس للكردي إلا كرديه، وليس يشرّف الكردي الآن، أو يحميه أو يقويه أو يغنيه، إلا الكردي، وهو نفسه المدرَج في خانة المشبوه أو المشكوك في أمره، حتى وإن والى أردوغان أو صفَّق له، كما هو تاريخ الظن القاتل لدى ساسة الأتراك في النيل من الكرد أنّى كانوا وبطرق شتى .
تُرى، هل يحتاج الكردي، ومن يُعدُّ نفسه صاحب تفكير أم تدبير؟ لينظر إلى الجاري، ويتعرّف على أي فيروس تركي مضخَّم ومطلَق حيث يقيم الكردي، وحيث يخيف الكردي، وراهناً عفرين هي الهدف والرهان، وليس هناك من مدينة، أو بلدة أو قرية أو غرفة كردية استثناء، ليس هناك من شجرة صادقت كردياً إلا وُشدَّد عليها قصفاً وعنفاً وعسفاً، كما هي صديقة العمر الكردي وروحه ودمه ورمز حضوره الطبيعي والجغرافي: شجرة الزيتون، وليس اتخاذ ” غصن الزيتون ” شعاراً إلا الترجمة الأدق لهذه الخدعة السافرة، وما تعنيه التسمية ذاتها من حساب المخاوف من الزيتون نفسه، فكيف بإنسانه الكردي : ذكره وأثناه؟
تُرى، ألم يحسب الكردي بعد، أنه ما صمت كرديٌّ، عن مأساة كردي كالذي يجري عفرينياً، وابتعد عن كردي وهو في معرض الغزو الأردوغاني، إلا وحل محله عدو للاثنين ليزيد في ضربهما معاً، وفي البطش بهما معاً ؟
أما زال الكردي الجبهوي، المجلسي، الناشطي، التياري، الحركي، الإصلاحي… بحاجة إلى المزيد من الإرهاب المحيطي وليس الأردوغاني وحده، ليطلق ” لسانه ” الملجوم، أو  المبدئي، وليس من صوت عربي أو فارسي أو تركي أو إسلامي، يعتد به وهو يدين هذا الإرهاب البرّي- الجوي ؟  حيث مازال يقبِل على نحْر الكردي، أو تقطيعه، أو تعليقه من كعبيه، أو البحث عنه تحت يافطة” مطلوب حياً أو ميتاً “، من قبل جل من سمّيت ،  كما لو أن ” الفتح ” القانوني، الأردوغاني في ” ديار  الكفرة ” الكرد مستمر ومكافَأ عليه ، فأي عار أكبر من هذا العار ! ؟
إنما، يضحك من يضحك أخيراً، وليس من يرعد ويزبد أولاً.
وهأنذا أقول كلمتي الأخرى، وليس الأخيرة:
أيها الغزاة الأردوغانيون: أتراكاً ومن في صفهم من مرتزقتهم بالجملة، عفرين ترحِّب بكم بمحيطها، ادخلوها سريعاً إن استطعتم، لتكون مقبرتكم، فكأنكم لم تكونوا يوماً، ولا كان أردوغانكم، كما هو حال الذي كان قبله وقبل الذي قبله !
دهوك- في 22-1/ 2018 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…