حكّام العراق يحاربون الإرهاب بالفساد

إدريس سالم
العراق من مركز الحضارة إلى رمز للفساد ومنبع للإرهاب. من النخاع إلى القاع «الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، وتلازميتهما تتجسّد في صناعة الأزمات والصراعات، وسرقة مقدّرات البلاد والعباد». لا رغبة للأسرة الحاكمة في القضاء عليهما، بل تغذّيهما بقوت ودماء أبناءها. أما الشعب فقد تعوّد على حكومة وأحزاب ومذاهب فاسدة، بسبب الطائفية العمياء، وسوء استخدام الدين. الأسرة التي تُدار أمريكياً ثم إيرانياً، تريد للعقل العراقي أن يترنّح بين قبول الفقر وجهنّم الجهل، أو مواجهة شبح الخوف والموت البطيء. هكذا يعيش العراقيون، وهكذا يموتون. 
الغرب دمّر العراق، بحجة الإرهاب ووجود نظام استبدادي. والعراقيون يدمّرونها اليوم، بحجة الفساد. فساد كان بقدر نملة، إلى أن أصبح حوتاً شرساً. يتقاذف كلّ من السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية وهيئة النزاهة في العراق الكرة إلى ملعب الآخر، في عملية محاربة الفساد. “الأموال التي أُهدرت في مشروعات بناء، وبنى تحتية، على الورق فقط، بلغت 228 مليار دولار. مع وجود أكثر من خمسة آلاف عقد وهمي”. بحسب النائب رحيم الدراجي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي. بالله عليكم ألا يحق لكوردستان أن تتخلّص من هذا البلد المأساوي، الذي دمّره أبناؤه، دون وجود ذرّة أملٍ، لإعادة إعمارها؟
يُعَوِلُ الطاقم السياسي في العراق، على إشغال عموم العراقيين بيوميات التناحر الطائفي، والاتهامات المتبادلة بينهم، من جهة، وانشغالهم بأساسيات الحياة اليومية، من مَأكل ومَشرب وعمل وسكن وصحة وتعليم، من جهة أخرى، لينسوا الفساد المالي والإداري الذي ينخر الطبقة الحاكمة المتربّصة بالبلاد والعباد دماراً وفوضى، ما يجعل العراق يحتل مرتبة متميزة، بين الدول العشر، الأكثر فساداً بالعالم. بهذه الطريقة، يستطيع السياسي، المختبئ خلف عباءة الدين أو الطائفة أو القومية، أن يكذب، وينهب، ويدّعي الوطنية، ويخوّن الآخر. 
تجلّت هذه المعادلة بأقصى ابتذالها، في الآونة الأخيرة، مع تصاعد اتهامات الطاقم السياسي في الحكومة المركزية لإقليم كوردستان بالفساد، وأن هذه التهمة هي السبب في امتناع الحكومة عن صرف رواتب الموظفين في الإقليم «عندما تدفع حكومة المركز لميزانية الإقليم وفق القانون والدستور، فإنها تُسقِط عن نفسها آلاف التهم»، بحجة وجود موظفين فضائيين، وأن هذه الأموال لا تصل لأصحابها الحقيقيين. والمنطق يقول أن يوم خلاص الكورد من العراق بات قريباً. ويوم أن تظفر العراق خلاصها من الإرهاب والفساد مُحال أن يتحقق. 
اكتفى العبادي، الذي يطلق عليه الشارع العراقي، بكذّاب بغداد «أحد أكبر الفاسدين وناهبي أموال العراق»، كعادته، بالتذمّر والتطبّل، مما يدور في مؤسّسات حكومته، بدون اتخاذ أي إجراء فعلي صارم، متصرّفاً كأنه خارجها، وهذا التذمّر والتطبّل يدخل في خانة حملته الانتخابية، لقيادة دفّة حكومة أثبتت أنها لا تصلح إلا للفساد والفوضى، وإفقار وإهلاك شعبها. ولعلّ أكبر دليل على فساد العبادي وزمرته، هو أنه يتوعّد بمحاسبة ومحاكمة الفاسدين، دون أن يقدّم أي رأس فاسد إلى الرأي العام، مع أن الفاسد يجول ويصول في العراق والبنوك الأوروبية، وواضح كوضوح الشمس. 
في الدول الغربية هناك أحزاب لا تُعَد على أصابع اليد الواحدة، تقود، الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بينما في الدول العربية، وخاصة العراق «الأحزاب العراقية تفوق مجموع أحزاب أمريكا وبريطانيا ومصر والأردن»، هناك المئات من الأحزاب، يقودون، الانتخابات «للظفر بالكعكة وممارسة اللصوصية، وليس لتحسين أحوال الشعب، وازدهار الدولة»، ويكيلون لبعضهم الاتهامات، ففي آب 2015، صرّح وزير النفط العراقي عادل عبد المهدي أن موازنات العراق منذ العام 2003 بلغت 850 مليار دولار، مؤكداً أن الفساد أفقد العراق 450 مليار دولار، وأن ناتج الموظفين هو 20 دقيقة عمل في اليوم، فكيف يُقاس حجم الخراب العمراني، والبشري، والمجتمعي الناتج عن فساد بهذا الحجم الهائل؟
كل أسماء الأحزاب والكيانات السياسية التي ستشارك في بطولة الانتخابات العراقية تدلّ على الفضيلة، والوحدة، والوفاء، والإصلاح، والتطوّر، والصدق، والسلم، والبناء، والمدنية، والتنمية، والحقّ، والديمقراطية، والحرّية، والتغيير، ومعاً للقانون.. الخ، إلا أنها في الواقع الذي يعيشه العراقيون، أثبتت، وتثبت يومياً، أنها لا تدلّ إلا على الرزيلة، والتفرقة، والخيانة، والهلاك، والانحطاط، والكذب، والحرب، والهدم، والعسكرة، والتدهور، والباطل، والاستبداد، والعبودية، والتراجع، ومعاً للفساد والإرهاب وزعزعة الاستقرار. 
محاربة الفساد بالإرهاب، أو الإرهاب بالفساد، تعطي نتيجة واحدة. الحرب والتشرّد والصراع الدائم. أيّ، الموت. فأحد أسباب الإرهاب هو الفساد، كما يتزعّمه الطاقم العراقي الشيعي الحاكم، وأن محاربة الإرهاب هي من أولوياته الأساسية «أيّ غباء يجعلهم يحاربون الإرهاب بالفساد؟»، فلم لا يقوم بمعالجة الفساد المستشري في مؤسّسات السلطة، ويضع حدّاً للإرهاب. بدلاً من قصف المدن، وتهديمها الواحدة بعد الأخرى، وتشريد المواطنين من بيوتهم، ودفن الأحياء منهم تحت الأنقاض، وتعريض جيل كامل من الأطفال للصدمة، والترويع والحرمان من التعليم؟ أم إن تخريب المدن وجه آخر للنهب، بحجة إعادة الإعمار؟ 
المغزى الصريح ممّا كتبته، هو أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبّادي قد أعلن خطاب النصر على داعش، ناكراً دور وبطولة قوات البيشمركة، لكن الأمر الذي يتغافله وإدارته، أن الإرهاب يدفع الدولة لشحذ طاقاتها في مواجهته، أما الفساد فيدمّر هذه الطاقات أصلاً، إذاً لا يمكن أن يربح المعركة ضدّ الإرهاب، لأنه استعان بالمُفسدين، الذين يحكمون العراق، من رجال المال والأعمال، وجهاز الأمن الشيعي، وبيروقراطية الدولة، والإعلاميين والمثقفين المأجورين، فوَلاء مثل هؤلاء لأنفسهم، واستعدادهم لبذل الجهد والتضحية، يكاد ينعدم، أو هو ضئيل جداً، مما يجعل مساهمتهم في مواجهة الإرهاب مظهرية وعابرة ومتردّدة.
نتيجة ونداء أخير للعراقيين، وكل الشرق الأوسط، حُكم الشعب بمُتديِّنين عُميان هو مَن ظهر الفساد والإرهاب، حُكم الشعب بمُتديِّنين عُميان لا يفقهون من الدين والإسلام شيء هو مَن أولد حكومات فاسدة، من النخاع إلى القاع، حُكم الشعب بمُتديِّنين عُميان هو مَن جعل التطرّف يأكل الأرض والشعب والوطن، كدَاءٍ خطير لا دواء له، حُكم الشعب بمُتديِّنين عُميان لن يعمّر حتى قرية صغيرة، بل سيدمّر ما لم يدمّر بَعدْ، فاصحوا، وافصلوا الدين عن كلّ شيء، لتنعموا بكلّ شيء. 
كاتب وصحفي كوردي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين

كلامي موجه بالدرجة الأولى والاساسية الى الفئات المتعلمة من شعبنا الكردي السوري ، او مجازا المثقفين (بعد الاذن من غرامشي) ، واللذين يهربون الى الامام امام كل حدث ، او تطور سياسي في المنطقة والعالم .

وعلى سبيل المثال بعد الانتخابات الرئاسية الامريكية في تلك الدولة العظمى وفوز الرئيس – ترامب – من الطبيعي ان يتطلع رؤساء الدول ، وممثلي…

دجوار هرميسي

كي أختصر معاناة التفكير في العنوان، موضوعنا بعيد كل البعد عن المنحى الديني؛ إنما هو استعارة للمصطلح، والغرض منه إيصال الفكرة بصورة سهلة وواضحة. تعلمون أننا اجتزنا مرحلة التفاضل بين “أن الإنترنت جيد أو سيئ، أو ضروري أو غير ضروري”، لأن الإنترنت والعالم الافتراضي باتا يفرضان نفسيهما أكثر من الواقع الذي نعيشه، وأصبحا حاجة أكثر من أن نختارهما أو…

إبراهيم اليوسف

في عالمنا الحالي، تبدو السياسة وكأنها تخلت عن المبادئ الأخلاقية التي كانت تدّعي تمثيلها، ودخلت مرحلة ما بعد الحداثة التي يمكن وصفها بالسريالية. إذ تتسم هذه المرحلة بالانهيار الأخلاقي حيث تتداخل المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي بطريقة تفضح عمق التناقضات في المشهد الدولي. في هذه الساحة الغرائبية، يتماهى الغرب وروسيا، وتتراجع القيم الإنسانية لتصبح ضحية للسعي وراء السلطة والمكاسب.

السقوط الأخلاقي…

د آلان كيكاني

من بين الطلبة العرب، في هذه الجامعة الأوربية العريقة، يتم تداول اسم وسيم على نطاق واسع.

لا لكرمه ودماثته وحسن سيرته فحسب، بل لأسباب أخرى. سنتطرق إليها في متن هذا النص.

ولكونه صديقاً مقرباً من أحد أقاربي ارتأى الشاب الأنيق أن يدعوني إلى وليمة في مطعم فاخر على ضفة أحد الأنهار.

 

وفي الموعد المتفق عليه اتصل بي يطلب موقعي على نظام…