هل بقي كورد جيدون ؟!

د. ولات ح محمد
    على مدى العقود الماضية ظلت الأنظمة المتعاقبة على الحكم في سوريا في نظرتها إلى الكورد وتعاملها معهم على نمط واحد تَمثلَ في أنهم أناس وافدون غير أصلاء ومشكوك في ولائهم وانتمائهم ووطنيتهم وأنهم لذلك يجب أن يكونوا دائماً تحت المراقبة وموضع شك وعلى الهامش. هذه كانت وما تزال صورة الكوردي في عيون الأنظمة الحاكمة أيضاً في كل من تركيا وإيران والعراق. 
    المحزن أن هذه النظرة التي عملتْ وفقها (وما تزال) تلك الأنظمة لم تختلف – من جهة – لدى معارضاتها المفترض أنها أكثر ديمقراطية وإنسانية وانفتاحاً منها، ومن جهة ثانية صارت مع مرور الأزمان الصورةَ الذهنيةَ النمطية المتداولة لدى شريحة واسعة من عامة الناس أيضاً.
 وبمقتضى ذلك بات على الكوردي على الدوام في كل المواقع التي يجد نفسه فيها (دراسة، وظيفة، جيش، فريق رياضي مثلاً …) أن يثبت للمواطن الآخر غير الكوردي (ناهيك عن المسؤول) أنه مواطن جيد ومخلص ووفيّ ويحب وطنه وحريص على مصلحته … إلخ، علماً أن ذلك الآخر نفسه ربما لا يحمل تلك المواصفات بنسبة تزيد عما لدى ذلك الكوردي. 
    في ما يخص الواقع السوري وخلال السنوات الست الماضية قسّم كل من النظام ومعارضته الكورد السوريين إلى فئتين، رأى كل منهما – من منظور مصلحته -إحداها وطنية والثانية خائنة؛ فالنظام كان ينظر إلى أحزاب الإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي ومناصريها على أنهم الكورد “الوطنيون” الذين ظلوا مع الوطن ولم يذهبوا مع المعارضة أو يتحالفوا معها ضد النظام كما فعل الكورد الآخرون قليلو الوطنية أو “اللاوطنيون” الذين تحالفوا مع المعارضة. أما المعارضة ذاتها فكانت على العكس تماماً ترى أن الأحزاب المتمثلة في المجلس الوطني الكوردي ومناصريهم هم الكورد الوطنيون لأنهم وقفوا إلى جانب الشعب وليس النظام كما فعل الكورد الآخرون “اللاوطنيون”. وقد عبّر كل من النظام والمعارضة عن موقفه في مناسبات عدة وبعبارات صريحة سمّت الأشياء بأسمائها في هذا الخصوص. 
    الجدير بالذكر أن هذه الطريقة هي ذاتها التي اتبعها صدام ومعارضوه في تصنيف الكورد ويتبعها أردوغان ومعارضوه وخامنئي ومعارضوه أيضاً. بهذه العقلية وبهذا المنطق التصنيفي وجّه نوري الماليّ (بدون كـ) التحية إلى قوات البيشمركة “الوطنية” التي سلمت كركوك إلى القوات العراقية ومليشيات الحشد بدون مقاومة. وقد فعل حيدر العبادي الشيء ذاته ولكنه (عندما شكر القوات التي أسهمت في تحقيق “الانتصار على داعش”) لم يوجه التحية إلى قوات البيشمركة “اللاوطنية” التي منعت جيش العبادي وميليشياته من التقدم باتجاه مدن الإقليم والاعتداء على شعبه وإهدار كرامته ونهب ممتلكات الناس وتدمير مؤسسات الحكومة.
    في تصريحه الأخير عاد رأس النظام إلى المنطق ذاته عندما وصف صراحة قوات سوريا الديمقراطية (التي يشكل كورد الإدارة الذاتية  نسبتها الأكبر) بأنهم خونة لأنهم يعملون تحت حماية الأمريكان ضد شعبهم وبلدهم حسب تعبيره. وقد تبعه نائب وزير خارجيته بتصريح شبه منسوخ عما قاله رئيسه.  اتهام النظام يشمل أوتوماتيكياً الجناح السياسي لتلك القوات وضمناً حزب الاتحاد الديمقراطي والإدارة الذاتية وأنصارهما. وهذا يعني أن النظام عاد في عملية توزيع الوطنية على الناس إلى مقياسه المعهود المتمثل في المعادلة الآتية: من يقف معنا فهو وطني ومن يقف ضدنا فهو خائن (وهو المبدأ الذي استخدمه كل من النظام والمعارضة أحدهما ضد الآخر أيضاً). إنه ذلك الكارت الأحمر الذي بات كل صاحب سلطة (صغيرة كانت أم كبيرة) في أي من جغرافيات الشرق يرفعه في وجوه خصومه بدلاً من قبولهم والتحاور معهم على أساس أن الاختلاف لا يفسد للوطنية قضية.  
    هذا المنطق في تقييم الناس (ناهيك عمن يمتلك هذا الحق) هو الذي أثار سؤال العنوان ويعود بنا إليه؛ فإذا كان الكورد المنتمون إلى أحزاب المجلس الوطني الكوردي ومناصروهم في الأساس غير وطنيين في قاموس النظام لأنهم “يعملون في صفوف المعارضة ولصالح أردوغان”، وإذا كان النصف الآخر من الكورد (الذين كانوا في ميزانه وطنيين) المتمثلين في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية ومناصريهم قد صاروا عند النظام في ذات القاموس والتصنيف وأخذوا ذات الصفة، فهل بات الكورد السوريون بملايينهم الأربعة في نظر النظام لاوطنيين وخونة؟، أم أنه ما زال هناك حسب مقياسه “الوطني” كورد جيدون، وأن من لا يبصر أولئك الجيدين فإن العتب على نظره الضعيف، وأنه يحتاج – إذا أراد أن يراهم – إلى المجهر الوطني للبحث والاكتشاف؟. إذا كان الاحتمال الأخير وارداً فإن المشكلة سوف تكمن في الجواب على هذا السؤال: أين يختبئ هؤلاء الجيدون؟ وكم عددهم؟ وما أسماؤهم ..؟!. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…