ماجد ع محمد
” أبوابٌ على حالها قبل الخوفِ وبعد الخوف
قبل المذبحةِ وبعدها
أبوابٌ تمضي مع الغزاة حين يرحلون”
سليم بركات ـ الأبواب كلُّها
من عادة المتربص بشخصٍ أو أسرةٍ أو مدينةٍ أو ملةٍ بأكملها، أن لا يترك باباً إلا ويأتيه خِلسةً أو عنوةً أو عبر شراء ذمّة بوّابٍ ضل سبيلَ الرُّشدِ من فرط اجتماع أسباب الجهل أو الغباء على حوافِ قحفه، وهو غير عارف بأن الباب قدسٌ ومحراب، وقد يجهل المتواطئ تلك العلاقة الأبدية بين كرامة البابِ والماكثون خلفه، وأن من يبع البابَ فقد تخلى عن الإيوان وأضلاع البيت وأعمدته وما يحتويه من الأمتعة وأسرار أصحاب البابِ حتى أبدان ساكنيه وما تحت الثياب.
ولعل نجاح الطبقة السياسية الحاكمة في تفقير وإهلاك المدن التي لم يرضى أهلها عن سياستها كالموصل والأنبار وصلاح الدين، ومن ثم فلاح تلك الطبقة ذاتها مع الحرس الثوري الإيراني في احتلال كركوك، زاد من ثقتهم بذواتهم الفاعلة في مضارب التخريب، وبالتالي شوَّقهم فوزهم في كركوك لمواصلة المشروع والمضي نحو مدينة السليمانية، وذلك من خلال تشجيع المتظاهرين الذين يطالبون برواتبهم التي تقطعها عن الإقليم نفس الطبقة الحاكمة في بغداد؛ بغداد التي تقول بأنها مع حقوق المتظاهرين! والتي هي نفسها من قطعت الرواتب وتقطع الميزانية عن الإقليم منذ عام 2014 بُغية إنهاك حكومته وإفشال الفدرالية جملةً وتفصيلا، وبالتالي تحقيق الطبقة الحاكمة مرادها في جعل كل مدن العراق تشبه بعضها بعضاً في الفساد والدمار وإشاعة الفوضى، وذلك حتى لا يلومها أو يوبخها أحد على فسادها وإخفاقها في الحكم، ولكي لا يأتي من يقل لذلك الطاقم الحاكم بأن الإقليم رغم نسبته الضئيلة جداً من الميزانية حقّق ما لم تحققوه بكامل الميزانية ولو في ربع مدينة من كل المدن التابعة لسلطانكم.
إذ أن فشل الطاقم السياسي في بغداد يدفعه بشكلٍ دائم للتفكير بإفشال الجميع معه حتى تكون كل مدن العراق سواسية في الفوضى والخراب، إذ بدلاً من أن تعمل الطبقة السياسية لإنقاذ العراق من الهلاك المحتوم تفكر بتعميم تجربتها الفاسدة والفاشلة والزنخة في كل البلاد من شماله إلى جنوبه مروراً بوسطه.
ومن قباحات السياسة وصفاقة بعض أهلها أن حكومة العبادي التي تحاصر كل شعب الإقليم بغية إركاعه، تحاول أن تظهر نفسها كجمعية إنسانية مهتمة بحقوق الأوادم، وراحت تهدّد بالتدخل للدفاع عن المواطنين المتظاهرين في إقليم كردستان، وحكومة عبادي التي تسعى لخنق كل سكان الإقليم قالت على سلطات الإقليم احترام المظاهرات السلمية!! مع أن المتحدث باسم حزب للعراق متحدون، زهير الجبوري قد ذكر لموقع روداو “أن ما يجري في شوارع الاقليم هو نتيجة المبالغ المالية المتوقفة من بغداد، ولو أرادوا حل هذه المشكلة لكانوا دفعوا المبالغ، موضحاً أن حكومة المركز تستخدمها كورقة ضغط على الحكومة الموجودة في الإقليم حتى تنصاع إلى أوامر بغداد ولاسيما أن الاقليم يطلب الحوار لحل المشاكل”، وما زاد المشهد قبحاً هو أن مدير الاستخبارات العسكرية في زمن حكم صدام حسين والذي شارك في معظم الجرائم التي ارتكبها نظام البعث بحق شعب كردستان عبّر من خلال صفحته الشخصية عن دعمه للمتظاهرين في مدينة السليمانية!!.
عموماً يظهر بأن قرار كل من حركة كوران والجماعة الاسلامية الانسحاب من حكومة إقليم كردستان جاء بناءً على الرغبة الجامحة لدى حكّام بغداد الذين فشلوا حتى في إزاحة مكبات القمامة من أحياء العاصمة، ولكنهم والحق يُقال فالحون جداً في إلحاق الأذى بالعراق عامةً وبالإقليم على وجه الخصوص ليل نهار، وذلك عبر استخدام الكثير من النفوس الرخيصة وأهل الخنوع في الإقليم ممن يتم استخدامهم كما يُستخدم أي نفرٍ روبوتاً من الروبوتات التي تعمل على الشحن الخارجي، فمن يشحنها يقودها، ومن يقودها يوجهها إلى حيث يبغي إيصالها، ولعل تشحين حكام بغداد لضعاف النفوس في الإقليم قد أقنعهم بضرورة الإنسحاب من الحكومة على أمل إسقاطها، وهي الغاية الكبرى التي تسعى بغداد لتحقيق مآربها من ورائها، باعتبار أنها أوّل من هللت لإسقاط الحكومة في الإقليم.
علماً أن من استولوا على كركوك عبر البابِ الذي فتحه لهم رهط بافل طالباني، لم يعيّنوا أحد من الرهطِ المتواطئ معهم سيداً على المدينة، إنما تمت معاملتهم كحُجّابٍ على أبواب حظائر الحاكم، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال استمالة لاهور الشيخ جنكي للجنرال الأمريكي المتقاعد، ديفيد بترايوس في منتدى حوار المنامة الذي انعقد في 8 ديسمبر 2017؛ إلاّ أنه رغم ذلك فلم يرعوي الباقون من أهل الإقليم ممن اجتمعت لديهم ثنائية الضغينة والخنوع، حيث بدا وكأن بعضهم لا يزال ينوي تكرار تجربة 16 ت1، وقد جاءت الفرصة الذهبية للمتربص بالإقليم عساهُ يعتمد هذه المرة على بعض الأنفار من حركة كوران أو الجماعة الاسلامية لاستكمال هدفه القائم على تدمير الإقليم ليس من الخارج إنما عبر تناقضاته الداخلية؛ حيث يبقى اعتماد المتربص على المؤهلين ليكونوا أهلاً للتعامل معه، وذلك علّهُ يعيد سيناريو كركوك في مدينة السليمانية، وعلى أمل الانتقال تالياً إلى كل مدن الإقليم لجعلها طوع سوط الحكام في بغداد، فتكمث بالتالي كل مدن الإقليم خانعةً أمام جبروت حكمهم القائم بمعية طهران.
حقيقةً فإن ساسة بغداد يدركون جيداً وموقنون تمام اليقين بأنه من الصعب عليهم كسر إرادة الإقليم من خلال الحرب وجهاً لوجه، وحيث فشل فيها قبلهم خاقان العراق الأكبر صدام حسين وكل جيشه الجرار، لذا لا وسيلة ناجعة لديهم إلاّ من خلال دق الأسافين بين المكونات السياسة في الإقليم نفسه، وخلق الفتنة فيما بينهم ليسهل عليهم بالتالي تحقيق مرادهم في دمار خصمهم اللدود أي الحزب الديمقراطي الكردستاني وما يحمله من ارث نضالي منذ أجيال، لأن الأوبة السياسة في بغداد تعي تماماً بأنه مادام هناك شيء اسمه الحزب الديمقراطي الكردستاني والبارزاني فسيبقى الكرد شامخين شموخ جبالهم، ولن يتنازلوا عن حقوقهم إلى يوم الدين، لذا عليهم أن يحاربوا الديمقراطي والبارزاني من خلال بعض المباعين من أنفار الحقد والخنوع في كردستان، ففي الأمس فتح رهط بافل طالباني بوابات كركوك أمام الحشد الشعبي الطائفي لاحتلالها، والتساؤل هو هل ياترى ستُستنسخ تجربة فتح الأبواب للعدو في السليمانية من قبل حركة كوران أم من قِبل الجماعة الإسلامية؟.
على كل حال فلن يترك حكام بغداد ومن ورائهم طهران باباً يستطيعون منه تدمير الإقليم إلاّ وسيجربونه، وهذا دأب كل من يعادي تجربة الإقليم ولديه شوق محراق لتقويض أركان الفيدرالية؛ ولكننا من باب التذكير نود في نهاية المقالة هذه إعلام المباعين والمتعاونين مع الخصوم ضد أهل الدار بقصة أوردها الكاتب العراقي الراحل هادي العلوي في مختاراته التراثية حيث يقول: إن التتار عجزوا في فتح أصفهان أيام جنكيز خان سنة 633 حتى اختلف أهلها وهم طائفتان، حنفية وشافعية، وبينهم حروب متصلة وعصبية ظاهرة، فخرج قومٌ من أصحاب الشافعي إلى من يجاورهم ومن يتاخمهم من ممالك التتار فقالوا للعدو أي للتتار: اقصدوا البلد حتى نسلمه إليكم؛ فجاءت جيوش التتار عندئذٍ وحاصرت أصفهان وفتح الشافعية أبوابَ البلدِ على عهدٍ بينهم وبين التتار لشرط أن يقتلوا الحنفية ويعفوا عن الشافعية؛ إلاَّ أن التتار لما دخلوا البلد بدؤوا بالشافعية فقتلوهم قتلاً ذريعاً ثم قتلوا الحنفية ثم سائر الناس؛ عموماً فقد جاءت القصة التراثية من باب تذكير الحاضرين بمجريات الغابرين، لذا سنختتم مادتنا بما ورد في سورة الذاريات من القرآن الذي لا بد أن الجماعة الاسلامية في إقليم كردستان تؤمن به، حيث تقول الآية”وذكِّر فإن الذِّكرى تنفع المؤمنين”.