الفاتحة

د. محمود عباس
 
هل علينا أن نقرأها الأن، أم أننا قرأناها سابقاً ويجب إعادتها ثانية، وربما لا ضير في قراءتها على الأموات أو على المحتضرين، ونعني هنا المعارضة السورية المسلحة التكفيرية والسياسية الانتهازية، أو المخترقة والمنافقة حد القرف، والذين لا يضيرنا الشماتة فيهم، بقدر ما نتمنى ميتة لبشار الأسد وجلاوزته مشابهة لمصير معمر القذافي، وكيف مثلوا فيه، فقد شاركوا بطريقة أو أخرى في معظم ما حصل لسوريا وشعوبها، والطرفان مذنبان أمام الملايين المهاجرة والمرمية على قارعات الطرق في الغربة القاتلة، قبل أن يكونا مذنبين أمام الله، ومن المعلوم أن البادي هو بشار الأسد وشركاؤه، ناهيكم عن بشار الجعفري وبثينة شعبان والمعلم وغيرهم، الملطخون أياديهم بدماء الشعوب السورية، وكل أحكام الأرض ستكون ناقصة بحقهم، فالتجريم وحده غير كاف، وكان على الله أن يملي على عباده أحكام لأمثال هؤلاء.
  ودون الدخول في تفاصيل عمليات احتضارها، والمرات التي تم فيها محاولات إعادة إنعاشها بجديد الجرعات، أو تحضير الكفن في حال موتها، في لقاءات الرياض والقاهرة وإستانبول، وموسكو، والأستانة، فضلا عن مؤتمرات جنيف المتشابهة النسخ حد القرف. ولكن لا بد من تذكير من لا يزال ينهشون في جسم هذه الأمة بانتحال صفة المعارضة، أن الشعوب السورية والذين يعيشون في المخيمات وعلى أرصفة شوارع الدول الأوروبية تبتذلهم مثلما تتمنى لعنة إلهية على بشار الأسد وسلطته. فكفى المتاجرة، والاستمرار في الخداع لديمومة الرواتب، كالذبابات المتهاتفة على الجيف.
 الفاتحة الصامتة ستصدر قريبا من استانبول، عندما يلتقي فلاديمير بوتين بأردوغان، ويبحثان في قضية إدلب وعفرين والقوات التركية في سوريا، وقد نبه وزير خارجية  بوتين السيد سيرغي لافروف، مهندس مجريات الأحداث في سوريا منذ 2015م من أول قصف للطيران الروسي، وحافر قبر المعارضة السورية، على أن هناك تعديلات في المعادلة ستحدث، وقد نبه إلى أن ما يجري في منطقة إدلب، وبغياب التدخل الأمريكي، المنطقة الرابعة بين مناطق خفض التصعيد، ( ونحن نقول مناطق قبور المعارضة) لا تسير كما يتوجب، وأنه هناك إشكاليات تحدث، والقصد منه أن الوجود التركي لم يفِ بمهماته بالسرعة المطلوبة، وهي إسكات المعارضة المسلحة المجمعة هناك ( ومعظمها من هيئة تحرير الشام، النصرة سابقاً، وهي على رأس قائمة الإرهاب دولياً) أو إنهائها، مع ذلك لا تزال تركيا تماطل، مثلما تماطلت في منطقتي الباب وجرابلس، وهي مرفوضة من قبل الأجندات الروسية في سوريا، والخلفية أكثر من واضحة، لأبسط المراقبين السياسيين، ونحن لا نتحدث عن لافروف مخطط الإحداثيات والتحركات العسكرية، والتقسيمات الميدانية، بل عن المحنك السياسي الذي جل غايته الإسراع في تصفية المعارضة في إدلب قبل فتح المجال لتركيا في منطقة عفرين، أو لربما صلاحيات أوسع في شمال سوريا، ودونها ستظل الخطوط الحمر أمام التدخل التركي في منطقة عفرين الكردية معلقاً.
  بينما تركيا ترغب السيطرة على منطقة عفرين أو أسقاط المكتسبات الكردية قبل إنهائها للمعارضة العربية، وكما نعلم بأن مصلحتها تقتضي استخدامها كأداة لضرب الكرد والقضاء على القضية القومية الكردستانية المتصاعدة في جنوب غربها، كما تعاونت بمقتضى مصلحتها مع إيران في جنوب كردستان، ومن خلالها توضحت عورة أردوغان بأن حديثه عن ألـ ب ك ك والإرهاب الكردي، والمكتسبات التي حصل عليها الكرد في جنوب غربي كردستان، جراء التضحيات الجسام ضد الإرهاب الداعشي المدعوم أردوغانيا وخامنيئياً،  ليست بأكثر من مسوغات لتمرير مراميها، وللتغطية على الحقد الحقيقي تجاه تصاعد القضية الشعب الكردي، وهي التي جمعته مرارا مع أئمة ولاية الفقيه المختفين وراء شعار الأمة الإسلامية الشيعية كغطاء لضرب المسألة الكردية.
  بوتين سيبحث مع أردوغان، إلى جانب العلاقات الاقتصادية، والتي في الواقع لا تحتاج إلى مثل هذه القمة، رغم أنهم يأملون أن ترتفع إلى قرابة ألـ 100 مليار دولار في السنوات العشر القادمة، ومنها صفقات الغاز وبناء المفاعل النووية وغيرها، وهذه يمكن أن تتم باجتماعات بين لجان مختصة، والحقيقة هي أن القمة من أجل البحث في قضايا الشرق الأوسط، وقضية القدس والمؤتمر الإسلامي المزمع عقده في استانبول، وقادم سوريا، ومصير الأسد وسلطته، وهل ستدفن كل المعارضة أم سيتم الاحتفاظ ببعضها للتوقيع على وثائق الاتفاقيات المطبلة لها بأنها سياسية (والتي على أثرها قدمت جرعات الرياض الثانية) وفي الواقع الحلول النهائية عسكرية وبشكل مطلق، والطيران الروسي، والقصف الصاروخي من أعماق البحار تؤكدها، ومن يقول غير هذا يخدع الشعوب السورية قبل ذاتهم، والمعارضة تدرك، والدول التي  شاركت سلطة بشار الأسد، كالقطر وتركيا والسعودية، في تحريف الثورة وطمسها تعلم تماما ما فعلته، وهؤلاء دفعوا بالمعارضة العربية لمشاركة النظام السوري في تعميق الفرقة بين الكرد والعرب، وبين المذاهب والأديان في سوريا، وحرضوهم على الخطاب العنصري بكل بشائعه، ونشروها على الإعلام، إلى أن أصبحت جل نشاطات شخصيات من المعارضة العربية السياسية والعسكرية مهاجمة الكرد واتهامهم بما هب ودب من التلفيقات، بلغت حد إرسال الكلمات البذيئة، والكلام المنحط، وجل غاياتهم تشويه ليست القضية الكردية وسمعة الشعب الكردي بل تشويه مفاهيم الثورة، لأن الكرد بحركتهم السياسية والثقافية خير من لا يزالون متمسكون بمبادئها، وهي إسقاط النظام، وتعني إسقاط السلطة والمعارضة الراديكالية التكفيرية والسياسية الانتهازية، معا وبكل مؤسساتهم ومفاهيم، وليست تغيير السلطة كما تستميت عليها المعارضة العروبية.
   ليت المعارضة العربية السورية تقرأ الأية التالية كل صباح ومساء قبل الفطور والنوم” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” علا التذكير يجدي، وتعيد حساباتها، وتعلم أن جنيف ليست سوى مهزلة وستنتهي مثلما بدأت، وكل التحضيرات تتم لعقد مؤتمر سوجي على البحر الأسود، وعلى الأغلب ستخرج بنتائج ملموسة، وبطيف روسي، وعلى أثرها يحضر لا فروف لتجميع أكبر عدد ممكن من الأطراف المتفقة والمعارضة (يقال بأنه سيبلغ عدد الحضور قرابة 1300 مشارك)، لئلا تكون لهم قدرة على الحوار أو النقاش على ما ستعرض عليهم من دستور ومقترحات لسوريا القادمة. ويبقى السؤال: هل مثل هذا التجمع الضخم ستكون نتائجها مشابهة لنتائج جنيف؟
  نظراً لضخامة التحضير لمؤتمر سوجي، يتبادر إلى أذهاننا أن نتائجه من الصعب أن تكون نظيرا لنتائج سابقاته، وخاصة هناك إشاعات حول تبلور معارضة سورية جديدة لتكون بديلا.
 
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
9/12/2017م

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…