رغم المِحن يتعهد الإقليم بمكافحة العنف ضد المرأة

ماجد ع  محمد
معروفٌ أن من علامات الاتزان  والرجاحة بقاء المرء محافظاً على خِصاله الحميدة والاستمرار في خطابه الإنساني في أحلك الأيام، وأن لا تدفعه الظروف الاستثنائية بأن يغدو غير الذي كان عليه قبل الواقعة التي ألمّت به، وأن لا ترديه الملمات إلى حالة المتخبط الذي ينقاد إلى اقتراف موبقاتٍ لا تتناسب مع موقعه وقيمه وما كان يدعو إليه من قبل، وبعيداً عن التقريظ فهذا ما قرأناه في كلمة نيجيرڤان بارزانى رئيس وزراء إقليم كردستان في مراسيم افتتاح الحملة الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة في الإقليم يوم الاثنين في 27/11/2017.  
وفيما يتعلق بتلك الحملة بدا لمتابع الخطاب أن صاحبه ينطلق من حكمة “إصلاح الموجود خير من انتظار المفقود” وحيث تنوي حكومة الإقليم إتمام مشروع مكافحة العنف ضد المرأة بما يتوفر لديها من الإمكانيات ضمن الظروف المتاحة في الوقت الراهن، في محاولةٍ منها بألا يتراجع الإهتمام بهذا الجانب الهام قط بناءً على الانتكاسة التي ألمّت بالإقليم في منتصف شهر تشرين الأول، وأنها إذا لم تكن قد حققت خطوات مأمولة ومتقدمة جداً  في هذا الجانب، فعليها على أقل تقدير أن تحافظ على الموجود وتحرص عليه، وبألا تتأثر أو تتراجع قضية المرأة بالكبوة السياسة والاقتصادية في الإقليم، وذلك بالرغم من الويلات المفاجئة التي انصبت على رأس الإقليم منذ السادس عشر من شهر ت1، بالرغم من أن المتربصين بالإقليم لم يهدفوا فقط من خلال زناخة ما اقترفوه في ذلك اليوم الأسود الإساءة للبارزاني وحده، إنما كان هدفهم الأول والرئيس إفشال تجربة إقليم كردستان التي غدت تغيظ دول الجوار وكذلك تقض مضاجع أهل الحسد والمقت في بغداد.
إذ في مراسم إعلان الحملة الوطنية العاشرة لمناهضة العنف الأسري تحدث رئيس وزراء إقليم كردستان قائلاً: بأن هذه السنة وكما السنوات السابقة سنعمل جاهدين للقضاء على استخدام العنف ضد المرأة في الإقليم، منوهاً أن هذه هي العاشرة على التوالي وحكومة الإقليم مستمرة بالحملة الوطنية لمناهضة العنف، ساعية لتأمين المساواة والعدالة الاجتماعية، مشيراً إلى أنه على الرغم من صعوبة الأحداث الأخيرة في إقليم كردستان، إلا أنه هذه السنة وكما في السنوات السابقة والى جانب الحكومات والمنظمات الدولية المدنية في أنحاء العالم ومن خلال إرادتنا السياسية سنعمل جاهدين لتأمين السلم والاستقرار في الإقليم، ونكثّف الأعمال والأنشطة المتعلقة بذلك الجانب من أجل القضاء قدر المستطاع على ممارسات العنف بحق المرأة داخل الأسرة والمجتمع وعلى المستوى الوطني والإقليم برمته.
وظهر بأن الحكومة ماضية في تطبيق فحوى خطابها المتعلق بمناهضة العنف الأسري، وأن الأحداث التي جرت في الأونة الأخيرة لم تُسقط قضية العنف ضد المرأة من سلم الأولويات لدى الحكومة، حيث شدّد بارزاني على أن شعب كردستان شعب مسالم، وشعب منفتح ومتسامح يدافع عن نفسه باستمرار، ولكنه لا يستخدم العنف أبداً لحل المشاكل وتأمين حقوقه الأساسية والمدنية والإنسانية، بل ويود شعب الإقليم أن يصل إلى هذه الحقوق التي ناضل من أجلها ماضياً وسيتمر في نضاله لاحقاً بطرق ديمقراطية وبصورة سلمية  حضارية.
كما أنه بخصوص الخطوات التي اتخذتها حكومة الإقليم منذ سنة 2001 والطريقة المختلفة في التعاطي مع الجرائم المقترفة بحق المرأة مقارنةً مع باقي مدن العراق أشار نيجيرفان البارزاني إلى أن إقليم كردستان يتعامل مع قتل المرأة ومهما تكون الذرائع مثل كافة أشكال القتل الأخرى، وليس بموجب المادة (377) والمواد (138)و(130)و(131)و(133) من قانون العقوبات العراقية، والتي تعاقب المتهمين بقتل المرأة باحكام خفيفة بدعوى الشرف، كما أكد بارزاني أن الزواج من أكثر من امرأة تم تحجيمه الى درجة كبيرة في إقليم كردستان بموجب القانون من خلال وضع مجموعة من الشروط الصعبة، كما وتم رفع عمر الزواج إلى سن (18) كحق أساسي، ومن أجل أن تتمكن الفتيات من تطوير تعليمهن وإنماء ذواتهن في هذا البلد، ومن الخطوات العملية لحكومة الإقليم لتنظيم قضية المرأة بشكل مؤسساتي بغية القضاء على العنف ضدها وتحسين الحالة الاجتماعية لها، تم تأسيس مديريات لمناهضة العنف، وتأسيس أعداد كبيرة من بيوت الإيواء للنسوة المهددات، وتأسيس المجلس الأعلى لشؤون المرأة وجمعية رعاية حقوق المرأة.
وجديرٌ بالذكر أنه مع كل الظروف القاهرة التي مرت على إقليم كردستان، فإن سلطات الإقليم لم تلجأ إلى معاقبة الأبرياء أو الخناق عليهم بجريرة ما فعلته الأنظمة المجاورة، أو تسيء التصرف مع اللاجئين إليه كرد فعل على ما أقدمت عليه الحكومة المركزية في بغداد، إنما العكس تماماً هو الذي حصل، حيث أنه ورغم الإمكانيات البسيطة لحكومة الإقليم مقارنةً مع الميزانية الهائلة لبغداد وعظمة تركيا اقتصادياً، إلا أننا كثيراً ما شاهدنا الأخيرة وهي بين فينة وأخرى تهدِّد الغرب عموماً وأوروبا على وجه الخصوص باللاجئين السوريين، بينما الإقليم احتضن وبصدرٍ رحب خلال السنوات الأربع الماضية مليوني نازح ولاجيء من سوريا وكذلك  من مدن العراق رغم معاداة بغداد ومحاربتها الإقليم مالياً ومعنوياً وسياسياً وعسكرياً؛ إذ لم يمنن الإقليم أحداً على إيوائه اللاجيئن، ولا استخدمهم أو قام بابتزازهم لأهدافٍ سياسية كما تفعل الدول المجاورة لسوريا باللاجئين، وفوق ذلك فإنه وعقب هجوم الحشد الشعبي والقوات العراقية على كركوك وطوزخورماتو والمناطق الاخرى، شرِّد أكثر من (160) ألف شخص من تلك المناطق واتجهوا إلى داخل الإقليم، وحيث تعرضت النسوة والفتيات في تلك المناطق التي غزاها الحشد الشعبي إلى العنف والاعتداءات الجنسية وفق تقارير منظمات المجتمع المدني. 
علماً أنه عندما تتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدٍ ما من العالم، فإن النسوة عادةً ما يكنّ في مقدمة من يدفعن ضريبة التغيير أو التقهقر العسكري أو السياسي في ذلك البلد، إلاّ أن حكومة الإقليم تعهدت بأن تستمر الحملة ضد كل من يمارس العنف بحق المرأة، فقال رئيس الحكومة حيال ذلك مخاطباً النساء في كلمته “بأننا لن نسمح بأن تتراجع حقوقكن إلى الوراء، ولن نسمح بأن تعودوا مرة أخرى الضحايا الرئيسيين للحروب والصدامات، ونعاهدكن بأن التطورات التي حققناها خلال خمس وعشرين سنة الماضية سوف تستمر، وحكومة الإقليم مثلما كانت ستقدم لكن تعاونها وتكون قريبة منكن”. 
عموماً فالحملة الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة في إقليم كردستان هذه السنة تأتي بالتزامن مع حملة عالمية تقام من قبل النساء لمناهضة التحرش الجنسي في أماكن العمل من قبل الرجال من أرباب العمل والمتنفذين في المؤسسات والورشات والمصانع، كما وبمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة تسعى حكومة الإقليم تشريك كل الشرائح الاجتماعية والعمرية لتنفيذ المشاريع في نوادي الأطفال ودور الشباب والمعاهد والجامعات، وإقامة الندوات والورشات التوعوية والتثقيفية من خلال الأنشطة والأعمال الفنية والإبداعية.
ختاماً أحسب أنه بالرغم من مرارة الغصات التي تجرعها شعب الإقليم ومعه كل الطاقم السياسي ممن يُشغلهم مصير وأمن وغذاء وأمان الإقليم وناسه، فإن حكومته الفتية عاهدت نفسها بألا تتأثر حقوق المرأة فيها بالمجريات الأخيرة، وأن تظل تعمل الحكومة على الفصل التام بين ما يتعرض له الإقليم من قبل كل المعادين له من دول الجوار وكذلك القابعين في بغداد ممن يتحينون الفرصة لإنهاك أو إنهاء تجربة الإقليم، وبأن تفصل جيداً بين السياسة وبين حياة الناس عامةً والنساء بوجهٍ خاص، والتعهد بألا تنزل ممارسات الحكومة يوماً إلى مستوى رداءة مَن يحيكون المؤامرات والأحابيل ضد شعب الإقليم ويكنون له كامل الضغائن، إنما ومن خلال السلوكيات الممارسة وبناءً على التقارير الميدانية، فيبدو لنا وكأن رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني يعمل بما جاء في وصية الإمام الباقر إلى جابر الجعفري بقوله: ” يا جابر أوصيك بخمس: إن ظُلمت فلا تظلم، وإن خانُوك فلا تخُن، وإن كُذّبت فلا تغضب، وإن مُدحت فلا تفرح، وإن ذُمِمتَ فلا تجزع”. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…