م.محفوظ رشيد
لم ولن تهدأ منطقة الشرق الأوسط، ولن تخمد الحروب القذرة والمتكررة فيها، تلك التي لا تجلب سوى الويلات والمآسي لشعوبها بسبب عمليات القتل والتدمير والتهجير التي ترتكبها الأطراف المتصارعة، بتحريض وتفويض من القوى العظمى التي قسمتها إلى كيانات وفق خرائط استعمارية ضماناً لمصالحها وأمنها، دون رأي وإرادة شعوبها، ومهدت لأنظمة حكم الحزب الواحد (أوالعائلة المالكة) بأيديولوجيتها الشمولية والفاشية والشوفينية، لتحكم سيطرتها على جميع مقاليد الدولة ومؤسساتها بواسطة أجهزتها القمعية(الأمنية – الاستخباراتية)، فاحتكرت السلطات والثروات والقدرات جميعها، واختزلت الوطن والوطنية والمواطنة في منظومتها وشخص زعيمها القائد الأوحد والرمز والضرورة وإلى الأبد.
وألغت تلك الأنظمة أيضاً الحياة السياسية وحظرت أحزابها، وسيَّست منظمات المجتمع المدني (نقابات،اتحادات،جمعيات) وربطتها بسلطاتها وأخضعتها لتعليماتها وضوابطها، وأزالت التعدد والتنوع، وصهّرت باقي الأطياف والتيارات في بوتقة العنصر السائد عرقياً أو دينياً أو فكرياً، وجندتها لتنفيذ أجنداتها على الصعيد المحلي والإقليمي والعالمي، وأعلنت الحرب على المعارضين والمخالفين وقمعتهم بكل الوسائل والأساليب المتاحة وحتى المحظورة عالمياً، وبذلك قضت على الديموقراطية والعلمية والواقعية في إدارة الشؤون العامة والتعارضات الاجتماعية كوسيلة وأداة مثلى عبر الحوار الوطني الجاد والمسؤول.
نتيجة لهذه الإجراءات تغوّل الاستبداد والفساد في كافة مفاصل وهياكل الدولة، والتي ولدت التطرف والعنف والإرهاب، وظهرت على إثرها حركات قومية وإسلامية واشتراكية، مناهضة للحالة القائمة ومطالبة بتغييرها بعد يأسها من إصلاحها وفق شعارات وأيديولوجيات وأجندات متعددة، وأساليب نضال مختلفة.
ومع توفر الظروف الموضوعية وظهور تلك الحركات كقوى فاعلة أو حاكمة في بعض المجالات والمناطق، وجدت نفسها نسخة مشابهة ومشوّهة عن الأنظمة الحاكمة الأصلية من حيث السلوك والنهج، لا بل أكثرها تطرفاً وعنفاً وفساداً، حتى غدت أطرافاً رئيسية في الصراعات والحروب الدائرة لتحقيق غايات سياسية ومنافع مادية وأمجاد شخصية وحزبية وعائلية وعقائدية..، مما جعلت من نفسها مادة تقايضية مهمة وضحية مهيأة وسهلة في العمليات التفاوضية والصفقات السياسية والمساومات المصلحية بين الكبار أصحاب القوة والقرار.
قامت وتقوم تلك الحركات بإعادة إنتاج الاستبداد والفساد بقدر ما تحظى به (تحظاه) من السلطة والثروة والجاه(القوة)، وتبدأ بتفكيك القطاع السياسي وتنتقل إلى تفكيك القطاع الثقافي والتربوي والتعليمي ثم إلى المجتمع (إلى الشارع) لتحول الدولة (أو السلطة) التقدمية أوالعادية إلى دولة فاشية ورجعية بأيديولوجيا عدمية وتصحّر سياسي وانحطاط أخلاقي، وتتعامل مع الآخر المختلف على أنه عميل وخائن ورجعي وكافر.. يجب استبعاده أو استئصاله أو القضاء عليه، وتعتبرها واجباً قومياً ثورياً ودينياً عقائدياً..
لذلك تصبح جزءاً رئيساً من(أداة رئيسة في) الحروب الدائرة بين المستبدين والمفسدين، وتفشل في تحقيق أية مكاسب أو انجازات (قومية- وطنية)، وتذهب ضحية صفقات ومؤامرات دولية عظمى أكبر منها حجماً وقوةً..
إن التعصب والتطرف والعنف والفساد عناصر مشتركة بين التيارين السياسي والديني، وتجعلهما حليفين وظهيرين لبعضهما البعض في الاستبداد والفساد وإن اختلفا في الأهداف والغايات، وتصادما على أرض الواقع إلى حد افناء أحدهما للآخر، فالإسلام السياسي المتمثل بداعش ونصرة والحشد وغيرها، الذي منشأه الأساسي ايديولوجية الإخوان المسلمين، حيث استغل الإسلام كدين سماوي والمسلمين كجماعة بشرية لترويج نظامه ونهجه ونشر سلطته وإرهابه، وهكذا فالسياسي (القومي، الاشتراكي) يستخدم الشعارات القومية والوطنية والإنسانية بديماغوجية لشرعنة دكتاتوريته وتسويقه.
لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، لا بد من إنهاء الحروب، والانتقال لكنس الايديولوجيات العدمية وأحزابها (حركاتها) الشمولية، والتفكير والنقاش جدياً وملياً في المرحلة التمهيدية بالمراهنة على آليات الدفاع المدني الذاتي، والممتلكات الأخلاقية والقيم والأعراف الإنسانية السامية والسائدة التي تخدم البشرية وتفيدها، وتعزيز تلك المساعي بإجراءات العدالة الانتقالية، وترسيخ النسيان الايجابي والتسامح والتسامي فوق كل الاعتبارات، والتسلح بالإرادة الإنسانية الصادقة والخيرة، والاقرار بحقوق الإنسان العادلة والمشروعة من حرية وكرامة وعدل ومساواة..، والاعتبار لخصوصياته الأثنية والروحية والثقافية في العيش بأمان وسلام ورفاء..
والبداية تكمن في الاعتراف بالآخر المختلف والمعارض، واحترام فكره وأرادته، واعتماد الحوار حكماً وفيصلاً في حل الخلافات والنزاعات، وأسلوباً ونهجاً في إدارة الأمور والشؤون، ومعياراً في وضع البرامج ورسم الشعارات، والبحث عن القواسم المشتركة بين مختلف القوى ضمن المكون الواحد وجميع مكونات الوطن معاً، لتوحيد الصف والخطاب للقضاءعلى آفتي الاستبداد والفساد المنتجتين للارهاب والتوحش وتجفيف منابعهما، وقطع السبل وازالة الذرائع التي تستغلها القوى الاستعمارية وأدواتها للتدخل في شؤون المنطقة، فتهدر دماءها وتبعثر طاقاتها وتضعف قواها كي تستثمر ثرواتها لصالح دولها وأجنداتها، وكذلك لفضح وعودها التي أصبحت مباعث شؤم ويأس واحباط لدى المراهنين عليها في مشاريعها التحررية، وتعرية سياساتها المضمرة ومخططاتها السرية.
المقال منشور في صحيفة bûyerpress الورقية العدد /69/ تاريخ 15/11/2017
———— انتهت ————–