الحصار يضر بأصحابه قبل المحاصرين

جان كورد 
الحصار على جنوب وطننا لن يدوم، وإيران بحاجة للإقليم أكثر من حاجته له، لأنه منفذٌ لإيران من العقوبات والحصار، وكل شيء سيتم عن طريق كوردستان التي لا تريد سوى السلام والاستقرار بين جيرانها، فيما إذا شددت أمريكا الحصار على طهران، وجنوب كوردستان سوق واسع للبضائع والمنتوجات الإيرانية لا يقل أهميةً عن الكويت وقطر ودول الإمارات والبحرين بالنسبة للاستراتيجية الفارسية بعيدة المدى، إضافةً إلى التخوّف من أن تدعم قيادة جنوب كوردستان سراً أو علانيةً حركة التحرر الوطني الديموقراطية المتعاظمة في شرق كوردستان، وهذا ستكون له عواقب خطيرة لإيران.
وبالنسبة لتركيا فالوضع الاقتصادي والسياسي فيها متدهور بدليل الانخفاض المستمر لسعر العملة التركية في أقل من عامين، والمسيرة العظيمة لمئات الكيلومترات التي تمكن من القيام بها حزب الشعب الجمهوري، رغم المحاربة الشديدة والواسعة  من قبل النظام للمسيرة، دليلٌ على اشتداد المعارضة لسياسات حزب العدالة والتنمية، الذي بحاجة دائمة إلى أصوات الكورد الانتخابية للبقاء في حكم البلاد، كما أن تركيا بحاجةٍ ماسةٍ إلى أموال جنوب كوردستان التي تأتيها عن طريق حصتها من تمرير البترول من حقول كوردستان الثرية صوب الموانىء التركية على البحر الأبيض المتوسط، وشركات الطيران التركية العملاقة لن توافق على فقدان مطارات كوردستان التي تدر عليها أرباحاً عظيمة، ولا يغرب عن البال تواجد آلاف الشركات ومختلف أشكال التجارة التركية في الإقليم، وهذا يدعم الاقتصاد التركي بمليارات الدولارات سنوياً ويساهم في تنشيط الحركة التجارية والأسواق في طول البلاد وعرضها. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن تركيا لا تزال في حالة حربٍ مع حزب العمال الكوردستاني الذي خفّ نشاطه المسلّح في الأعوام القليلة الماضية، إلاّ أنه يتسبب في خلق أزمة مالية كبيرة لحاجة الجيش التركي المستمرة منذ إعلان الحزب الثورة على أنقرة في عام 1984، والحكومة التركية تعلم أن بمقدور قيادة إقليم جنوب كوردستان التوصّل إلى اتفاقٍ ما مع هذا الحزب الذي له وجودٌ قويٌ على طرفي الحدود التركية – العراقية وبذلك يمكن إحداث ثقوبٍ واسعةٍ في أي حزامٍ تركي يهدف إلى حصار إقليم جنوب كوردستان وتجويع شعبه، ويمكن إحداث شرخٍ كبيرٍ في الاستراتيجية العسكرية للجيش التركي بدعم قوات الحزب العمالي من قبل قوات البيشمركة، وفي تحريك الشارع الكوردي في المدن من شرق البلاد إلى غربها، بحيث يتسع الخرق على الراقع.
 أما بالنسبة إلى العراق، فإنه في أزمةٍ سياسيةٍ واقتصادية و”اسمنتية” وفي حالة حرب، فالماء والاسمنت يأتيان إلى المناطق العربية من كوردستان، ولا يمكن إعادة إعمار المدن المهدمة، ومنها الموصل الكبيرة، من دون الاسمنت والماء، إضافةً إلى خرابٍ أكيد سيلحق بالاقتصاد العراقي المريض نتيجة الفساد وتحكّم أتباع “ولي الفقيه” بصنابير المال العراقي، وفيما إذا استخدم الكورد سلاحاً قوياً ضد بغداد: أي اعادة أكثر من مليون لاجىء عربي موجدين حالياً في كوردستان إلى ديارهم، فإن الأوضاع ستتأزّم تماماً أمام بغداد، ومن ثم فإذا تمكّن العرب السنة من انشاء اقليمٍ لهم فالعراق الموّحد سيصبح في خبر كان. 
إن الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على حكومة العبادي للابتعاد عن ايران وحل الحشد الشيعي في حال الانتهاء من الحرب على داعش، وتسعى المحاكم الأمريكية الفيدرالية إلى انتزاع تعويضات مالية من إيران بحدود 300 مليار دولار لأنها على يقين بأن للحكومة الإيرانية وأجهزتها الاستخبارية أصابع في العملية الإرهابية الكبيرة في 11/9/2001  التي أودت بحياة الآلاف من المواطنين الأمريكان، وهي المعروفة عنها بأنها لا تتوانى عن القيام بالعمليات الإرهابية في شتى أنحاء العالم ضد المصالح والبعثات الدبلوماسية لواشنطن وفي داخل الولايات المتحدة ذاتها، إلاّ أن سياسة الرئيس السابق باراك حسين أوباما أهملت كل ذلك، بل أفسحت لإيران سحب أموالٍ كثيرةٍ تزيد عن المائة مليار دولار من أموالها المجمدة لدى البنوك العالمية، وذلك بذريعة أن إيران “مفيدة” للعالم الحر في الحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق، إلاّ أنه من سوء حظ ملالي إيران أن الرئيس الحالي في البيت الأبيض لا يقل خطورةً عن جنرالات الحرس الثوري المتطرفين وهو بالتأكيد يخطط لضربةٍ ساحقة على النظام الحاكم في طهران… لذا، برأيي فإن شهر العسل بين تركيا أردوغان وإيران خامئني وحكومة العبادي المشلولة من جراء تعدد المشاكل لن يطول لأن الولايات المتحدة في تشديد على دول حلف الناتو ومنها تركيا لعزل إيران وتصفية نظامها الإرهابي أو إضعافه على الأقل… ولا تنسوا الدور الهام لإسرائيل في المنطقة، التي تطورت من دولة صغيرة إلى دولةٍ صار لها “مكانٌ تحت الشمس” وذات قوةٍ هائلة وحلفاء في سائر العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، وهو حتى الآن دورٌ إيجابيٌ للغاية من مسألة الدولة الديموقراطية الكوردية التي يحلو للإعلاميين وبعض السياسيين العرب والفرس والترك تسميتها ب”إسرائيل الثانية”. 
ما على الكورد القيام به:
-التحوّل السريع من عالمهم المتشنج حزبياً إلى عالم بناء الدولة القومية التي تتخطى وتتجاوز الخطوط الحمراء للدول التي تتقاسم أرض كوردستان، وهذا يتطلب تعاوناً وتفاعلاً واستراتيجية جديدة للتحرير من أهم أسسها التقييم الدقيق للأوضاع السائدة والتفريق الحاسم بين الأعداء والأصدقاء.
-تنشيط الفعاليات الشعبية، وبخاصة في العالم الحر الديموقراطي حيث توجد أعدادٌ هائلةٌ من الجاليات الكوردية المؤمنة بحق أمتها في الحرية والحياة، وذلك من أجل كسب مزيدٍ من الأصدقاء، ولإيجاد المكان المناسب للناشطين الكورد في سائر المنظمات والأحزاب الديموقراطية في الدول التي يتواجدون فيها، وفي هذا دعمٌ كبير للدبلوماسيين من كوردستان في علاقاتهم مع العالم الخارجي.
-الصبر على كل أشكال الحصار والتجويع، ورغم كل التحديات والمصاعب، والأمة الكوردية التي عانت الويلات والهزائم والجوع والعطش والحروب قادرةٌ على تجاوز المحن لأنها على حق وتسعى لنيل تلك الحقوق التي تتمتّع بها الشعوب والأمم الأخرى. وهنا يجب صرف جهودٍ عظيمةٍ لمحاربة “الطابور الخامس” وحملات الترويع والانبطاح ودعوات الإحباط التي يطلقها العملاء والخونة بهدف اجهاض مسيرة الاستقلال. 
-بناء القوة الوطنية القادرة على الدفاع عن الوطن والأمة، وهذا يعني توحيد صفوف المقاتلين في شتى أنحاء كوردستان تحت قيادة واحدة مشتركة، دونما تردد أو تأخير، فالمرحلة التي أمامنا ستكون قاسية بالتأكيد لجميع القوى الكوردية المحاربة ولشعبنا في جنوب كوردستان وغربها خاصةً.
-تعزيز التعاون والتفاعل والتوحد بين الأطراف السياسية الكوردستانية المتقاربة سياسياً وفكرياً والكف عن التنابز الحزبي والتنافر الايديولوجي فهذا لا يغني ولا يسمن من جوع.
-تعميق الوعي الديموقراطي وقبول الآخر المختلف واحترام حقوق الإنسان وتطوير الإعلام الحر وتعزيز التضامن بين مختلف المكونات القومية والدينية في كوردستان والاستمرار في مكافحة الغلو والتطرّف، وهو واجب لعلماء الكورد وشيوخهم ورجالات أديانهم ومعتقداتهم جميعاً، والحرب على الإرهاب، مع سائر القوى الإقليمية والدولية التي تسير على طريق الكفاح من أجل مجتمعاتٍ آمنة ومستقرّة ومتعاونة في المنطقة.
-يقيناً هذا كله فاشل دون نضالٍ واسعٍ ومشترك ضد الفساد في الداخل الكوردي، وتربيةٍ جيدة لأطفال الكورد على حياةٍ اجتماعيةٍ تخلو من الأفكار المتطرّفة والنزعة العدوانية لفئةٍ من الفئات ضد الأخرى، ومن دون بناء اقتصادٍ كوردستاني قادرٍ على مواجهة التحديات المختلفة، ومن دون محاسبةٍ دقيقة لمداخيل ومصاريف المؤسسات والشخصيات المسؤولة والإدارات الحكومية. إن السرطان الذي يضرب أعماق الأمم والنظم هو الفساد فلنعمل على محاربته معاً. 
‏07‏ تشرين الأول‏، 2017 
kurdaxi@live.com
 facebook: kurdaxi1      

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…