الكرد و مرحلة ما بعد الاستفتاء

صفية عمر 
ان الكرنفالات الجماهيرية الضخمة في معظم المدن الرئيسية في كردستان العراق وبحضور الرئيس مسعود بارزاني والقيادات السياسية والعسكرية الكردية من كافة الاتجاهات وخاصة في مدينة السليمانية وغيرها من المدن التي كان من يراهن عليها في فشل الاستفتاء، والاصرار على اجراء الاستفتاء في وقته المحدد ، والاقبال الكبير جداً على كافة مراكز الاقتراع في كافة مدن كردستان وخاصة في مدينة كركوك ، حيث الطوابير المكتظة من الناخبين للإدلاء بأصواتهم، والفرحة التي رافقت هذه الخطوة التاريخية وخاصة من عوائل الشهداء .
التغيير في المواقف الحزبية إزاء الاستفتاء وخاصة من  قبل حركة التغيير والجماعة الإسلامية في كردستان العراق حيث انضمتا إلى المؤيدين لإجراء الاستفتاء، ودعتا أعضاءهما للتوجه إلى صناديق الاقتراع والتصويت بنعم في الاستفتاء.
إن هذه المؤشرات عبرت بوضوح عن إرادة شعبنا في هذا الجزء من كردستان واصراره بالسير نحو الاستقلال متجاوزاً كل الحشد الطائفي والعنصري المتجسد في إعلام الاحزاب الشيعية العراقية المدعومة من طهران وكذلك  
التهديدات الصادرة من الحكومة الطائفية والبرلمان العراقي ، ودعوة هذه الحكومة من الدول التي تحتل كردستان بتنفيذ حصارها على كردستان العراق وخاصة من قبل ايران وتركيا والمواقف السياسية المحلية والدولية المعارضة للاستفتاء.
ان الشعب الكردستاني بكافة مكوناته لم ترضخ لكل هذه التهديدات ولم تأبه لها ، بل بالعكس انها وحدت الموقف السياسي الكردستاني ودفعت بالجميع الى تحمل مسؤولياتها التاريخية ، وان التراجع في موقفي حركة التغيير والجماعة الاسلامية ومشاركتها الجادة في الاستفتاء تعبير واضح على وحدة الموقف الكردستاني نحو العمل المشترك من اجل التحضير الجدي لكل الاستحقاقات الضرورية والمطلوبة من لاستقلال كردستان وبناء الدولة الكردية والتصدي لكل من يحارب أو يعارض هذه الخطوة التاريخية ومواجهته بالوحدة ووضع آليات نوعية للتشارك الحقيقي في القرارات السياسية التي تخدم مستقبل كردستان وخاصة اجراء التوافقات السياسية في ظل الحفاظ على مصلحة الأمن القومي الكردستاني ، والعمل على توافق في المصالح مع دول المنطقة والعالم وخاصة ذوي النفوذ الكبير في المنطقة ، وهذا يتطلب الحكمة وبناء سياسة مرنة مع الجميع بعد الانتهاء من عملية الاستفتاء وإصدار النتائج ، اي بعد تجاوز الخطوة التاريخية للقرار الشعبي الكردي .
ان الصمود والتحدي الذي ابداه الشعب الكردستاني في هذا الاستحقاق التاريخي كان له الدور الفاعل في إنجاح عملية الاستفتاء ، والذي يسجل من كل بد لصلابة الشخص القائد مسعود بارزاني والذي أراد ان يدخل التاريخ الكردستاني دون منازع. مع انتهاء مرحلة الحسم في اتخاذ القرارات المصيرية والحزم في مواجهة التحديات بشأن استقلال كردستان  . يبدأ مرحلة جديدة من النضال الفعلي من أجل استقلال كردستان ، مرحلة بناء الدولة الكردية والتي تحتاج إلى جهود عظيمة من كل القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وكافة شرائح المجتمع ومكوناته ، والبدء الفعلي في تحريك اللوبي الكردي في أمريكا و أوربا ليتابع عمله بقوة كبيرة ليكون أساسياً في الاعتراف الدولي بهذه الدولة الفنية وذلك من خلال اجراء التوافق في المصالح ، والسماح في فتح كافة القنوات السياسية والإعلامية والاقتصادية مع الدول التي يمكنها لن تلعب الدور الفاعل في الاعتراف بكردستان كدولة جديدة في المنطقة والمساهمة في إقناع البقية في التواصل الدبلوماسي ، وهذا لن يحصل مطلقاً دون وضع خطط جادة ومتوازنة من الجميع .
ان المواقف الدولية والمحلية وحتى الكردستانية لن تبقى ثابتة قبل مرحلة الاستفتاء وبعدها ، اي ان الدول التي عارضت الاستفتاء واصدرت بياناتها المعارضة لن تبقى متشبثة بهذه المواقف بل بالعكس قد تساهم معظم هذه الدول في البحث الجدي عن الحلول الفعلية للوضع الجديد ، ولابد ان تكون هذه الحلول تناسب مصالحها وأجنداتها . هنا لا بد ان تكون للجالية الكردية في أوربا وأمريكا ان تلعب دوراً مهماً وفاعلاً في تغيير الكثير من المواقف الدولية والتي كانت محبطة إلى حد كبير  للكرد عموماً وخاصة ما قدمه هذا الشعب وبيشمركته الأبطال من جهود شجاعة في محاربة الارهاب والمساهمة في استقرار المنطقة ، حيث كان يتوقع من هذه الدول ان تشكر وتتضامن مع الشعب الكردي وقضيته ، ولكن رغم ذلك لابد من التاكيد تماماً ، قد يحصل كل شيء في السياسة غير العاطفة ، ولهذا لابد من التحرك السريع في المرحلة الجديدة لتحييد هذه الدول نحو الاعتراف بكردستان دولة جديدة في المنطقة .
المقال منشور في جريدة كردستان العدد ٥٦٩

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…