د. ولات ح محمد
لم يكد قراء “الحياة” يرتاحون زمناً من تحف المدعو مصطفى زين حتى عاد من جديد ليتحفهم هذه المرة بواحدة من أنتيكاته التي تعبر عن فكره العنصري المريض الذي يبدو أن الشفاء منه متعذر في هذه المرحلة. ففي مقال له بعنوان (ربيع الأكراد خريف الشرق الأوسط) منشور اليوم السبت 30/9/2017 خاض الفهلوي كعادته في مجموعة من الأكاذيب والمتناقضات بغية تشويه الحقائق وتضليل الرأي العام والتنفيس عن بعض حقده المتراكم الذي صار قابلاً للانفجار كما يبدو بعد استفتاء إقليم كوردستان على استقلال عن العراق، لأنه يشعر أن كل تحريضه خلال الشهور الماضية لم يأتِ بنتيجة وأن الكورد ماضون رغماً عنه وعن أمثاله.
يقول مصطفى زين: ” الحديث عن العلاقة بين الاستخبارات الإسرائيلية وزعماء في إقليم كوردستان ليس جديداً (…). العلاقة بين الطرفين تعود إلى ما قبل إعلان الدولة العبرية، عندما كانت الحركة الصهيونية تنشط في الشرق الأوسط وتتصل بزعماء الأقليات العرقية والدينية لتحريضها على المطالبة بالاستقلال في دويلات، بمساعدة الدولتين المستعمرتين فرنسا وبريطانيا لتبرير مطالبة اليهود بوطن قومي على أساس ديني. وتطورت العلاقات بين الطرفين طوال عشرات السنين، توّجَها الملا مصطفى بزيارة تل أبيب عام 1968 حيت التقى أبا إيبان ووزير دفاعه موشيه دايان …”.
بربك هل هذا كلام شخص عاقل يحترم نفسه ويحترم قراءه. سؤالي لك مباشرة يا مصطفى زين: هل كانت الاستخبارات الإسرائيلية موجودة قبل إعلان الدولة العبرية حتى تقول إن علاقة الطرفين تعود إلى ما قبل إعلان الدولة العبرية ؟؟. السؤال الثاني: إذا كانت الحركة الصهيونية بمساعدة الدولتين المستعمرتين فرنسا وبريطانيا تحرض الكورد وتساعدهم على إنشاء دولة، ومادامت الحركة الصهيونية ومن ثم دولة إسرائيل دعمت وتدعم قيام دولة كوردية كما تدعي بدليل قيام البارزاني مصطفى لإسرائيل والتقائه بقياداتها العليا، فلماذا لم تقم تلك الدولة كل تلك السنوات الطويلة وحتى هذه اللحظة؟؟ ولماذا أنشأت تلك الدول المستعمرة وطناً لليهود وأوطاناً لأعدائهم العرب والأتراك، بينما حرموا الكورد “أصدقاء اليهود” من دولتهم؟؟. علماً أن مصير المنطقة كان بيد هاتين الدولتين، وكان بإمكانهما إعطاء دولة لمن تشاءان. آآآه، كتاباتك المقاومة لها وللصهيونية وللمستعمرين هي التي منعت قيامها آنذاك وحتى الآن. عليك أن تتذكر أن دولكم التي ترفضون تغيير حدودها كانت من إنشاء سايكس البريطاني وبيكو الفرنسي، بينما ما يزال الكورد يقاومون أمثالك من أجل تأسيس دولتهم. فإلى جانب من وقف المستعمر يا شاطر؟؟.
المدعو مصطفى زين في كل كتاباته المتعلقة بالكورد يختلق وقائع ويرتبها في ذهنه الخرِف كما يحلو له ويقدمها للقراء على أساس أنها وقائع وحقائق؛ فمما يقوله في مقاله الأخير أن الكورد ” وجدوا فرصة في الربيع العربي وبروز «داعش» لنشر المزيد من الفوضى والدمار، فأعادوا طرح مشروع جو بايدن الذي اقترح تقسيم العراق إلى ثلاث دول…”. أي فوضى ودمار نشره الكورد في المنطقة يا أفندي؟ من نشر القتل والدمار هي الأنظمة التي ترى في حقوق الناس جريمة وترك السلطة كارثة واستحالة، تلك التي تغطي بكتابتك على جرائمها. وكمثال على فكرك النير تصور الطموح الكوردي وكأنه نوع من تحريض من طرف جو بايدن وتنفيذ لمشروعه، وليس حقاً أصيلاً لشعب قدم الكثير من التضحيات عبر قرن كامل من أجل تحقيقه، علماً أنك قلت قبل قليل إن المحاولات الكوردية ” المدعومة من اليهود وشاه إيران والدول الاستعمارية” تعود إلى أكثر من نصف قرن، أي قبل جو بايدن. ولكن يبدو أن للخَرَف أحكامه أيضاً. هذه العقلية هي التي نشرت الفوضى والدمار وفرقت الناس وستقسم المنطقة وليس مطالبة الكوردي بحقه المشروع.
ومما يقوله مصطفى زين في الفقرة ذاتها :” وبدأ بارزاني يستولي على «الأراضي المتنازع عليها»، وهي في معظمها خليط من الأقليات الدينية والعرقية فهجر منهم من هجر، وأقام مراكز لقواته، ورفع شعاره المعروف: لن نتخلى عن الأراضي التي حررت بالدم، مختلقاً قضية يجب أن تحل بالحوار، بناء على المادة 140 من الدستور. ولتأكيد ضم هذه المناطق إلى إقليمه أصرّ على إجراء الاستفتاء فيها، علماً أن سكانها المهجرين لم يعودوا إليها بعد، وهي شبه خالية.” إن لم تستحِ فاكذب كما شئت. من غير المعقول أن يصل بك الخرَف إلى هذا الحد؛ فالبارزاني قاتل من خاض صراعاً من اجل تطبيق المادة 140، ومن تهرب منها ثم ألغاها تماماً بحجة انتهاء صلاحيتها بانتهاء التاريخ المحدد لتنفيذها هم رؤساء الوزراء في بغداد من الجعفري ومروراً بالمالي (بدون كـ) انتهاء بالعبادي الذي لم يجرؤ على فتح الموضوع خوفاً من إيران وديكها نوري. فهل من المعقول أنك جاهل بكل هذه الأمور حتى تحمّل مسؤولية عدم تطبيق المادة 140 للرئيس البارزاني؟!. ثانياً هذه المكونات التي “تتباكى” عليها في تلك المناطق صوتت بنسبة 90% بـ”نعم” لدولة كوردستان بمن فيهم الإخوة العرب والتركمان والمسيحيين، وهم لا ينتظرون منك ومن أمثالك أن تتاجروا بهم وبرغباتهم ومعاناتهم على أيادي حكومات بغداد وأنتم جالسون خلف طاولاتكم تشربون القهوة بينما تقدمون لهم سموماً من كتاباتكم المضللة. تلك المناطق ليست “شبه خالية” كما تدعي يا مصطفى، بدليل أن مئات الناس هناك لم يتمكنوا من التصويت بسبب انتهاء الوقت وكثرة أعدادهم. تتحدث وكأنك عائد للتو من جولتك في تلك المناطق محملاً بحقيبة من الحقائق والأرقام !!. ثم ألا تعلم أن سيدك نوري المالي الذي لا تذكر مصائبه بحرف واحد هو الذي ترك أبناء هذه المناطق فريسة لداعش ثم منعهم من دخول بغداد وغيرها، بينما استقبلهم الكورد بكل حب وأخوة وما زال ما يقرب من مليوني عراقي يلقون الرعاية من حكومة الإقليم وسكانه بشهادة أولئك العراقيين أنفسهم الذين هجرهم نوري نفسه بتسليمه مناطقهم لداعش وليس الكورد الذين قاموا بحمايتهم والدفاع عنهم بوصفهم أهلهم لا أعداءهم كما يراهم نوري.
في ختام هرطقاته يقول صاحب خريف الذاكرة: ” أما إسرائيل التي لا تنفك تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط فوجدت في الخطوة الكردية فرصة تاريخية، خصوصاً بعدما بدأ «داعش» ينهار وبدأ العراق يتخلص من إرهابه”. هذا الكلام كالذي سبقه دليل على أن هذا الرجل يعيش خريف عقله وربما أخلاقه؛ فهل تعلم يا مصطفى أن انهيار داعش كان بدماء اثني عشر ألفاً ما بين شهيد وجريح من قوات البيشمركة الذين تكرههم بالتأكيد كما تكره من ينتمون إليهم؟؟ وإذا كانت إسرائيل “وجدت فرصة” كما تقول فعليك أن تتوجه لمن سلم ثلث العراق لداعش وتسبب بكل هذه الكوراث والمآسي للكورد وللعراقين على حد سواء وخلق تلك الفرصة، لا أن تتوجه لمن استعاد تلك الأراضي ودفع كل تلك الأثمان.
الأمر الثاني (وهو مضحك ويدل على درجة السوية العقلية لصاحبه) هو قوله “… وهي فرصة تنتهزها (إسرائيل) كي تشكل مع الإقليم الكردي قاعدة عند الحدود الإيرانية والعراقية إذا خطَرَ لحكام بغداد يوماً إشهار العداء لها”. والله كنت أعلم أنك حاقد لكنني كنت أظن أنك أعقل من ذلك؛ فهل تصدق نفسك فعلاً عندما تتوقع أن حكام بغداد وغير بغداد سيفكرون يوماً بتهديد إسرائيل؟، وأنت تعلم أن المبادرة العربية للسلام موضوعة على طاولة إسرائيل منذ خمسة عشر عاماً، وأنها هي التي لم تقبل بها حتى الآن. وأنت تعلم كذلك أن أكثر الفلسطينيين تشدداً قبلوا بدولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967م، وهذا يعني القبول بدولة إسرائيل على الجانب الآخر من تلك الحدود. كفاك تضليلاً للناس وكذباً عليهم واصطياداً في مياهك الوسخة.
في إحدى مقالاته الكثيرة ضد الكورد وتحت عنوان (الدساتير لا تليق بالمليشيات 17/6/2017) يورد هذا الخَرِف فقرة من الباب الأول من الدستور العراقي الذي يقول: “جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديموقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق”. ثم يبني عليها حقده الذي يقول إن الكورد لم يحترموا هذا الدستور ووحدة العراق أرضاً وشعباً، بل كانوا دائماً يتصرفون كدولة مستقلة. هذا الدعي يتجاهل مقدمة الدستور التي تقول: “إنَّ الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادة”، وهو يعلم أن من لم يحترم الدستور هم المتعاقبون على الحكومات العراقية وليس الكورد، وأبرز مثال على هذا الإهمال هو إلغاء المادة 140 التي أشار إليها في مقاله الأخير. وإذا كان الالتزام بالدستور هو الذي يحفظ للعراق اتحاده الحر فهذا يعني أن عدم الالتزام به سيؤدي إلى تفكك هذا الاتحاد، وهذا ما حصل من طرف الحكومات العراقية. أما الكاتب المحترم فلا يرى من الدستور إلا ما يعاقب الكورد به ويجعلهم مليشيات ومتمردين.
يخلص الفهلوي في هذا المقال إلى أن الكورد عبارة عن مجموعة تفكر بعقلية مليشاوية ولا تعرف شيئاً عن الدساتير ولا تحترمها (وهو عنوان مقاله). ويبدو أن الحقد الذي في داخله لم يترك مساحة للذاكرة في رأسه؛ فهو يعلم أن العراق مليء بالمليشيات الخارجة عن القانون ولا تخضع حتى لأوامر رئيس الوزراء، وتقتحم المدن وتقتل الناس على الهوية وأن فرداً منها لم يخضع يوماً لمحاكمة في ظل تلك الحكومات. كل هذه المليشيات لا يذكرها مصطفى أفندي إلا بجمل قليلة عامة لذر الرماد في عيون القراء ودون تحديد اسم أي منها، بينما يذكر البيشمركة صراحة ويخصص المقال لهم، علماً أنهم لم يقتلوا مدنياً واحداً لأي سبب كان (بخلاف الآخرين)، بل قاموا بحماية كل المكونات داخل أراضي الإقليم وخارجها بشاهدة أهلها، وهذا ما دفعهم إلى التصويت بنعم لصالح كوردستان. كل هذا لا يراه لأنه موجه ببوصلة حقده حيناً وعمى قلبه حيناً آخر.
“ما زال الأكراد، على رغم مرور 14 عاماً على مشاركتهم في حكم العراق بصفتهم القومية، يتصرفون كأنهم ميليشيات، يلجأون إلى أي جهة إقليمية أو دولية للاستقواء بها على بغداد، خصوصاً إذا كانت معادية للعرب”. هذا ما تقوله يا فلتة زمانك قبل شهور في تحفتك آنفة الذكر، وأدعوك اليوم لكي تكون صادقاً ولو لمرة واحدة إلى أن تدين حكومة بغداد (التي من المفترض أنها تمثل دولة ذات سيادة وليست مليشيا؟) لاستقوائها بإيران وتركيا على شعب تراه أنت وحكومة بغداد جزءاً من الشعب العراقي. هل هناك دولة أو حكومة تتحالف مع دول أخرى لمحاصرة قسم من شعبها؟. أليس جديراً بك أن تعود إلى مقالك ذاك وتضيف جهة أخرى إلى قائمة المليشيات التي تستقوي بالخارج للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها؟؟. أما السؤال الأهم فهو: الشعب الذي تتحالف دولته وحكومته مع دول أخرى لمحاصرته، ألا يكون على حق عندما يطالب بدولته المستقلة التي سيكون فيها أصيلاً وليس ضيفاً ثقيل الظل ومتهماً على الدوام ومنبوذاً؟. والحكومة التي تستنجد بدول أخرى لمحاصرة جزء من شعبها هل هي حكومة دولة جديرة بالاحترام والبقاء معها حسب فهمك الواسع ونظرتك الثاقبة؟؟.
نعم يا مصطفى زين، الدساتير لا تليق بالمليشيات، ولكن عليك أن تعرف عن أية مليشيات تتحدث، عليك أن تتحدث عن تلك المليشيات التي رفض أهل المدن العراقية دخولها لأنهم يعلمون أن دخولها يعني ارتكابها مجازر تفوق فظائع داعش. أتفق معك على أن الدساتير لا تليق بالمليشيات ولذلك قرر الكورد الانفصال عن دولةٍ ما تزال اليد العليا فيها للمليشيات ليكوّنوا دولةً يكون الصوت الأعلى فيها للدستور والقانون وحقوق الأفراد والجماعات. ولهذا فإن ربيع الكورد لن يكون خريفاً للشرق الأوسط كما تدعي في تحفتك الأخيرة، بل ربيعاً له ولكل شعوبه التي حرمتموها من حقوقها الدستورية والقانونية وجعلتم حياتها خريفاً طويلاً، مرة بدافع قومي بغيض وأخرى بدوافع طائفية متخلفة وثالثة بكذبة الممانعة والمقاومة. سترى تلك الشعوب كيف يبني الكورد دولة المواطنة والحق والمساواة، وحينها لن تقبل (الشعوب) من أنظمتها أن تكون حياتها أقل مما تحياه شعوب كوردستان، وهذا ما تخافون منه.
نعم يا مصطفى زين، ربيع الكورد هو ربيع الشرق الأوسط والدساتير لا تليق بالمليشيات كما أن صحيفة “الحياة” لا تليق بك.