أمريكا وضرورات حماية دولة كوردستان

عبدالرحمن كلو 
مع استمرار ضغوطات المواقف الرسمية بتأجيل استفتاء الاقليم من جانب بعض دول التحالف الدولي، ازدادت التهديدات العسكرية المباشرة للإقليم من جانب الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران وأيضا من الجانب العراقي الرسمي وذلك باستثمارها مناخات الرفض هذه وخاصة من الجانبين الايراني والتركي اللذين دخلا معاً معركة الممانعة في تنسيق ارتجالي مضطرب وسط الكثير من القضايا الخلافية الشائكة بينهما بخصوص المسائل الاقليمية، إلا أن الاقليم لم يفقد توازنه في معمعان بروباغاندا الأعلام المعادي وأمام كل هذه الضغوطات السياسية ولم يفقد بوصلة التوجه نحو الاستفتاء فعلى الصعيد العسكري وضع كل قوات البيشمركة في خطوط  التماس في حالة الجاهزية القصوى وأرسل إلى كركوك القوات الخاصة لمكافحة الارهاب، وأحبط الكثير من المحاولات التي استهدفت أمن الاقليم وأمن المناطق الكوردستانية خارج إدارة الاقليم،
وتحسباً لأي اختلال أمني أو عسكري لموازين القوى سارعت الولايات المتحدة الأمريكية بتحريك بعض من قواتها في الخليج ووضعتها في حالة تأهب قصوى لحماية الاقليم، وأخذت المدفعية الطويلة المدى مواقع قتالية لها من سواحل دولة الامارات ، كما وقامت بتعزيز قواعد تمركزها في مخمور ناحية قراج وفي كركوك وفي محور كسكي العسكري في سهل نينوى وقرب تل عفر، وذلك للحفاظ على أمن هذه البقعة من الجغرافيا البشرية  التي بات  أمنها من أمن الولايات المتحدة الأمريكية وفق الاستراتيجية الأمريكية التي اعتمدت كوردستان موقعاً جيوسياسياً حيويا في حربها الحالية على الارهاب، وتأتي التحركات  العسكرية الأمريكية هذه بخلاف موقفها الرسمي الداعي إلى تأجيل الاستفتاء الذي تحاول من خلاله احتواء المواقف العراقية والتركية والايرانية الرافضة، وذلك تمهيداً للانتقال السلس إلى المرحلة التالية من إعادة هيكلة الشرق الأوسط وفق الصيغة الأمريكية والمقاسات الأمريكية في القرن الواحد والعشرين، لأن المشروع الأمريكي بجملة مفيدة ليس وليد اللحظة ولا يطابق الحسابات التركية ولا الايرانية الآنية بخصوص ترتيبات الشرق الأوسط ،  بل هو مشروع  تاريخي يعود بجذوره إلى أواسط ستينيات القرن الماضي  ودخل حيز التنفيذ في تسعينيات القرن الماضي وبدأ العمل به فعلياً بعد أحداث سبتمبر 2001 حيث يقوم على أنقاض مؤسسات الدول القوموية والفاشية التقليدية التي أنتجت الارهاب، ولهذا ولتجنب السطحية في الفهم يكون من الغباء السياسي القفز من فوق تلك الاستراتيجيات التي وضعها صناع القرار في مكتب الأمن القومي الأمريكي على مدى عشرات السنين والاحتكام إلى مواقف سياسية آنية أو ردود أفعال إقليمية في تقييم الحدث دون الرجوع إلى المواكبة التاريخية له وتفكيك عناصره ومن ثم إعادة تركيبه ليتم قراءته وفق لغة مستجدات المرحلة، ولكي لا نذهب بعيداً في التنظير يمكن القول أن  ضرورات حماية كوردستان الدولة كإحدى مرتكزات الاستقرار هي من موجبات الاستراتيجية الأمريكية لحماية مصالح أمنها القومي الأمريكي في الشرق الأوسط ، ويمكن استشفاف الموقف الأمريكي الفعلي على الأرض من خلال تعزيز قواعدها العسكرية في كوردستان والعمل المستمر على اعداد جيش مدرب بتسليح نوعي من البيشمركة لأهداف مستقبلية وفي هذا المجال أكدت جميع أطراف التحالف الدولي أنها ستستمر في دعم البيشمركة كجزء من المنظومة العسكرية للتحالف الدولي بغض النظر عن سياقات الاستفتاء وتداعياته السياسية  عراقياً وإقليمياً، أي أنه هناك اتفاق وتوافق دولي على البيشمركة كحليف استراتيجي لمنظومة حلف الناتو مستقبلاً  وقوات البيشمركة هي ذاتها القوة الضامنة لأي حق كوردستاني في المستقبل، في حين لا يمكن فصل قوة الدبلوماسية الكوردستانية والقرار السياسي لإقليم كوردستان من قوة البيشمركة وهذه المعادلة ليست بالتعقيد الذي يحتاج الى الكثير من التوضيح  ففي الوقت الذي تشتد فيه الضغوطات على الاقليم  يزداد موقف الرئيس بارزاني إصراراً على استكمال مشروع التحرر الوطني لأنه على دراية كاملة بمعطيات سيرورة المعادلة الشرق أوسطية الجديدة بتفاصيلها الدقيقة وهو يعتقد جازما أن الأطراف الاقليمية التي حاولت استثمار مناخات الحرب على الارهاب كانت متورطة معه لحسابات قومية وطائفية خاصة، وأن الكورد لوحدهم من حارب الارهاب إلى جانب التحالف الدولي  كحليف استراتيجي، ومن حقهم استثمار اللحظة التاريخية المصيرية لأن الغرب لن يتخلى عن هذا الحليف الثابت في ظل هذا الوضع الانتقالي المضطرب، لأنه وبعبارات موجزة الولايات المتحدة الأمريكية بإدارتها الجمهورية كانت قد أسست لعراق جديد وفق نظام حكم فيدرالي تعددي و لن تسمح له بالعودة  إلى مرحلة ما قبل 2003 أو السماح لإيران بتعزيز نفوذها واختطاف الدولة العراقية من الجانب الطائفي، والادارة الأمريكية الجمهورية لن تتوانى عن تصحيح ما أفسدته إدارة أوباما في العراق، ففي المرحلة الأولى يقتضي العمل على فصل كوردستان  عن العراق وتأسيس دولة وطنية فيدرالية لكل مكونات الاقليم ومن ثم الانتقال إلى العراق العربي لتعود به إلى الحاضنة الخليجية والعربية المعتدلة بعيداً عن الهيمنة والسطو الايراني،  بكل الأحول أياماً قليلة تفصلنا عن الوقوف على حقائق الأمور لنسمع من جديد ردود الأفعال الرسمية من جانب المجتمع الدولي حول مستقبل كوردستان بعيداً عن الصخب والضجيج الاعلامي .  
  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…