كورد سوريا والرهان عليهم ..

 م. محفوظ رشيد 
    تحتل سوريا أهمية جيوسياسية خاصة في تحديد مصير منطقة الشرق الأوسط (من سلام وأمن واستقرار) ومصالح وأمن الأطراف الدولية الداخلة في النزاع إقليمياً ودولياً بفضل موقعها الاسترايجي والتاريخي، والكورد السوريون لا يقلون شأناً وتأثيراً في تحقيق التوازن في الخرائط السياسية المقترحة بحكم حضورهم الديموغرافي المشبع بالكفاءات والطاقات والخبرات، وتوزعهم الجغرافي الغني بالطاقات والثروات والخيرات.
   فالتحالف الدولي بقيادة أمريكا لم يجد بدّاً من التعاون والتنسيق مع الكورد بعد فشل محاولاته ورهاناته على المعارضة السورية العسكرية (المعتدلة) والسياسية (العلمانية- الديموقراطية) في تنفيذ استراتيجيته على الأرض في بناء الشرق الأوسط الجديد (الكبير) التي انطلقت من العراق وتوثقت في سوريا.
 وروسيا الشريكة المنافسة للتحالف في تغيير ملامح الشرق الأوسط وإعادة هيكلتها وترتيبها على أنقاض سايكس بيكو المنتهية الصلاحية، ترى في حماية الكورد وإدارتهم بشكل علني ورسمي تمهيداً لاستعادة نفوذها التي انحسرت وضماناً لمصالحها التي تضررت في المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
    أما النظام السوري الحاكم الذي يسعى بكل وسائله وإمكاناته لكسب الكورد ِإلى جانبه واحتوائهم وتحييدهم في الصراع الدائر، أو توجيه بوصلتهم نحو قضايا كوردستانية وأممية لتشغلهم عن قضاياهم القومية المحلية المنوطة بهم، أوتفتيتهم وتشتيتهم إلى الخارج كي لا يشكلوا خطراً على مشاريعه السياسية الداخلية، فهو يدرك أن وقوفهم الجامع والجاد في الجانب الآخر يرجح كفة الميزان ضده حتماً.
    وعلى الجانب الآخر تحاول المعارضة السورية بمختلف تصنيفاتها وتشكيلاتها وتوجهاتها (في الداخل والخارج) بشتى السبل لضم أسماء وعناوين كوردية إلى أطرها(أوالانضمام إلى ملتقيات الكورد المعلنة)، لكسب الشرعية الوطنية في التمثيل، والأرضية العملياتية في الحراك، بحكم تواجد الكورد وتزايد أهميتهم وتأثيرهم إقليمياً وعالمياً..
    أما القوى الظلامية الإرهابية المتمثلة بداعش ونصرة وأخواتهما، فقد اندحرت جحافلها واندثرت ولاياتها، وتحطمت مشاريعها وخططها أمام مقاومة وصمود الكورد في مناطقهم التي حموها بدماء أبنائهم الأبطال الذين دكوا معاقلها وعواصم خلافتها، وأذاقوها مرارة الخيبة والهزيمة، وأنقذوا البشرية من وحشيتها وشرورها.
    وعلى الصعيد الكوردستاني  يستثمر الثالوث المتنفذ كورد سوريا كحصان طروادة في بلوغ مقاصدهم، وورقة رابحة في مساوماتهم وصفقاتهم، وأداة طيّعة وفعّالة في تنفيذ أجنداتهم، وقوة ضاربة في إدارة صراعاتهم وتحصين سلطاتهم، وساحة لتغطية أزماتهم وتبرير إخفاقاتهم، وجسراً للعبور إلى الرأي العام ومراكز القرار العالميين لتسويق أنفسهم ورفع الحظر المفروض على نشاطاتهم، وتقديم أنفسهم كممثلين ومفاوضين ومتحدثين باسم  كورد سوريا في المحافل والمؤتمرات واللقاءات الإقليمية والدولية.
    أما الدول الإقليمية والمقتسمة لكوردستان فبدورها تسعى عبر أجهزة استخباراتها ومن خلال تشكيلات المعارضة السورية (كالائتلاف) أو الأطراف الكوردستانية أو بشكل مباشر لإستقطاب بعض الشخصيات والأحزاب والمنظمات واستثمارها لتنفيذ سياساتها مقابل إغراءات مالية وامتيازات اجتماعية وخدمية مؤقتة….
    والكورد السوريون في ما بينهم عموماً رومانسيون مخلصون لكورديتهم، ومناضلون مضحّون في سبيل قوميتهم، مبادرون وملتزمون بوطنيتهم، على عكس غالبية نخبهم السياسية والثقافية والاجتماعية فهي متخاصمة و منقسمة بين الأطراف الكوردستانية من جهة، والمعارضة والنظام من جهة أخرى، وفق الرغبة والتوجه والمصلحة. 
    وبقي أن نقول “لا يصحّ إلا الصحيح”، فالكوردي السوري الحاضر دوماً كقضية أرض وشعب، لابد أن يكون له موقعاً مميزاً ودوراً فاعلاً في المعادلات المحلية والكوردستانية بعد انتهاء التغيرات والتحولات الجارية، والتي تخطط لها وتديرها الدولة العميقة، وتنفذها القوى العالمية العظمى المتنفذة، بغض النظر عن الوصايات والرهانات التي تفرض عليه (الكوردي السوري) من هنا وهناك.
    ———-  انتهت  ———–
05/09/2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…