قهرمان مرعي
دأبت الأنظمة العربية في كل من سوريا والعراق , منذ تجربة الوحدة بين سوريا ومصر1958 على تلقين الناس في الكتب المدرسية والإعلام , فكرة الوحدة العربية بين الدول على إعتبارها تشكل مجموعة أقطار ضمن دائرة تسمى بالوطن العربي و بعد فشل تجربة الوحدة ومن ثم الإنفصال 1961 , أوْهَم حزب البعث العنصري مناصريه المصفقين لديماغوجيته الشعاراتيه في الوحدة والحرية والإشتراكية , بأن إنقلاباته هو رد على الإنفصال والتجزئة , فيما عمل جاهداً في الوقت ذاته على التفرقة والتمييز بين أبناء البلد الواحد , على أساس مبدأ الولاء والإنتماء , بحيث أحدث شرخاً في البنية الإجتماعية الوطنية في ظل الدكتاتورية والحكم العائلي لـ حافظ أسد وصدام حسين , فيما كان الصراع الفئوي بينهما قد أوصل البلدين إلى القطيعة التامة لصالح محاورهما الطائفية والتي أنعكست بالنتيجة أثارها الكارثية منذ بدء الحرب العراقية الإيرانية 1980 على مجمل المنطقة وما ظاهرة داعش والميليشيات الشيعية بالمحصلة , سوى تجسيد حقيقي وتشخيص مرضي , للأنحلال والتفكك الشعبي وبالتالي نفي مطلق لوجود الفكرة الوطنية ذاتها . وهي ظاهرة الإرتداد للجذورالتاريخية القبلية والمذهبية الهمجية , لنسف مقومات الحضارة المدينية التي تمازجت فيها مساهمات مختلف الشعوب والأقوام , من خلال التنوع الثقافي والعيش المشترك .
لم تكن مقاومة الشعب الكوردي للإحتلال الانكليزي لوطنه كوردستان منذ بدايات القرن الماضي وضمه لولايات العراق ( بغداد والبصرة ), وتشكيل الدولة العراقية كما سبق الأمر مع فرنسا في سوريا , سوى رفض معلن من الشعب الكوردي لفكرة التبعية وبالتالي إتجاه إرادته للإستقلال الذاتي , لذلك دفعه وعيه القومي إلى الثورة والكفاح المسلح مبكراً في مواجهة غاصبيه , حيث ترتب على ذلك جملة من المعطيات الذاتية التي دفعته لإختيار فكرة الاستقلال في المحصلة , منها إستحالة العيش المشترك مع العراق العربي سواء في دولة مركزية عنصرية كما كان قبل 2003 , أو في ظل دولة إتحادية طائفية ,كم هو الحال في العلاقة الفيدرالية , كما أن إستمرار الكفاح المسلح والإنتصار النهائي في إنتفاضة شعب كوردستان 1991 , وإختياره دون إرغام للفيدرالية , يعزز من قوة فكرة الاستقلال لديه , بمعنى أن العراق العربي لم يساهم في الخيارات السلمية للعيش المشترك البتة , واثبت بشكل قاطع ومنذ العهد الملكي و الجمهوري وفي معظم المحطات المفصلية من عمر الصراع تأسيسه لفكرة التآمر وترصده لفرص الإنقضاض على مكتسبات شعب عانى الويلات , وفق تبدلات ومتغيرات الظروف الدولية والإقليمية , كما إن الإصطفافات الطائفية الإقليمية بوجهها القبيح والعنفي خلال الست سنوات من عمر ثورات الشرق الأوسط ( الربيع العربي) وما تلاه من ثورات مضادة , في مواجهة قضية العدالة و حرية الشعوب , دفعت قيادة إقليم كوردستان العراق إلى مزيد من المراجعة والتقييم , كم أن تقاسم السلطة والثروة والتحكم من قبل المركز بالموازنة العامة للدولة خلافاً للدستور , يصب في الأضرار بالوضع المعيشي للناس , ويزيد من فرص التدخل في الشأن الداخلي للإقليم وقطعا لدابرالترصد من قبل الإعداء , سيتوجه إرادة الإنسان الكوردستاني الحر لإختيار , نعم , للإستقلال , وإعلان الدولة ,وإن ما يسمى في عرف البعض من مصطلح الإنفصال لا يتطابق مع واقع كوردستان العراق , كما هو وضع سائر إجزاء كوردستان لوقائع سبقت ايرادها في هذه الخلاصة ولإعتبارات موضوعية ومقومات ثابتة غير قابلة للتبدل والتقادم لمعايير الزمن الذي يقرر فيه شعب كوردستان مصيره بنفسه , من أرض تاريخية وشعب أصيل و مساهمة حضارية , مع السعي لإيجاد علاقة سوية مع الجار العراقي والاقليم الجغرافي , لِتفَّهم قرار شعب يسعى جاهدا للسلام ولبناء علاقات ود وتعاون مع شعوب العالم والإنسانية جمعاء
———–
* نشرت في صحيفة كوردستان العدد 567 ـ 1 ايلول 2017