بانتظار العرس الكردستاني

اكرم حسين
يحاول صقر كردستان وبخطى ثابتة كعادته، ان يوصل سفينة الشعب الكردي الى بر الامان عبر الدعوة الى الاستفتاء في 25سبتمبر/أيلول القادم مع الاحزاب الرئيسية في كردستان، واستنهاض الشارع الكردستاني الذي قدم مئات الالوف من الشهداء والعشرات من القرى والقصبات المدمرة، وبات اليوم تحت ثقل الصراعات الحزبية والسياسية والتدخلات الاقليمية في شؤون الاقليم، فقد كان من الاسباب الداعية الى الاستفتاء على تقرير مصير كردستان،  الضغط الذي مارسته بغداد على حكومة الاقليم لإسقاطها واعادتها الى الحظيرة العراقية، بقطع مستحقاته المالية ومصادرة شحنات النفط الصادرة، ومحاولة داعش الهجوم على اربيل الذي ادخل الاقليم في ازمة اقتصادية وهوياتية، رغم التصدي البطولي  لهذا الهجوم البربري من قبل البشمركة بقيادة البارزاني الذي قضى جل وقته في الجبهات.
وقد لامس كل ذلك عصب الهوية العالي ليس لدى كرد العراق فقط ، بل لدى جميع كرد الاجزاء الاخرى وحتى في الشتات، وما الفاستيفالات التي تجري اليوم في اوربا، الا نوع من هذه الطاقة الكامنة والروح العالية التي يحتويها الكردي بغض النظر عن انتمائه للمكان .!
ادى اقرار الاستفتاء الى معارضة حركة كوران له، وتحريض الشارع ضده في صراع مكشوف مع الديمقراطي الكردستاني، الا اني اعتقد بان الواقع يختلف كثيرا عما تحاول هذه الحركة، لان الديمقراطي الكردستاني قد اسس قواعد ارتكاز في قلب كل كردي يحلم بدولة كردستان المستقلة، حتى وان لم تكن مترافقة مع الديمقراطية التي يحلم بها كل كردي.
الفارق بين الديمقراطي وكوران هو فارق في التوقع السياسي، لان رهان الديمقراطي هو على الشعب وكلمته التي تجاوزت حاجة الديمقراطي للتعبئة والتحشيد، اما كوران فلها حساباتها الخاصة التي لا مجال لذكرها الان  ! 
وسط كل هذه المعارضات الداخلية والخارجية يمضي الاستفتاء في طريقه بخطى ثابتة وثقة البارزاني بالشعب الذي من حقه ممارسة حقه في تقرير مصيره والعيش بحرية وامان، وما التصريحات الاخيرة للبارزاني بان كردستان القادمة لن تكون دولة كردية بحتة بل ستكون متعددة القوميات،وان الدستور والعلم والنشيد سيتغير بما يضمن مشاركة وتمثيل المكونات الكردستانية المختلفة ،الا تأكيد على قيام دولة كردستان التي ستكون دولة وطنية حديثة، دولة الكل الاجتماعي التي يتساوى فيها الجميع وفق اسس المواطنة المتساوية ، وهذا ما يؤكد السياسة المتسقة للبارزاني التي يعمل عليها من اجل كردستان لا من اجل شخصه ،في تأكيده الاخير على عدم ترشحه او احد اقربائه لموقع الرئاسة القادم مع صحيفة عكاظ!
لا بد لكردستان ان تلتفت لذاتها، وتكّون هويتها بعد سنوات من الاخفاق مع حكومة بغداد، رغم محاولات الاقليم التأسيس لعلاقة جديدة بعد سقوط صدام حسين في اطار الشراكة المتساوية والاتحاد الاختياري، لكن بغداد لم تستطع استيعاب  الكرد، بل حاولت ان تضغط عليهم وتعيدهم الى ما كانوا عليه فقامت بقطع المستحقات وصادرت شحنات النفط، وادخلت الاقليم وحكومته في ازمة اقتصادية اضرت بأمنه واستقراره الاقتصادي، مما دفع البارزاني الى ترتيب اوضاع الاقليم واعادة هيكلة مؤسساته، بالاعتماد على الذات، والاخذ بمبدأ حق تقرير المصير والاستجابة لإرادة الشعب ،من خلال عملية الاستفتاء للتحرر والانعتاق من هيمنة وعسف الحكومة المركزية التي كانت تضع العصي في عجلة تطور الاقليم وتقدم كردستان وصولا الى الاستقلال الوطني.
ما يجري في العراق وكردستان ليس بجديد فقد تم تفكيك الاتحاد السوفياتي والفدرالية اليوغسلافية حسب ارادة شعوبها وبإشراف دولي، وفي اندونيسيا تمت الاستجابة الى ارادة شعب تيمور الشرقية وتم تشكيل السودان على اساس الكونفدرالية، وبالتالي لا نعلم لماذا يعارض المجتمع الدولي ارادة شعب كردستان في اقامة دولته المستقلة اذا كان هذا خياره الديمقراطي وهو الذي اقرهذا الحق لكل الشعوب والامم من خلال الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين؟
ان وضع الاقليم الحالي لن يسمح له بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومراجعة الدستور والقوانين وطريقة الحكم والعلاقات الاقليمية، لكن من شأن الاستقلال وبالاستناد الى الاستقرار القائم ان يؤدي الى تحقيق نجاح سريع وبناء المؤسسات واستقرار الدولة وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين  لان ما تعيشه كردستان هو اشبه بوضع دولة، لكنه يفتقد الى الاعتراف الدولي الذي ان تم سيفتح المجال للتعامل الدولي معه مباشرة،  وبالتالي دعمه اقتصاديا وتقنيا وعسكريا وماليا ويمنع عنه الحصار، ويساهم في دمجه مع العالم المتمدن عبر بناء المؤسسات المدنية وتحقيق الديمقراطية وتعزيز استقلال السلطات والقضاء !
اخيرا ان نجاح عملية الاستفتاء والسير نحو الدولة سينعكس ايجابا على الكرد، ويخلق نموذجا لحل المسألة الكردية في الاجزاء الاخرى، وقد يدفعهم السير حذوهم، وهو ما يرعب ويخيف الانظمة الاقليمية التي الحقت اجزاء كردستان بها، ويدفعهم للوقوف في وجه الاستفتاء ومعارضته، وفي هذا الاطار يمكن ان نقرأ التنسيق العالي الذي يجري اليوم ، بين النظامين التركي والايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…