لن نستكرد مَن استعربوننا

إدريس سالم
يعتقد المثقف العربي أنه عندما تلد الدولة الكوردية في جنوب كوردستان أو يُؤسّس إقليماً كوردياً في غربها أن الكورد سيستكردون كل الإخوة العرب الذين يعيشون داخل المناطق الكوردية «مَن يعرف الكوردي الأصيل بقلبه الأبيض وروحه المؤمنة سيندم كثيراً في أنه لم يُستكرد، لا وسيتمنّى لو يُستكرد في المستقبل»، وهذا خطأ كبير يتصوّره المثقف العربي وناتج عن وعي جاهل وغير ناضج، لأن الكورد أوعى وأكبر من تلك السياسات الخبيثة والقمعية، صحيح أنهم عانوا الأمرّين من الحكّام العرب وأنظمتهم الديكتاتورية إلا أنهم بَعيدون كل البعد عن ثقافة الكيل بمكيالين أو الانتقام من الآخر الذي عانى على يديه الظلم، فالكورد يحاربون العرب والفرس لأجل حقوقهم المشروعة ودولتهم الكوردية المستقلة وبناء نظام ديمقراطي سلمي عادل، لا لأن ينتقموا من العرب أو يمارسوا بحقهم القمع والعنف والغيظ، فمَن ذاق الظلم لا يَظلم أحداً حتى لو كان ظالمه وجلاده. 
عندما يناضل المثقف الكوردي من أجل تخليص هويته من مسخ الشخصية، فهذا لا يعني بأنه يستكرد نفسه ويحاول بأن يمارس سياسة الاستكراد ضد العرب، فالأنظمة العربية في سوريا والعراق اتخذت من سياسة التعريب هدفاً أساسياً لتعريب الشعب الكوردي من جميع مفاصل حياته اليومية، سواء كانت من ناحية اللغة أو التقاليد الاجتماعية، أو حتى الشعور القومي، حيث تراوح تنفيذها بطرق فلسفية وفكرية وقمعية قذرة، هذه السياسة التي أحدثت شرخاً ذاتياً كارثياً في الشخصية الكوردية وتحويله إلى مسخ للشخصية العربية، وتحويل انتباهه من القضية الكوردية الوجودية وآلامها الوطنية إلى القضية العربية، وصهرهم في بوتقة القومية العربية «حاولوا أن يثبتوا للكورد بأن إسرائيل هو أخطر عدو يهدّد البشرية، وحكّام العرب أكثر مَن حموها».
الكورد لن يبنوا دولتهم على أساس المعتقدات الدينية أو الفروع الامنية والعسكرية «تركيا وإيران دولتان إسلاميتان في الظاهر وديكتاتوريتان في الباطن»، وأفضل نظام سياسي يسعى إليه الكورد هو الدولة المدنية الديمقراطية المستقلة القائمة على أساس احترام الأقليات المختلفة والمعتقدات الدينية، فالجميع يعلم أن الدين له قداسته وطهره وترفّعه عن الفساد والإفساد والمكاسب الدنيوية كالمال والمناصب والأطماع، وأن السياسة وأمور الحكم لها دهاليز من المكر والمناورات التي قد تصل إلى التصفيات والمظالم والمصالح وتكوين التحالفات الداخلية والخارجية المتصارعة، ولذلك أعتقد أنه على مرّ التاريخ البشري وفي مختلف البلاد ومع مرور الوقت فشل الحكم الديني (مسيحي أو إسلامي أو بوذي)، لأن البشر مهما كانوا أتقياء ومهما قالوا وبرروا ليسوا ملائكة، بل يخضعون للمشاعر البشرية أمام إغراءات السلطة وملذاتها، لذا فالعربي والآشوري والسرياني وغيرهم من الأقليات لن يتم استكرادهم لا عن طريق الدين ولا السياسة ولا حتى من خلال الفكر المدني، وللتاريخ أقولها «الكورد لم يستكردوا أحداً في تاريخهم بقدر ما تم تعريبهم، ولن يستكردوا أحداً في مستقبلهم».
لماذا العرب لا يتفقون على وضع حلّ جذريّ للقضية الفلسطينية، ويتفقون فقط على القضية الكوردية؟ لماذا غيّرتم أسماء مدننا وقرانا وبدلتموها بأسماء عربية، أسميتم ديرك بالمالكية، وتربة سبيي بقبور البيض ومن ثم القحطانية، وقامشلو بالقامشلي، وكري سبي بتل أبيض وكوباني بعين العرب «كوباني ليست كلمة كوردية، لكن سكانها الكورد أعطوها طابعاً كوردياً، فغيّرها النظام القائم آنذاك باسم عربي»؟ أتقبلون على أنفسكم بأن نسمي الرقة على اسم عبد الله أوجلان، ومنبج على اسم مظلوم دوغان، والموصل على اسم البارزاني، وسامراء على اسم سعيد بيران؟ أتقبلون أن نطالب بتغيير كل أسماء العرب النازحين والقاطنين مع الكورد «ممَن هربوا من المعارك والعمليات القتالية ونزحوا إلى غربي كوردستان لاستتباب الأمن والاستقرار فيه، والبالغ عددهم بحسب إحصائيات دولية حوالي مليون و250 ألف عربي سوري» بأسماء كوردية؟ ضعوا أنفسكم مكان الكورد وعيشوا مآسيهم وظلمهم، لكي تحسّوا بقيمة الكرامة والشرف والحياة. 
الكورد وعلى مرّ التاريخ لم يرتكبوا أي نوع من المجازر والانتهاكات بحقّ المواطن العربي ولن يرتكبوها، لم يقتلوا لا نبياً ولا إماماً، فثمة فئة أخرى من المثقفين العرب تعتقد أن الكورد هم سبب لكلّ مصائبهم ومصاعبهم، وهم نسوا أو يتناسون تماماً ما فعلوه ببعضهم: 
– فهل الكورد مَن قتلوا الإمام الحُسين بن علي بن أبي طالب في العراق؟
– هل الكورد مَن أعلنوا الخيانة بعد وفاة النبي؟
– هل الكورد مَن أعلنوا الحرب الطائفية قبل 1400 سنة؟
– هل الكورد مَن قتلوا الإمام علي بن أبي طالب في مسجد الكوفة؟
– هل الكورد مَن رفعوا رؤوس الناس على الرماح؟
– هل الكورد مَن ارتكبوا أعنف المجازر كمجزرتي “الأنفال وحلبجة“ في جنوبي كوردستان، والغوطة الشرقية في سوريا؟
– هل رأيتم الكورد يمارسون أبشع الجرائم ضد العرب، من قتل الأطفال أو تعليمهم على القتل، وخطف النساء والاتجار بهم، وحرق الناس أحياء، والمتاجرة بالأعضاء البشرية، قتل المثليين بطريقة وحشية، وقطع الرؤوس أو الغرق أو الدعس بالآليات الحربية. 
هل الكورد مَن تسببوا بزرع الخلافات بين العرب منذ 1400 سنة؟
وعن أي تاريخ تتكلمون؟
فهل البابليون، والآشوريون والكلدان، السريان… كلهم عرب؟
وأخيراً ونتيجة تجربة الكورد الطويلة في تاريخ الصراعات والأزمات مع العرب، وعدم ارتكابهم لأي عمل انتهاكي بمعناه الكبير والدقيق أو مجازر ضد الأفراد والجماعات، فإن الأقليات أو المكوّنات الدينية والإثنية والقومية ضمن الدولة الكوردية القادمة أو الإقليم الكوردي في غربي كوردستان ستصان كرامتها وحرمتها وحقوقها الثقافية واللغوية والدينية من أي اضطهاد أو استبداد، ولن يستكرد العرب لا على أرض الواقع ولا في الدستور أو القانون، وعليهم ألا ينجروا وراء أقلام مثقفيهم وخطابات سياسييهم «عِراك على قشور الأمور وليس جوهرها»، التي تكتب بغاية نشر الفتنة والكراهية والخروج عن المألوف، فالشعب الكوردي له تاريخه العريق وحضارته القديمة وجغرافيته الاستراتيجية، فهو ليس بشعب دكتاتوري ولا بهمجي أو بربري، بل شعب شجاع ومسامح وعنيد، «فلماذا تتخوّف الأقليات من الدولة الكوردية وكل حقوقها مُصانة، وسيتعزّز دورهم أكثر في المستقبل رغم أنهم كانوا مهمّشين إبان حكم الطغاة العرب؟»، وبالتالي فإن الكورد لن يخيّروا العرب بين الهجرة المدفوعة بالعملة الصعبة أو التابوت، بل العكس تماماً، والزمن كفيل بتغيير الأنماط وفك عقدة الأنا الوطني والآخر الإرهابي!
إدريس سالم
كاتب وصحفي كوردي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…