محمد مندلاوي
كمواطن كوردستاني، أود في هذه المقالة أن أسجل موقفاً شخصياً عن كل ما أثير في الأيام والأسابيع الماضية حول الاستفتاء الذي سيجرى في 25 09 2017 في جنوبي كوردستان. لا شك أن كل متابع سياسي و حتى غير سياسي يعلم جيداً، أن الاستفتاء نوع من أنواع الديمقراطية المباشرة، لأنه يتجاوز البرلمان الذي هو أهم وأكبر مركز من مراكز الديمقراطية التمثيلية، ويتوجه مباشرة إلى المواطن ليقول كلمته التي هي قول الفصل في الموضوع الذي يستفتي فيه فإما أن يقره بنعم، موافق، أو يرفضه بلا، غير موافق.
لكن للأسف الشديد، لأول مرة في التاريخ نرى إجماعاً بين السين والشين؟ على معاداة الاستفتاء الذي سيجرى في جنوب كوردستان وما يتمخض عنه إيجاباً لصالح الشعب الكوردي الجريح!!
حقاً أنه شيء خارج تصور العقل البشري. إن هؤلاء الأخوة الأعداء على مدى خمسة عشر قرناً لم يتفقوا على أبسط الخلافات العقائدية أو الفقهية بينهم، لكنهم بين ليلة وضحاها اتفقوا على معاداة تطلعات الشعب الكوردي المسالم لخوضه عملية ديمقراطية يريد أن يعبر فيها عن مستقبله، هل أنه سيبقى مع كيان طائفي يتخذ فيه القرارات المصيرية بضرب الودع؟، أو يعلن استقلاله حتى لا يتعرض مرة أخرى لاستخدام السلاح الكيماوي المحرمة دولياً ضده؟، أو يؤنفل مجدداً على أيدي محيسن هذه المرة. أضف أن نجاح الاستفتاء وإعلان الاستقلال ينهي وإلى الأبد تعريب واغتصاب المدن الكوردية من قبل الأعراب حفاة العقل والقدمين.
في الليلة الماضية شاهدت رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي يتحدث في مؤتمر صحفي عقده بتاريخ 18 07 2017 زعم فيه الآتي:”كوردستان العراق جزء من العراق”. ونحن الكورد بدورنا نسأل الدكتور عبادي، أليس لديك دستور اتحادي هو الذي يحدد لك مسار العملية السياسية في العراق قولاً وفعلاً؟ قل لنا في أية مادة يقول الدستور الاتحادي كوردستان العراق؟ أو كوردستان جزء من العراق ؟؟ !!. للعلم، أن الدستور الاتحادي ذكر اسم كوردستان خمس مرات في صفحات 11 و56 و 67 و مرتان في ص68 بهذه الصيغة: إقليم كوردستان. والدستور الذي أقره العراقيون بعد التحرير في عام 2005 يسمى الدستور الاتحادي، والكيان الاتحادي كما هو معروف في القانون الدولي لا ينبثق من طرف واحد ، مثال الإمارات العربية المتحدة التي تتكون من سبع إمارات، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي يتكون من 28 دولة، والاتحاد البريطاني (United Kingdom) يتكون من أربع أقاليم، والولايات المتحدة الأمريكية (United States of America) تتكون من (50) ولاية، وعلى نحو أدق وفق النص الإنجليزي تتكون من (50) دولة؟. وهكذا العراق الاتحادي الذي اتحد بعد إقرار الدستور عام 2005 من إقليمين، إقليم كوردي وهو جنوب كوردستان بما فيه المناطق الكوردية المستقطعة من قبل حكومة بغداد والتي تنتظر تطبيق المادة (140) التي مضى على تاريخ المحدد لتنفيذها عشرة أعوام!!، ولا تريد السلطة العراقية الشيعية التي أقسمت بالقرآن أن تكون أمينة على تطبيق مواد الدستور تنفيذ هذه المادة الدستورية وغيرها!!. ومن إقليم عربي يتكون من (14) محافظة. إلا أن الجانب العربي، أو الأصح جانب الناطق بالعربية وهم الشيعة أخلوا ببنود الدستور وبالمبادئ التي أسس عليها الكيان الاتحادي العراقي.إن القيادات الشيعية تعرف جيداً، أن الدستور العراقي يقول في ديباجته: إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادة. أتلاحظ عزيزي القارئ، لم يقل يحفظ للعراق وحدته، بل قال يحفظ للعراق اتحاده؟ للأسف أن الجانب غير الكوردي لم يلتزم ببنود هذا الدستور، فلذا كما يقول الدستور في ديباجته عدم الالتزام به ينهي دولة الاتحاد الذي لم يحترمه الجانب الآخر الناطق بلغة الضاد، ولم يلتزم بالمقررات التي تأسس وفقها، فعليه يجب على كل من الإقليمين إجراء استفتاءاً شعبياً بمعزل عن الآخر، إذا صوت شعبه بنعم يعلن شكل دولته الوطنية أسوة بدول العالم. وهذا ما ستقوم به القيادة الكوردستانية حيث إنها ستتوجه في نهاية الشهر القادم إلى شعبها تستفتيه في هذا الشأن المصيري حتى يقول فيه كلمته الأخيرة، هل أنه يقبل بالتجاوزات الخطيرة، التي تقوم بها السلطة الطائفية في بغداد ضد الشعب الكوردي المسالم؟، أم يقول لها كفى يا ظلمة هذا حدنا وياكم؟.
من الذين حشروا أنوفهم في هذا الشأن الخاص بالشعب الكوردي ووطنه كوردستان، بعض مسئولي الكيان التركي العاهر، بدءاً من شارب حليب الحمير المدعو رجب طيب أردوغان، ومن ثم رئيس وزرائه، وأخيراً وزير خارجيته الجرموق جاويش أوغلو. عزيزي المتابع، أن الكيان التركي.. بهذه التدخلات السافرة في شؤون شعوب المنطقة تحاول أن تغطي على عدم شرعية وجودها داخل ما يسمى بالكيان التركي نفسه، فلذا نرى أن رئيسه الذي لا سحنة وجهه ولا طول قامته تتطابق مع سحنة وقامة الجنس التركي في وطنه الأم في تركستان يطل علينا في وسائل الأعلام ويجتر بلغة تركية سقيمة: أنه يعارض الاستفتاء الذي سيجرى في جنوبي كوردستان وقال:أنه خطأ فادح. للأسف الشديد لقد عزف معه هذه النغمة الشاذة بعض المسئولين وأصحاب الجاه والسلطة في العراق الشيعي، دون أن تؤرقهم وخزة ضمير، أنهم بهذه التصريحات الوقحة واللا مسئولة يعادون شعب جريح ومسالم وجد على أرض كوردستان قبل أن يأتي الآخرون من جهات العالم الأربع إلى الأراضي المحيطة بها بزمن سحيق جداً، وهم يعلمون علم اليقين، أن هذا الشعب الأبي قارع الاستعمار الأجنبي على أراضيه وأراضي جيرانه قبل عبد الزهرة، وأنس، و دنيز أوغلو، و حاجي زاده، وضحى في مسيرته من أجل الخلاص والتحرر من نير العبودية والاحتلال البغيض بأرواح مئات الآلاف من أبنائه البررة. واليوم ليعلم جيداً، كل من تسول له نفسه ويحاول بشتى السبل والطرق الدنيئة وغير مشروعة أن يعرقل أو يفشل العملية الديمقراطية وذلك من خلال وضع العصا في عجلة الاستفتاء التي سيقوم بها الشعب الكوردي المناضل في الأيام القادمة لا يكون مصيره غير الخزي والعار والخذلان، وستلحقه لعنة التاريخ أبد الدهر.
وفيما يخص منظمة الأمم المتحدة في هذا الموضوع المصيري للشعب الكوردي، لمن لا يعلم، أن هذه المنظمة هي الوريثة الشرعية لمنظمة عصبة الأمم (League of Nations)، التي تأسست عام (1919) بعد انتهاء حرب العالمية الأولى، وانتهت من الوجود نهائياً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1946. لكي لا أطيل على القارئ الكريم أختصر الموضوع. إن الكيان العراقي الحديث الذي تأسس على أيدي البريطانيون عام 1920 ومن ثم استوردوا له مليكا من شبه الجزيرة العربية، وخضع فيما بعد للانتداب البريطاني، لأن العراقيين لم يكونوا حينها أهلاً لإدارة شؤون أنفسهم، بمعنى أنهم جهلة لم يكونوا موضع ثقة المجتمع الدولي؟. وبعد انتهاء الانتداب عام 1932 قبل العراق عضواً في عصبة الأمم لكن بشروط ألزمته بها العصبة، ووقع عليها حينه مندوب العراق فيها نوري السعيد. من هذه الشروط والبنود التي تربط العراق والضامنة لحقوق الشعب الكوردي في إقليمه الجنوبي، أن لهذه البنود حق الأولوية حالياً -إبان التوقيع على الالتزامات- ومستقبلاً على كافة القوانين والأنظمة العراقية الأخرى، واستناداً على هذه الشروط التي فرضتها المجتمع الدولي تصبح عصبة الأمم – أمم المتحدة فيما بعد- طرفاً ثالثاً تملك القوة القانونية وتستطيع اتخاذ إجراءات صارمة عند المراجع الدولية. ويقول الفصل الأول المادة الأولى في التعهدات التي أعطاها العراق لعصبة الأمم: إن الشروط التي يحويها هذا الفصل أنها قوانين دستورية عراقية لا يجوز لأي قانون أو نظام أو أية دعوى قضائية رسمية أن يتعارض أو يتداخل مع هذه الشروط، وكذلك لا يجوز لأي قانون أو نظام أو أية دعوة قضائية سواء في الوقت الحاضر أو في المستقبل أن يغلب على هذه الشروط. وتقول المادة التاسعة: في ألوية (موصل كركوك سليمانية أربيل) ينبغي على العراق الإقرار كون اللغة الكوردية لغة رسمية الخ. وكذلك حقوق إدارة الولاية التي أثبتت لدى العصبة أن 80% سكانها من الكورد الخ الخ الخ. لكن منذ اليوم الأول الذي وضع العراق توقيعه على تلك الشروط لدى المجتمع الدولي لم يلتزم بأية بند من بنودها، بل خرقها على مدى ما يقرب من قرن. بدءاً من اللعين فيصل الأول التي استولى على أراضي الكورد عنوة ومنحها للعرب المستوطنين مجاناً وتحديداً في قضاء خانقين. أضف أنه غير الأسماء الكوردية إلى الأسماء العربية الدخيلة كاسم المنفذ الحدودي”كەچەڵ کەچەڵ” الذي تحول بقدرة حكام العراق.. إلى المنذرية!. ومن ثم جاء انقلاب عبد الكريم قاسم الذي أدخل في قاموس العراقيين مفردة السحل. ولم تمضي شهوراً معدودة على انقلابه حتى أعلن الحرب الظالمة ضد الشعب الكوردي الجريح وأحرق قراه ومزارعه الخ. ومن ثم جاء حكم الأخوين عارف كسابقاتهما أديا دورهما الإجرامي ضد الشعب الكوردي الجريح في القتل والتدمير والتهجير. ومن ثم جاء دور بكر، صدام اللذين فاقا في إجرامهما كل الحدود والتوقعات، من القتل بدم بارد لمئات الآلاف من الكورد الأبرياء وسميت بعمليات الأنفال، إلى ضرب مدينة حلبجة بالكيماوي، وقتل البارزانيين والتصفية الجسدية لشباب الكورد الفيلية وتهجير عوائلهم و ذويهم إلى إيران بعد تجريدهم من كل أموالهم وأملاكهم. السؤال هنا، هل أن منظمة الأمم المتحدة التي تمتنع عن المشاركة في استفتاء جنوب كوردستان لا تعرف شيئاً عن هذه الجرائم التي يندى لها جبين الإنسان!!. ثم، أليس وفقاً للقانون الدولي، أن الدولة التي تترك المنظمة الدولية في عهدتها شعباً ما – كجنوب كوردستان- إذا اتبع نظام الحكم فيها ضده سياسة عنصرية مقيتة، كالتطهير العرقي وما شابه، عندها يقوم المجتمع الدولي بمسئولياته القانونية والأخلاقية تجاه ذلك الشعب المقهور، ويُعترف به وبدولته دون أدنى تردد. وإسرائيل مثالاً في هذا، أنها دولة فتية أقامها المجتمع الدولي عام 1948. عجبي، يظهر أن الكورد غير مرغوب بهم لا عند المسلمين ولا عند (الكفار)!!. أخيراً، لنفترض جدلاً، وهذا من سابع المستحيلات، أن الشرذمة الكوردية التي تأتمر بأوامر محتلي كوردستان، وتحض الشارع الكوردستاني من خلال وسائل إعلامها الصفراء، التي تغدق عليها سلطة بغداد على عدم المشاركة في الاستفتاء، أو المشاركة والإدلاء بلا، غير موافق، لكن حتى إذا أفلحت تلك الشرذمة في محاولتها اليائسة، رغم هذا، أنا أرى أن مجرد إجراء الاستفتاء في موعده المحدد هو نصر كبير للشعب الكوردي والقيادة السياسية الكوردستانية التي تقوم به، لأن إجراؤه يهدم ذلك الجدار الوهمي الذي عشعش في الذهن الكوردي وأعاق إعلان الدولة الكوردستانية المنشودة عقوداً من الزمن، فعليه سيكون بمقدوره أن يعيد الكرة مرة واثنان وثلاث الخ حتى يقرر شعب الإقليم بأغلبيته الساحقة الاستقلال التام عن بغداد وتأسيس دولته الوطنية على جزء من أرض وطنه كوردستان.
20 08 2017
” لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلمُ مرتعُه يفضي إلى ندم
تنامُ عينك والمظلوم منتبه
يدعو عليكَ وعينُ الخالق لم تنمِ”