عفرين في صخب البازارات السياسية

زهرة أحمد
المفاوضات السورية- السورية غير المباشرة تزيد الأزمة السورية مأساة بخيبة نتائجها وبعدها عن التطلعات الحقيقية للشعب السوري، وكسب المزيد من الوقت لشرعنة تدمير سوريا التائهة بين دول ترسم حدود نفوذها على خارطة اهترأت من التدمير العسكري والبراميل المتغجرة وسحق للأرواح والآمال، وتراجيديا السياسة تتجاهل صرخة شعب ينازع تحت الأنقاض مع زيادة الميليشيات الارهابية والمجموعات المتشددة والتي أفرزتها الأزمة السورية، وحوّلت رغبات الشعب في الحرية والحياة الكريمة الى أشلاء ورماد .
مباحثات غير مباشرة في أستانا الكازاخستانية بضمانات روسيا وايرانية وتركيا، عنونت بحروف عريضة لمخرجات الحل أو لترسيم خرائط حدود مناطق خفض التوتر تمهيدا لمفاوضات جنيف، لكنها انتهت بخيبات أمل ومقاطعات وانقسامات وخلافات وزيادة تدخل الدول في ثنايا سوريا المتشتتة في أحلامها وثورتها .
الدول الضامنة لا تستطيع ضمان تخفيض التوتر، أولوية مصالحها أعاقت التوقيع على بنود الاتفاقية ولم تتمخض المباحثات سوى عن الاتفاق على عقد مباحثات جديدة، والأزمة السورية يفك رموزها دول تسعى لانتداب نفوذها في جغرافية سوريا البائسة .
بالرغم من الإيمان التام بضرورة الحل السياسي للأزمة السورية المستعصية على الحلول إلا أن الأمل بالانفراج السياسي وانقاذ ما أمكن من الحياة الغارقة في مستنقع الإرهاب تتحول بعد كل جولة من المفاوضات الى دماء ورماد وتشابك للأحداث وتداخل معادلات المصالح ،مع ذلك لا يتوانى دي ميستورا في تحديد جولات المفاوضات والمباحثات السورية مع تصريح خجول منه وتوقعات للفشل حتى قبل البدء بها وخوض تشابكاتها، لتكون المفاوضات وبعكس العرف والقوانين من أجل المفاوضات وحسب، بل غطاء تفاوضي لسلسلة من الاتفاقيات وتفاهمات دولية مصالحية خارج إطار المفاوضات ومؤتمراتها الشكلية لإعادة هيكلية سوريا ورسم خريطتها المدماة في رحم معاناة الشعب السوري مع توقعات بتحوير جنيف إلى أستانا واعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب وخفض العنف ورسم خرائط مناطق النفوذ مع تناسي عملية الانتقال السياسي ومصير الأسد .
الدولة التركية والتي تعرف نفسها كحاضنة للمعارضة السورية لا تتوانى في استخدام كافة أدواتها وأساليبها السياسية المؤامراتية والعسكرية والاعلامية في زرع أذرعها الاخطبوطية في مفاصل الحياة السورية المنهكة أصلا، وخاصة المناطق الكردية لتحجز لها دورا مؤثرا في رسم سياسات المنطقة والحصول على حصتها من الكعكة السورية ضاربة بعرض الحائط مرتكزات الثورة ومصالح الشعب السوري .
 تركيا الدولة الضامنة اللاضامنة تشارك في رسم مناطق تخفيض التصعيد من جهة وتخلق توترا مسلحا عنيفا على الحدود السورية التركية استعدادا لاجتياح عفرين من جهة أخرى وسط مواقف دولية متناقضة مبهمة بين موقف روسي بموافقة مبطنة وهي صاحبة اليد الطليقة في إدارة الأزمة في سوريا وموقف أمريكي ضبابي لم يتبدد منذ عهد الأوبامي لتقتصر على ضربة يتيمة على مطار الشعيرات والتهديد بالضربة العسكرية في حال استخدام الأسلحة الكيماوية مرة أخرى من قبل النظام .
بدأ التصعيد التركي فعليا في المناطق الكردية ببناء الجدار التركي وقطع أشجار الزيتون وحرق السنابل والحقول لتكمل التصعيد عسكريا بحشد قواتها العسكرية وقصف عفرين تمهيدا لاجتياحها عسكريا حسب خطتها المصرحة بها .
عفرين عروس كردستان الجميلة، الشامخة بأهلها وجبالها وزيتونها ،منبت الحضارة والفلكلور الأصيل، تراث مفعم بالكبرياء، لم تركع يوما للتاريخ ولا لغدر البعث ،سجلت أمجادا معطرة في جبين المجد .
عفرين الآن في صخب البازارات السياسية والصفقات اللامشروعة على آمال وآلام شعب صمد بعنفوان أمام استبداد البعث ودكتاتوريته .
تركيا تحشد قواتها العسكرية وتصرح بعملية عسكرية على عفرين بحجج واهية وغير مبررة لهذه الهجمة الطورانية على الشعب الكردي مع صمت دولي واقليمي، وسجل العلاقات التركية السورية لا تخلو من اتفاقيات سرية تعنون بعداوة علنية لتصدر مشاكلها الداخلية وطورانيتها خارج حدودها وهي صاحبة الصيت السيء بالنسبة لحقوق الانسان، لتكون حياة المدنيين الأبرياء من أهالي عفرين قرابين بازارات سياسية تتقاسم مع دول ذات النفوذ البقية الباقية من سوريا المتشردة على خارطة المصالح الدولية .
عفرين بحاجة ماسة إلى توافق كردي – كردي سياسيا وعسكريا وبأبجدية كردية يحمي شموخها الأبدي، ويعانق عنفوان الزيتون في مقاومة أعاصير العدوان الطوراني وذوابع الغدر البعثي والى توحيد للخطاب السياسي الكردي يحمي بقوة المصالح القومية العليا في المحافل الدولية من البازارات السياسية والصفقات المصالحية لدول تقتسم كردستان وبمباركة دول تعزز نفوذها ومصالحها على خارطة كردستان .
عفرين بحاحة الى إعادة ترتيب البيت الكردي ومراجعة فعلية لسياسات التفرد وإقصاء الأخر وبناء جسور الثقة المتهدمة وزرع الأمل في روح الشعب الكردي الذي يئن لعقود كئيبة .
فقد أثبت التاريخ الكردي في رحلته النضالية الشاقة: انه لا حضن أدفأ من الحضن الكردي على أبنائها وعلى حقوقها القومية المشروعة.
عفرين كانت وستبقى شامخة كجبال كردستان .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…