فوزي الاتروشي
على مدار اليوم تتوالى التهديدات التركية بضرب كوردستان العراق، فسيل التصريحات لاينقطع من العسكر و من الجناح المدني، فالموضوع الكوردي هو الآن البعبع المخيف في تركيا و الكل يجمع على الضرب و الاستئصال و دحر “العدو” حتى لاتقوم له قيامة، ولا احد يشذُّ عن القاعدة ليطالب بالحوار و بناء جسور للتفاوض.
ورغم بعض الاصلاحات الجزئية الترقيعية و التجميلية التي أقدمت عليها الحكومة التركية فيما يخص الشأن الكوردي تحت ضغط الاتحاد الاوروبي و الاصوات التي نادت علانية بضرورة التفاوض مع حزب العمال الكوردستاني و الاطراف الكوردية الأخرى عوضاً عن دعوات الثأر و الانتقام الدموية وكان آخرها تصريح مسؤول العلاقات الخارجية في البرلمان الهولندي.
نقول رغم ذلك فان اللون الاحمر الفاقع هو السائد على التوجه التركي في كل ما يتعلق بالشؤون الكوردية.
ولذلك فلا اعتقد ان الدعوة الأخيرة التي أطلقها رئيس اقليم كوردستان العراق من خلال الاذاعة الالمانية قبل ايام للحوار و التفاهم ستجد اذناً صاغية من الاتراك.
واذا كانت كل الدول التي تقتسم كوردستان لها حساسية خاصة ومميزة تجاه الملف الكوردي وتعاملت معه على مدى عقود من السنين كملف أمني و بؤرة مشاغبة خطيرة و ليس كملف سياسي قابل للمراجعة والحل، فان تركيا تميزت عن الجميع بانها لاتعادي الشأن الكوردي في تركيا فحسب و انما تتجاوز حدودها للتنكر للوجود الكوردي اينما كان، بل حتى النشاطات الفنية و الأدبية و الفكرية الكوردستانية على الساحة الاوروبية تلقى من تركيا الاستهجان و الاستنكار.
وهذا أمر عجيب للغاية وغريب الى حد الاشمئزاز فالحالة الكوردية في العراق التي دشنت بالقرار الدولي الشهير المرقم (688) عام 1991 حول مشروعية التدخل الدولي الانساني، وهو القرار الذي يحق لوزير الخارجية الفرنسي الحالي (كوشنر) ان يفتخر بانه صاغه لاول مرة في تاريخ الأمم المتحدة.
نقول هذا القرار و الحالة الكوردية في العراق لم ترق يوماً لتركيا و ظلت منذ انبثاقها تتحين الفرص للانقضاض عليها فادمنت الاجتياحات العسكرية وخرب القرى و حرق بساتين و مزارع السكان في المناطق الحدودية لان الثقافة السياسية التركية السائدة ان لا وجود في التاريخ لشعب كوردي، وانهم “اتراك جبليون” رغم ان التاريخ و الحياة اثبتت كم هي مضحكة هذه النظرية الشوفينية الطورانية، وأذكر انه في اوائل سبعينات القرن الماضي و ابان اجتماع تاريخي اكاديمي في فرنسا نهض مؤرخ تركي لتسويق هذه الفكرة البائسة فنهض له مؤرخون اوروبيون لتخييره بين الخروج من المؤتمر او الانصياع للغة العلم القائم على التجريب و الحقائق و الاحجام عن اقحام الخطاب السياسي الدعائي للدولة في مؤتمر اكاديمي.
ان السؤال الآن ليس فيما اذا كانت تركيا ستهاجم ام لا ولكن السؤال هو متى وكيف، فثمة قطاع داخل الجناح العسكري في تركيا يرى أولوية الهجوم والاحتلال الاقتصادي للمنطقة بدليل وجود (500) شركة تركية من أصل (600) شركة اجنبية عاملة ف الاقليم الكوردي العراقي.
ويعمل الجناح الآخر الآن الهجوم باقساط على القرى الحدودية لعدم اثارة زوبعة اعلامية شديدة الوقع اوروبياً وتظاهرات ونشاطات مدوية للجالية الكوردية في اوروبا.
ففي كل يوم يزداد عدد القوات التركية على الحدود ويخرج رئيس الأركان التركي ليقول “أنا بانتظار القرار السياسي” ولكنه يمارس احداث ثقوب يومية في الحدود ويضرب قرية هنا و تجمعاً سكانياً هناك ليجعل من “جنة العراق” وهو التعبير الاوروبي-الامريكي لكوردستان العراق، جزءاً متمِّماً من مجمل الجحيم العراقي، واعتقد ان الحكومة التركية لن تنم قريرة العين إلا اذا انجزت هذه المهمة الطورانية “المقدسة”.
ولكن على تركيا لكي تنجز هذا العمل الشاق هذه المرة ان تلجأ الى ممارسة ركض الموانع، لان الطريق غير آمن وليس محفوفاً بالأزهار و انما بأشواك قاسية قد تجلب على تركيا خسارة اي ان حسابات الحقل قد لاتطابق حسابات البيدر وهذه بعض الاستدراكات التي تشكل هاجساً لتركيا هذه الايام وهي على أهبة الاستعداد للهجوم الكاسح:
1- ان امريكا و اوروبا متحدتان على رفض الهجوم لانه بصراحة يراكم المآسي الامنية لامريكا الغارقة في المستنقع الاوروبي، اما اوروبا فان لها موقفاً معتدلاً من القضية الكوردية في تركيا منذ زمن بعيد، ومجموعة العمل الكوردية داخل الاشتراكية الدولية ومئات من منظمات المجتمع المدني الاوروبية، و اليسار الاوروبي و لاسيما التيار الاخضر و أنصار البيئة لهم موقف مبدئي صارم يدعو تركيا لاعادة مراجعة مجمل مواقفها من القضية الكوردية في تركيا و خارجها.
2- لقد نجح رئيس اقليم كوردستان عام (2003) في صد التوغل التركي في المنطقة، واستطاعت القيادة السياسية الكوردية اجتذاب امريكا الى تفهم الحساسية الكوردية من الجيش التركي، ونجح هذا العام ايضاً في كسب التعاطف الاوروبي الامريكي لتصريحاته ضد التهديدات التركية.
ولكن هل كل مرَّة تسلم الجرَّة، لا اعتقد لان تركيا مصممة على التعتيم على اي مصدر اشعاع يأتي من الخارج لينير ظلمة مجاهيل جنوب شرق تركيا (كوردستان تركيا) ولذلك فان الخيار الوحيد امام اكراد العراق كما ترى تركيا هو اللجوء الى عقد اتفاق معها على هيئة “اتفاق ادنة” الامني التركي-السوري الذي ألغى كلياً نشاط حزب العمال الكوردستاني على الاراضي السورية، و اخراج كوادره ومنع اي تواجد له.
هذا هو ما تريد تركيا تكراره مع اكراد العراق دون ان تعلم المسرحية لاتكرَّر لان الخشبة و المكان تغير وعملية الاخراج في جبال كوردستان الشديدة الوعورة لاتمضي بيسر و سهولة، و الاهم من كل ذلك ان القيادة السياسية في كوردستان العراق لن تقدم على توقيع اتفاق امني خطر للغاية مع دولة لاتعترف بها، فالمعلوم ان تركيا لاتعترف بالحالة الكوردية في العراق لذلك استبعد كلياً ان يتم التوصل عبر الدهاليز الخلفية الى تسليم مقاتلي حزب العمال الكوردستاني الى تركيا لان المطلوب أصلاً ليس رأس هذا الحزب و قضية كركوك التي استحالت الى قميص عثمان لدى تركيا، وانما الهدف الاساسي هو رأس التجربة الكوردية في العراق ووأد الحلم الكوردي سواء في الحكم الذاتي او الفيدرالية او الاستقلال وهذا حلم تركي منذ غابر الزمان وقد فاته الأوان.
3- ان حزب العمال الكوردستاني اكتسب في الأونة الاخيرة صداقات جديدة في اوروبا و امريكا، بل وفي المحيط الاقليمي ايضاً، لانه ينعم حالياً بالعقلانية في التفكير و البراغماتية في الممارسة، و لا يجنح الى التفكير الطوباوي الفوضوي، وضمن هذا السياق استغل الخلاف الايراني الامريكي من خلال قيام رديفه حزب الحياة الجديدة بتوسيع و تثوير نشاطه في كوردستان ايران، مما خلق شيئاً من المرونة الامريكية تجاهه ولم يعد المنسق الامريكي المكلف بشؤون حزب العمال الكوردستاني بنفس النغمة و النبرة القاسية السابقة وانما اقترب احياناً من الموقف الاوروبي في التحريض على الحوار و التفاهم لحل المشكلة الكوردية في تركيا.
ورغم هذه الموانع فان تركيا ستستمر على تقسيط هجماتها و اكتساحاتها للمنطقة انتظاراً للهجوم الكبير ان لم يبرز بوجهها و بقوة الفيتو الامريكي-الاوروبي.
نقول رغم ذلك فان اللون الاحمر الفاقع هو السائد على التوجه التركي في كل ما يتعلق بالشؤون الكوردية.
ولذلك فلا اعتقد ان الدعوة الأخيرة التي أطلقها رئيس اقليم كوردستان العراق من خلال الاذاعة الالمانية قبل ايام للحوار و التفاهم ستجد اذناً صاغية من الاتراك.
واذا كانت كل الدول التي تقتسم كوردستان لها حساسية خاصة ومميزة تجاه الملف الكوردي وتعاملت معه على مدى عقود من السنين كملف أمني و بؤرة مشاغبة خطيرة و ليس كملف سياسي قابل للمراجعة والحل، فان تركيا تميزت عن الجميع بانها لاتعادي الشأن الكوردي في تركيا فحسب و انما تتجاوز حدودها للتنكر للوجود الكوردي اينما كان، بل حتى النشاطات الفنية و الأدبية و الفكرية الكوردستانية على الساحة الاوروبية تلقى من تركيا الاستهجان و الاستنكار.
وهذا أمر عجيب للغاية وغريب الى حد الاشمئزاز فالحالة الكوردية في العراق التي دشنت بالقرار الدولي الشهير المرقم (688) عام 1991 حول مشروعية التدخل الدولي الانساني، وهو القرار الذي يحق لوزير الخارجية الفرنسي الحالي (كوشنر) ان يفتخر بانه صاغه لاول مرة في تاريخ الأمم المتحدة.
نقول هذا القرار و الحالة الكوردية في العراق لم ترق يوماً لتركيا و ظلت منذ انبثاقها تتحين الفرص للانقضاض عليها فادمنت الاجتياحات العسكرية وخرب القرى و حرق بساتين و مزارع السكان في المناطق الحدودية لان الثقافة السياسية التركية السائدة ان لا وجود في التاريخ لشعب كوردي، وانهم “اتراك جبليون” رغم ان التاريخ و الحياة اثبتت كم هي مضحكة هذه النظرية الشوفينية الطورانية، وأذكر انه في اوائل سبعينات القرن الماضي و ابان اجتماع تاريخي اكاديمي في فرنسا نهض مؤرخ تركي لتسويق هذه الفكرة البائسة فنهض له مؤرخون اوروبيون لتخييره بين الخروج من المؤتمر او الانصياع للغة العلم القائم على التجريب و الحقائق و الاحجام عن اقحام الخطاب السياسي الدعائي للدولة في مؤتمر اكاديمي.
ان السؤال الآن ليس فيما اذا كانت تركيا ستهاجم ام لا ولكن السؤال هو متى وكيف، فثمة قطاع داخل الجناح العسكري في تركيا يرى أولوية الهجوم والاحتلال الاقتصادي للمنطقة بدليل وجود (500) شركة تركية من أصل (600) شركة اجنبية عاملة ف الاقليم الكوردي العراقي.
ويعمل الجناح الآخر الآن الهجوم باقساط على القرى الحدودية لعدم اثارة زوبعة اعلامية شديدة الوقع اوروبياً وتظاهرات ونشاطات مدوية للجالية الكوردية في اوروبا.
ففي كل يوم يزداد عدد القوات التركية على الحدود ويخرج رئيس الأركان التركي ليقول “أنا بانتظار القرار السياسي” ولكنه يمارس احداث ثقوب يومية في الحدود ويضرب قرية هنا و تجمعاً سكانياً هناك ليجعل من “جنة العراق” وهو التعبير الاوروبي-الامريكي لكوردستان العراق، جزءاً متمِّماً من مجمل الجحيم العراقي، واعتقد ان الحكومة التركية لن تنم قريرة العين إلا اذا انجزت هذه المهمة الطورانية “المقدسة”.
ولكن على تركيا لكي تنجز هذا العمل الشاق هذه المرة ان تلجأ الى ممارسة ركض الموانع، لان الطريق غير آمن وليس محفوفاً بالأزهار و انما بأشواك قاسية قد تجلب على تركيا خسارة اي ان حسابات الحقل قد لاتطابق حسابات البيدر وهذه بعض الاستدراكات التي تشكل هاجساً لتركيا هذه الايام وهي على أهبة الاستعداد للهجوم الكاسح:
1- ان امريكا و اوروبا متحدتان على رفض الهجوم لانه بصراحة يراكم المآسي الامنية لامريكا الغارقة في المستنقع الاوروبي، اما اوروبا فان لها موقفاً معتدلاً من القضية الكوردية في تركيا منذ زمن بعيد، ومجموعة العمل الكوردية داخل الاشتراكية الدولية ومئات من منظمات المجتمع المدني الاوروبية، و اليسار الاوروبي و لاسيما التيار الاخضر و أنصار البيئة لهم موقف مبدئي صارم يدعو تركيا لاعادة مراجعة مجمل مواقفها من القضية الكوردية في تركيا و خارجها.
2- لقد نجح رئيس اقليم كوردستان عام (2003) في صد التوغل التركي في المنطقة، واستطاعت القيادة السياسية الكوردية اجتذاب امريكا الى تفهم الحساسية الكوردية من الجيش التركي، ونجح هذا العام ايضاً في كسب التعاطف الاوروبي الامريكي لتصريحاته ضد التهديدات التركية.
ولكن هل كل مرَّة تسلم الجرَّة، لا اعتقد لان تركيا مصممة على التعتيم على اي مصدر اشعاع يأتي من الخارج لينير ظلمة مجاهيل جنوب شرق تركيا (كوردستان تركيا) ولذلك فان الخيار الوحيد امام اكراد العراق كما ترى تركيا هو اللجوء الى عقد اتفاق معها على هيئة “اتفاق ادنة” الامني التركي-السوري الذي ألغى كلياً نشاط حزب العمال الكوردستاني على الاراضي السورية، و اخراج كوادره ومنع اي تواجد له.
هذا هو ما تريد تركيا تكراره مع اكراد العراق دون ان تعلم المسرحية لاتكرَّر لان الخشبة و المكان تغير وعملية الاخراج في جبال كوردستان الشديدة الوعورة لاتمضي بيسر و سهولة، و الاهم من كل ذلك ان القيادة السياسية في كوردستان العراق لن تقدم على توقيع اتفاق امني خطر للغاية مع دولة لاتعترف بها، فالمعلوم ان تركيا لاتعترف بالحالة الكوردية في العراق لذلك استبعد كلياً ان يتم التوصل عبر الدهاليز الخلفية الى تسليم مقاتلي حزب العمال الكوردستاني الى تركيا لان المطلوب أصلاً ليس رأس هذا الحزب و قضية كركوك التي استحالت الى قميص عثمان لدى تركيا، وانما الهدف الاساسي هو رأس التجربة الكوردية في العراق ووأد الحلم الكوردي سواء في الحكم الذاتي او الفيدرالية او الاستقلال وهذا حلم تركي منذ غابر الزمان وقد فاته الأوان.
3- ان حزب العمال الكوردستاني اكتسب في الأونة الاخيرة صداقات جديدة في اوروبا و امريكا، بل وفي المحيط الاقليمي ايضاً، لانه ينعم حالياً بالعقلانية في التفكير و البراغماتية في الممارسة، و لا يجنح الى التفكير الطوباوي الفوضوي، وضمن هذا السياق استغل الخلاف الايراني الامريكي من خلال قيام رديفه حزب الحياة الجديدة بتوسيع و تثوير نشاطه في كوردستان ايران، مما خلق شيئاً من المرونة الامريكية تجاهه ولم يعد المنسق الامريكي المكلف بشؤون حزب العمال الكوردستاني بنفس النغمة و النبرة القاسية السابقة وانما اقترب احياناً من الموقف الاوروبي في التحريض على الحوار و التفاهم لحل المشكلة الكوردية في تركيا.
ورغم هذه الموانع فان تركيا ستستمر على تقسيط هجماتها و اكتساحاتها للمنطقة انتظاراً للهجوم الكبير ان لم يبرز بوجهها و بقوة الفيتو الامريكي-الاوروبي.