مروان سليمان*
الكثير يرددون بأن الدولة تقوم على السلطات الثلاثة التشريعية و القضائية و التنفيذية و ينادون بالتعايش تحت ظل الدولة المدنية المنشودة تلك التي تدار من قبل مؤسسات الدولة و هذا يرتبط ليس فقط بوضع القوانين و الدساتير في البلاد و ممارستها كما يحصل اليوم من قبل المعارضات السورية لأن العقول المتحجرة لا تصنع دولة مدنية و إنما تأتي بالتقدم الفكري و الوعي لدى المواطنين الذين يعيشون في تلك الدولة و السبب في ذلك يعود إلى أن الدولة الناشئة هي صناعة الشعوب و شكل الدولة تدار بإرادة مواطنيها و هذا تقرره المبادئ و الأفكار و القيم المدنية و التقدم الفكري و العقلي لدى ذاك الشعب الذي يريد بناء الدولة المنشودة و لهذا يجب أن نحصل على الوعي و فهم الدولة و مبادئها و التعود على ممارستها بتشكيل مجتمعات مدنية قادرة على توعية المجتمع و إختيار السلوك المدني لبناء الدولة المدنية المنشودة.
في مجتمعاتنا الشرق أوسطية و التي إعتادت على العيش تحت رحمة الدكتاتوريات و الحكم الفردي و الدولة المركزية التي تعتمد بالدرجة الأساسية على القوى الأمنية في القمع و التنكيل و السجون و سلب الإرادة و بين ليلة و ضحاها نأتي و نطالب بدولة مدنية و عصرية و مجتمع حر قائم على المواطنة و العدل و المساواة سوف تبقى حبراً على ورق لا يتم تنفيذ أي شئ منه إلا بعد إزالة كل مخلفات النظم العسكرية وآثار الديكتاتوريات و تحييد رجال الدين عن السياسة و البقاء في جوامعهم و صوامعهم و القضاء على زعامة العشيرة و تغيير فكر المعارض ليكون قابلاً على التجديد و التوعية كما تتطلبها المرحلة و تقبل التعامل مع الآخرين و الإعتراف المتبادل بالحقوق و الواجبات على الجميع و هذا ما يتطلب إنقلاباً ثقافياً يقضي على الموروث الثقافي العفن الذي تعيشه المنطقة منذ قرون عديدة و إلتفاف الشعب إلى الواقع الذي يعيشه و المعاناة التي تنتقل من جيل إلى جيل آخر و التخلي عن الأفكار التي بنيت على الكذب و التزوير في الماضي الذي كتب تاريخه مجموعة من الحرامية و اللصوص و بائعي الأفكار و مروجي الفكر العبودي و أدى ذلك إلى إنتشار الجهل و الخرافة و تحول الناس إلى مجرد كتل متحركة غير فعالة.
لا شك في أن الواقع المزري للشعب السوري بعد (الثورة) أفرز بعض الأفكار مثل بناء الدولة المدنية و الترويج لها من قبل أناس عاشوا في كنف الديكتاتورية و النظام الأمني و الذل و تقبل الأيدي و التشرد و المعاناة و حتى إستغلال النفوذ في مناصبهم لتحقيق منافع شخصية لهم و هم في صفوف المعارضة و يعتبرون أنفسهم منقذين للشعب و يتكلمون باسمه و لكنهم غير قابلين على الإنسجام مع التغيير المنشود و هذا راجع إلى ضعف الأحساس بالمسؤولية و تكرار إرتكاب الجرم و الخطايا و التجاوزات لأنهم يحتاجون إلى الوطنية و تنفصهم الأخلاق و التخلص من الفكر البالي، و لكن هذه الطبيعة التي تعودوا عليها لا يمكن التخلي عنها و العيش في ظل الديمقراطية التي تتيح الحرية للجميع و بناء المجتمع المدني، لأنهم ببساطة إعتادوا لأوامر النظام و إهاناته لهم كل يوم و أصبحوا مدجنين قابعين في الظلمات يبتعدون عن كل شئ يضر بمصالحهم الشخصية و هم ضد التنوير الفكري و العقلي و ينادون بتغيير الحكم و يحيدون بأنفسهم عنه (عقلية المعارضة السورية من حجاب و نعسان آغا و الزعبي و ماخوس الخ من هذه الشرذمة).
من المستحيل أن تجد الشعب الذي يدار بالخرافة و الجهل و يرضخ لزعماء العشائر يبني دولته على أساس العدل و المساواة لأن عصر الخرافة و الجهل و بناء الأفكار على المعجزات و الإعتماد على الفال في النظر للمستقبل و الأشياء الخارقة قد ولى من غير رجعة و نعيش الآن في عصر التكنولوجيا و الصناعة و الإتصالات و الأفكار التي تنتشر بسرعة البرق في جميع أنحاء العالم.
في المجتمعات الشرق أوسطية و خاصة الإسلامية و بالأخص العربية منها لا تتقبل الأفكار الجديدة مثل التقدم و الديمقراطية و الحرية و المساواة و العدل لأن هذه المجتمعات هي التي تصنع الديكتاتوريات و تصفق لهم و تضع رقابهم تحت سيوف السلاطين و النظم الديكتاتورية و لذلك تجد المستبد و الظالم بأنه هو المنقذ و المبشر بسبب الشوق و الحنين في داخلهم للتسلط و الإستبداد و لذلك تجد الشعوب يحنون إلى صدام و القذافي و بن علي و الإحتلال العثماني و خوازيقهم و على الرغم من كون المواطن يتحمل مسؤولية استمرار ثقافة الجبن و الكذب و التحايل و الضحك على الذقون لدى الطبقة السياسية و الثقافية فهو الوحيد الذي من حقه و واجبه كشف كل وجوه و ممارسة ثقافة النفاق السياسي و مواجهة المشروع الذي يحاول إزالته من الوجود من أجل إنقاذ نفسه كمواطن لأن مساوئ النفاق السياسي يصيب الوطن و المواطن على حد سواء.
الشعوب التي تعودت على الطاعة و الخنوع لما يقوله نظمهم و قياداتهم المستبدة لأنهم هم بأنفسهم من صنعوا منهم ديكتاتوريات و سلاطين بمباركة رجال الدين الذين وضعوا أنفسهم في خدمة الحكام الظالمين كما حصل في مصر عندما رفعوا السيسي إلى مرتبة الصالحين و الأنبياء و كما حصل في تركيا بتكليف أردوغان بإدارة الدولة و الإمساك بكل مفاصلها عندما تمت الموافقة على إجراء تغييرات على الدستور التركي لنقل الصلاحيات إلى رئيس الجمهورية و لا عجب في أن ينصب نفسه خليفة للمسلمين فيما بعد.
*مدرس في المدارس المهنية في المانيا- سالتزغيتر
20.05.2017