ماجد ع محمد
الأخ الذي يريد الخيرَ لأخيه لا يجعل من نفسه
ذريعة دائمة لدى الأعداء لضرب أخيه بحجته
يبدو أن حزب العمال الكردستاني تعوّد على أن يجرب المجرب، ولا رغبة لدى قادته بالاستفادة من تجاربهم السابقة، إذا بدلاً من أن يفكروا بترك منطقة شنكال لأهلها بعد مطالبة الأهالي وحكومة الإقليم بمغادرتها، راح أحد أنفار حزب العمال الكوردستاني المسمى رضا آلتون يهاجم حكومة الإقليم ويهدد بتحويل اقليم كردستان إلى ساحة معارك، والنفر آلتون رفض في تصريحه يوم الخميس خروج مسلحي حزب العمال الكردستاني من شنكال، معتبرا أنهم حرروا شنكال ودافعوا عن الايزيديين!
ويبدو جلياً أن هذا الحزب المنقاد من قبل مخابرات الأنظمة القذرة في المنطقة لا يود الاستفادة من تاريخه الطويل في الهزائم والإنكسارات، بل ويود إعادة تجربته الفاشلة التي أدت الى دمار شرناخ ونصيبين وبوطان، وذلك من خلال التحصن بين البيوت حتى أتي الجيش التركي ودمّر ما تبقى من معالم المدينة، إذ وحسب النائب الأيزيدي في برلمان كوردستان شيخ شامو أن “مسلحي PKK في شنكال وتحسباً من هجمات جوية تركية جديدة على مواقعهم بدأوا بتقليل عدد مقراتهم، ولجأوا الى اسلوب حفر الخنادق في جبل شنكال بهدف تحصين مواقعهم، وتابع شامو أن PKK ورط نفسه بمواجهة صعبة، وأوقع شنكال بمشكلة كبيرة، كما خلق مشاكل لإدارة المدينة ولا يزال يعرقل عملها”، ومن خلال تصورٍ فانتازي لمسار الحزب واسلوب قتاله يخال للمرء وكأن هذا الحزب متفق مع شركات المقاولات العالمية الكبرى التي يهمها جداً تدمير أكبر عدد ممكن من البيوت والأحياء والمدن حتى يُحققوا ثراءهم الفاحش على حساب أرواح وآمال وشقاء وممتلكات آلاف الأبرياء! وإلاّ فلماذا الإصرار من لدنهم على تجريب كل المجربات التي أخفقوا فيها طوال السنوات الماضية من عمر عملهم المسلح.
وعلى اعتبار أن وجود حزب العمال الكردستاني في شنكال هو بمثابة ذريعة جاهزة للجيش التركي، وعن الذريعة ككل يقول الكاتب عبد المنعم زين الدين بأن “سحب الذريعة من العدو أمرٌ إلهي وهدي نبويّ ووعي عقلي، حيث أن الله سبحانه وتعالى ينهانا عن سب آلهة المشركين كيلا يسبوا الله مقابل ذلك وفي هذا الصدد قال تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)*، وبناءً عليه فعلى المرء أو القائد أو التنظيم السياسي أو العسكري أن لا يضع الحجة في يد العدو الذي عادة ما يحتاج الى الحجج أو الذرائع التي قد يبحث جاهداً عنها، والغاية من عدم إعطاء العدو الحجة هي أولاً لقطع الطريق على العدو ومؤامراته ومخططاته، وثانياً من أجل تجنب الضرر الذي قد يلتحق بالمنطقة أو الجهة أو الحزب أو الدولة من خلال تلك الذريعة.
والذَّريعَةُ هي الوسيلة والسّبب إلى القيام بشيء ما قد يكون الخصم كان يحضر له من فترة طويلة، فالعدو عادة ما يحاول إيجاد الذريعة ليستند إليها للقيام بما كان يستبطنه ويخطط له، أو يقبض بناصية الحجة لكي يبرر فعلته القبيحة أو عدوانه من خلالها، والمتابع للحروب عبر التاريخ يجد أنها شرارتها عادةً ما كانت تبدأ بذريعةٍ ما، ولا يعني ذلك أنها لم تكن لتحدث الحروب لولا تلك الذريعة، لكن العدو يقوي موقفه أمام شعبه وعسكره من خلال تلك الذريعة التي يقدمها له الخصم أحياناً بحماقته على طبق من ذهب، أو يختلقها العدو اختلاقاً حتى يحقق مآربه عبرها.
وحيال ما جرى في شنكال فمع أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد عبّر عن أسفه لغارات المقاتلات التركية على منطقة شنكال بإقليم كردستان العراق، حيث أدت الغارة لاستشهاد عدد من البيشمركة، وذلك في مقابلة له مع وكالة رويترز عقب القصف التركي، إلا أن ردود فعل الشارع الكردي كانت متباينة حيال الغارات التركية على عمق الاقليم، وارتفعت وتيرة المطالبة بخروج حزب العمال الكردستاني من شنكال بما أن وجود التنظيم المذكور يعتبر حالياً من أبرز الذرائع لاعتداءات الجيش التركي على الإقليم، وفي هذا الصدد قال الكاتب حسين عمر بأن “العدوان التركي على جنوب كردستان منسّق، وأن استهداف قوات البيشمركة مقصود ومتعمّد، وأردف عمر بأن على العمال الكوردستاني الانسحاب من شنغال لكشف عورة أردوغان الذي يتحجّج بهذا الوجود لاستهداف جنوب كوردستان وعرقلة مسيرته نحو الاستقلال”.
وفي السياق ذاته أكد الدكتور كاميران حاج عبدو سكرتير حزب الوحدة الديمقراطي “أنه ومنذ عقود وكلما أرادت تركيا ضرب تجربة جنوب كردستان اتخذت من وجود حزب العمال الكردستاني هناك ذريعة لها، واليوم تشن عدواناً على جنوب كردستان بنفس الذريعة، وأضاف حاج عبدو أن تركيا قصفت إرادة الكرد وطموحاتهم الاستقلالية، فالعدوان التركي على مواقع البشمركة قرب شنكال يمثل رسالة واضحة تتعلق برفع علم كردستان في كركوك والاصرار في المضي بقضية الاستفتاء والاستقلال، وكذلك تقارب الحزبين الرئيسيين في جنوب كردستان PDK و YNK “، لذا فقد أجمع أغلب الكتاب والنشطاء على هذا الرأي وهو ما تقاطع تماماً مع ما قاله مستشار مجلس أمن إقليم كوردستان مسرور البارزاني الذي أكد في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأن حزب العمال الكوردستاني هو السبب وراء الهجوم التركي على شنكال، وأن الحزب المذكور هو الذي يجر تركيا إلى المنطقة”.
وبدورنا نقول بأن حزب العمال الكردستاني إذا كان فعلاً مع مصلحة الشعب الكردي في الإقليم، وإذا لم يكن تواجده هناك من أجل بسط سيطرته على بعض المناطق في الإقليم بحجة مناصرته للأخوة الايزيديين، بما أنه هُزم في مكان نضاله الطبيعي والرئيسي، وفشل في تجربته التحريرية والتوحيدية في تركيا، ومن باب تعويض ذلك النقص أراد أن يفرض نفسه بالقوة على إخوانه في أماكن أخرى، لكي يظهر نفسه كبطل بعد التضحيات الجسيمة التي قدمها في مرابع كفاحه من دون أية إنجازات تليق بالدماء التي هدرها، والمناطق التي تسبب بتدميرها، لذا جاء إلى شنكال علّهُ يُظهر ذاتهُ كبطل ومنقذ وهو ما فعله من خلال إعلامه الأيديولوجي الحاقد على إدارة الإقليم ككل وعلى الحزب الديمقراطي بشكلٍ خاص، مستغلاً شعارات الاخوة بما أنه يدرك بأن الإخوة في إقليم كردستان يتجنبون الصدام معه من باب حقن الدماء، ومن باب احترامهم له كطرف كردي لا ينبغي مقاتلته لكي لا تتكرر نفس التجربة المريرة التي عاشها كرد العراق عندما شب الصراع التناحري يوماً بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
وختاماً نقول إن لم يكن حزب العمال الكردستاني تنظيم انتهازي كما يبدو عليه من خلال تشبثه بمكتسبات الآخرين، وإذ كان فعلاً لا يريد الشر للإقليم وناسه، فعليه بادئ ذي بدء أن يعلن إنسحابه بشرف وأن لا يغدو مسمار جحا لدى قادة أنقرة، وأن لا يتحول إلى تنظيم مراهقاتي يجلب كالصبي الطائش كل حين المصائب والويلات لأهله، وأن يكف عن عناده وغروره ويحتكم إلى العقل والمنطق وتكون مصلحة الشعب الكردي أبدى من مصلحته الحزبية أو قواقعه الأيديولوجية، وإذا كان العمال الكردستاني فعلاً يريد كشف حقيقة موقف القادة في أنقرة عليه المسارعة في الخروج من شنكال، وأن يكف اللعب بمصائر المناطق الكردية بدعوى الدفاع أو ما شابه ذلك من الحجج التي يسوقها الحزب المذكور للتدخل في شؤون المناطق الكردية رغماً عن أبنائها، وأن لا ينسى الحزب المذكور وقادته قط بأن ميدان حربهم الحقيقية هي في كردستان تركيا وليس في إقليم كردستان أو سوريا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سورة الأنعام 108.