هل تبدأ الحرب على إيران؟

جان كورد
إن التصعيد الذي قام به الرئيس الإيراني أمام حشودٍ عظيمة من مواطنيه في طهران اليوم، ليس مجرّد محاولة احتواء كلامي للحملة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإنما تعدى ذلك إلى استخدام لغة التهديد المباشر للولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى رفع شكوى ضدها لدى المحاكم الدولية، وهذه الخطوة التي تأتي من روحاني الذي يعتبر من “المعتدلين!” في إيران يدفع ببلاده إلى حافة إعلان الحرب فيما إذا لم يستطع دبلوماسيو البلدين، أمريكا وإيران، وقف الرجلين روحاني وترامب عند حدٍ معقولٍ من توجيه الاتهامات الكلامية والإجراءات غير المؤدية إلى نزاع مباشر بالسلاح.
ومن قبل قال وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس بأن إيران أخطر دولة راعية للإرهاب، ورد عليه قائد القوة الجوية التابعة للحرس الثوري في إيران، أمير علي حاجي زاده، مهدداً بهجمات صاروخية على السفن والمصالح الأمريكية في المنطقة، وزادت حدة التهديدات المتبادلة بإقرار عقوبات جديدة على كيانات وشخصيات إيرانية من قبل الرئيس دونالد ترامب، وإعلانه لأكثر من مرة بأن عقد الاتفاقية النووية مع طهران كان أسوأ اتفاق لإدارة أوباما، في حين شدد ملالي قم وطهران على أن “جعجعة” الرئيس ترامب وإدارته لن تحيدهم عن متابعة مناورات جيشهم التي ستستخدم فيها الصواريخ كما أن طهران لن تتراجع عن برنامجها النووي وعن انتاج الصواريخ البالستية التي تعتبرها  واشنطن خرقاً فاضحاً للاتفاق النووي معها ومع حلفائها. 
ويأتي من ضمن الحملة القوية على طهران ونظامها المتطرف، رفض الرئيس ترامب استقبال حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، الذي تدعمه واشنطن عسكرياً ضد تنظيم الدولة “داعش”، وذلك بذريعة أنه يسير في فلك طهران وأن العراق بات خاضعاً للنفوذ الإيراني. طبعاً لن يستقبل ترامب الأسد أيضاً لأنه واقع في جريمة التبعية لإيران مثل العبادي، ويعني ذلك وقوف الولايات المتحدة بشدة، ولو كلامياً وببعض الإجراءات والعقوبات ضد المحور الإيراني في المنطقة، الذي يشمل إضافة إلى سوريا، حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، ولربما الحشد الشعبي العراقي “الحليف” أيضاً…  على الرغم من الحاجة الأمريكية الكبيرة لقوات هذا الحلف في القتال على الأرض ضد تنظيمي (جبهة فتح الشام – سابقاً) و (داعش) في كلٍ من العراق وسوريا، وضد القاعدة على مستوى المنطقة برمتها. 
فهل هذا النهج أو السلوك الاستفزازي من قبل إيران والتهديد الصارخ من قبل واشنطن، مقدمة لبدء حربٍ مدمرة جديدة في الشرق الأوسط؟ 
لقد مرت مرحلة طويلة من تأزم العلاقات بين الولايات المتحدة وايران، كانت فيها نذر الحرب واضحة وقوية، إلا أن إدارة الرئيس أوباما قد اتسمت بالليونة التامة إزاء العديد من التصرفات الاستفزازية الخطيرة للبحرية الإيرانية في الخليج العربي/ الفارسي، وتمكن أوباما من كبح جماح المتهورين على طرفي الجبهة، بأن وعد بمنح إيران أكثر من 100 مليار دولار من أموالها المحجوزة في الولايات المتحدة، مقابل توقيع حكومتها على اتفاقية ترغم طهران على الحد من رفع مستوى تطوير مفاعلها النووية ووضعها تحت إشراف الهيئة الدولية الخاصة بالإنتاج النووي والسماح للمراقبين الدوليين بالدخول إلى مواقعها الهامة والتي لا تزال منها سرية، إلا أن الولايات المتحدة التي أنقذت إيران من أزمة اقتصادية ومالية خانقة بمنحها ذلك المبلغ الضخم من المال لم تحرر طهران من العقوبات المفروضة على التعامل معها، بل جاء ترامب ليشددها أكثر من قبل، وفي الوقت الذي طبلت وزمرت طهران للاتفاقية النووية واعتبرتها انتصاراً للشعب الإيراني،  يدرك العالم أن الملالي أرغموا  بذلك على تجرع السم، مثلما تجرعه إمامهم الخميني بعقد السلام مع بغداد بعد سنواتٍ طويلة من الحرب المدمرة للدولتين الجارتين.
وفي الوقت الذي تهدد طهران عن طريق ملاليها لتصد ترامب عن إلغاء الاتفاقية النووية أو تعديلها، فإنها في حقيقة الأمر تعلم جيداً أن ترامب سيعمل بجدية وبسرعة على تقليم أظافرها في المنطقة، في اليمن والبحرين ولبنان وسوريا والعراق، وسيسعى لفضح علاقاتها مع المنظمات الإرهابية في العالم، كما أن الجيش الإيراني والحرس الثوري العرمرم لن يتمكنا مطلقاً من مهاجمة الولايات المتحدة على أرض القارة الأمريكية، وإنما في الشرق الأوسط فقط، في حين أن واشنطن قادرة على دك مختلف القواعد والمطارات والسفن وجبهات القتال، بل المدن والمصانع وسائر البنية التحتية الإيرانية، قبل إنزال جندي أمريكي واحد على التراب الإيراني.
ولذا، فإن إيران ستسعى من خلال تجنيد وكلاء ووسطاء لإقناع السيد ترامب بأنها مستعدة للجلوس معه على طاولة المفاوضات لبحث مختلف النقاط التي يريدها ولكنها تريد حفظ ماء وجهها على الأقل. 
والنقاط التي تعتبر هامة للغاية في الصراع الأمريكي – الإيراني هي: 
-التهديدات الإيرانية المستمرة بالقضاء على إسرائيل وبإغلاق مضيق هرمز وباب المندب
-الاتفاقية النووية التي تعتبرها واشنطن سيئة 
-مشكلة انتاج وإطلاق الصواريخ البالستية التي تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة
– التدخل الإيراني الفاضح في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين والتهديد المباشر للدول العربية 
-موضوع حقوق الإنسان والحريات العامة في إيران وحقوق القوميات
-العلاقة مع المنظمات الإرهابية  
-محاولة التنامي العسكري والاقتصادي لتصبح إيران دولة مسيطرة في المنطقة ومتضامنة مع الروس
وهذا يعني جملة من المشاكل الكبيرة العالقة التي إن تنازلت إيران فيها سيؤدي ذلك إلى زعزعة هيبة الملالي الحاكمين بقوة الإعدامات والتعذيب حتى الموت والاغتيالات وكبت الحريات.
وفي حال ضعف القوى المعتدلة في النظام الإيراني مقابل انتعاش المتطرفين الطائفيين، وعدم إذعانهم للمطالب الأمريكية، فإن المنطقة ستنجر إلى حربٍ مدمرة في نهاية الأمر، عندما يفشل الحوار… والإيرانيون الذين يجيدون كتجارٍ مشهورين كيف يتراجعون في الأزمات ويحنون رؤوسهم المتكبرة لمن هو أعتى وأقوى منهم، يعلمون جيداً أن السيد ترامب مختلف جداً عن سابقه في البيت الأبيض، وإن وزير دفاعه لا يقل عنه عداءً صريحاً لملاليهم، وهو سينفذ أي إشارة تأتيه من رئيسه بالحرب، وعندها سيدرك ملالي طهران أنهم سيختفون من المشهد الرسمي الإيراني مثلما اختفى صدام حسين الذي استخف بقوة الولايات المتحدة الأمريكية من قبل، كما سيدرك الأسد والحشد الشعبي والهالكيون وحزب الله أن لا مستقبل لهم في المنطقة.
‏10‏ شباط‏، 2017

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…