حسين شاكر
يبدو أن الولايات المتحدة تعتزم ضرب العالم ببعضه، كما فعلت أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما اعتزلت العالم و اختبأت خلف محيطاتها، ما جعل الامبراطورية اليابانية تشعر بضعفها و ضربها في عقر دارها(بيرل هاربر) لتدخل الحرب، ويَعتقد البعض أن الولايات المتحدة دخلت الحرب مكرهة لكن البريطانيين يعلمون جيدا أن امريكا كانت تنتظر العالم كي يضعف، لتفرض عليه نظاما عالميا جديدا آنذاك، وهذا يدعونا لنتساءل، هل تذهب الولايات المتحدة اليوم نحو عزلة مقصودة ؟ في الاجابة عن هذا التساؤل النظري يمكننا ملاحظة السلوك الامريكي في سوريا اليوم، و كذلك المشروعات التي طرحتها ادارة بوش، و صقور الجمهوريين قبل و بعد احتلال العراق وافغانستان، فقد طرحت مشروع الشرق الاوسط الجديد، و تحدث البعض من مستشاري الامن القومي الامريكي عن ضرورة تغيير النظام العالمي ، و انشاء نظام عالمي جديد، و علينا ايضا ان لا ننسى كتاب صامويل هندكتون (صِدام الحضارات) بعد انهيار الاتحاد السوفييتي .
كل ما سبق يدعونا للتوجس خيفة مما تبيته الولايات المتحدة للعالم، لا سيما بعد ان تبددت تلك التساؤلات حول ما اذا كانت روسيا الاتحادية ظهرت كقطب جديد في العالم ، بعد ان علمنا الفجوة الاقتصادية و العسكرية و التكنلوجية الكبيرة بينهما ، ما جعل العالم يعتقد ان روسيا الاتحادية تعمل كأجير لدى الولايات المتحدة، لتحمي مصالحها ريثما تحسن امريكا من اقتصادها و ترتب بيتها الداخلي .
و لقد اظهرت الحرب في سوريا خطرين حقيقين على العالم أولهما (الارهاب)، إذ بات من المعلوم أن الارهاب هو حصيلة ما نزع اليه العالم من نزعة القوة، و ليس كما ندرسه في الاكاديميات ان الانسان تخلص من مرحلة القوة، و هو في مرحلة القانون و خاصة القانون الدولي، واحترام و حماية حقوق الإنسان، و الذي استطاع ان يقنعنا اننا لا نعيش في غابة -لبعض الوقت- لكن سرعان ما اظهرت المأساة السورية أننا في عالم تحكمه القوة و الخبث أيضا، فلقد اظهرت المأساة السورية ان الارهاب هو صنع محلي اُفرز من منتوج ثقافي لم يحاول الانسان علاجه ،انما بات الارهاب اداة بيد الدول يستخدم في تحصيل الامتيازات، و تنفيذ مشاريع تخالف نظامها الذي وضعته بعد الحرب العالمية الثانية، و لقد ظن الغرب الذي اعطى المجال للتخلص من إرهابييه وفتح لهم الطريق، للذهاب الى سوريا، في الوقت الذي نسي أن الارهاب يًفرخ في الغرب، لأسباب سيطول ذكرها- تتعلق بحرب فكرية- و لكنها دون شك نتيجة الغفلة و عدم المعرفة بالمنتوج الثقافي الذي لم يُطور في الشرق، و امعن الغرب في تغذية التخلف، عبر دعم الدكتاتوريات في الشرق.
ثانيهما هو كيفية ذهاب الامريكان لشراء الوقت باستخدام روسيا كحامية لمصالحها و مصالح اسرائيل خوفا من الايرانيين ، و الثوار السوريين على حد سواء، فقد ذهبت الى صناعة اتفاقية هشة مع ايران” كما يرى ذلك كثير من المراقبين” و اوقفت المشروع الايراني الى عقد آخر من الزمن ، كذلك امعنت بفتح المجال لروسيا لتفعل ما تشاء في سوريا، لتحمي اسرائيل إلى ان تعبر امريكا مرحلة البطة العرجاء ، ريثما يأتي رئيس امريكي جديد .
كل ما سبق ذكره نستطيع وضعه في كفة و لكن ما يحاك للغرب الاوربي يوضع في كفة أخرى، فكما تركت الولايات المتحدة الاتحاد السوفيتي أن يبقى حائطا يحول دون تمدد الغرب في أوربا الشرقية ، يبدو أن الولايات المتحدة تنزع نحو خلق واقع اشبه بواقع الاتحاد السوفيتي السابق عن طريق الاتحاد الروسي و رئيسه المأجور بوتين، و الذي أخذ القرم و تقدم نحو اوكرانيا من الداخل و فيما لو أخذ بوتين ضوء اخضرا من الولايات المتحدة، فأنه من المتوقع ان يستنسخ بوتين التجربة السوفيتية في معظم أوربا الشرقية، ما سيخلق واقع اشبه بواقع ما بعد الحرب العالمية الثانية، و لكن من جهة اخرى من الممكن ان يكون هذا الواقع المفترض، مدعاة لحرب عالمية اخرى، ولكن هذه الحرب أكثر خطورة من اي حرب شهدتها البشرية، فالإنسان اليوم يملك السلاح بما يساوي اعداد البشر عدة مرات، و عالمنا هذا يملك من اسلحة الدمار الشامل، ما يمكن به تدمير الارض لعدة مرات، في واقع سياسي عالمي يعج بالحمقى و القتلة، ما يثير الرعب لدى القارئ للشأن السياسي العالمي ، وان صدق ما يتوقعه الكثيرون ، عن امكانية ذهاب الولايات المتحدة ذلك المذهب الانعزالي المقصود ، سينتج عنه ما يبدو للوهلة الاولى غير مستحيل فإمكانية دخول أوربا في حرب مع الاتحاد الروسي وسط التعقيدات الاقتصادية و تشابك المصالح بين أوربا و الاتحاد الروسي يجعل هذه النظرية صعبة جدا، و لكن علينا ان لا ننسى التشكي والتباكي الامريكي عن كون الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تتبنى مصاريف حلف الناتو، حيث تدفع الولايات المتحدة 70% من المستحقات لاستمرارية الحلف، و من الارهاصات التي تظهر ذهاب الولايات المتحدة نحو عزلة مقصودة ، عدم اكتراث الولايات المتحدة بما حدث لحلفائها التقليديين في الشرق، كالمملكة السعودية التي تدخلت في اليمن، بعد فوات الاوان تقريبا ، و من ثم ادركت تركيا ذلك ايضا، فاستدار أردوغان استدارته الدرامية نحو روسيا، والناظر اليوم الى المشهد في سوريا يرى ان الولايات المتحدة مستبعدة عن الحل في سوريا، بينما نشهد نشاط تركي وروسي في سوريا و قد تذهب روسيا في سوريا نحو إنشاء عملية توازن بين الشيعة و السنة.
كل هذا يبد وكأن الولايات المتحدة في معزل تام، و تتريث كل من تركيا و دول مجلس التعاون الخليجي ، لتستطلع سلوك الرئيس الامريكي المنتخب، دونالد ترامب، و في حال صدق في ما قاله ترامب ” أثناء حملته الاإنتخابية” حول اولوية محاربة الارهاب، و ان الولايات المتحدة ستذهب نحو العزلة، فإن دول الخليج و تركيا ستذهب الى مذاهب اخرى، و سنجد تشكيلات جديدة من التحالفات الدولية ما سيمهد لخلق واقع عالمي جديد، وربما يدخل العالم في صراع مرير مع ذاته لن تنجوا منه هذه البسيطة، ولنتذكر الهند و باكستان اللتان، تملكان قوة الردع، و اسرائيل ايضا هذا في اسيا، و الشرق الاوسط و سنرى السباق يتسارع نحو امتلاك قوة الردع في العالم باسره، ربما تعتقد الولايات المتحدة انها ستستطيع الحفاظ على خطتها، و تدير العالم دون خروج الامور عن السيطرة، ولكن علمنا التاريخ أن الانسان ليس كائنا ملائكيا و ليس البشر بمخلوقات آلية مبرمجة لا تخطئ، ربما على واضعي السياسة الأمريكية التفكير بذلك التنين الصيني الذي ربما يشركها في الدخول لذلك الصراع و العودة من عزلتها، قبل أوانها حسب مخططاتها، فيضربها في عقر دارها كما فعلت الامبراطورية اليابانية ذلك مسبقا، ما اجبر الولايات المتحدة الخروج من عزلتها قبل أن يتحول العالم الى رماد في الحرب العالمية الثانية، و اجبرها للدخول في الحرب و تقاسمت العالم مع القوى العظمى آنذاك .
هذه العزلة الامريكية اليوم مجازفة قد تضع مصير كوكب الارض باسره على المحك، والذي يخيفنا أكثر غياب الاخلاق السياسية و الانسانية لدى الولايات المتحدة و وغيرها من الدول العظمى و غير العظمى، فقد ظهرت الولايات المتحدة كطليع للانحطاط كما عنون روجيه غرودي في احد كتبه (الولايات المتحدة طليعة الانحطاط) ولكن كل الخوف هو أن ما ينتظر العالم كله، هو ما يحدث للسوريين اليوم .