لماذا لا تحرر تركيا مدينة الباب

د. محمود عباس
  فجأة ودون مقدمات عرض دونالد ترمب مشروعه الذي كان يتحدث عنه في الفترة الانتخابية، بإقامة مناطق أمنة في سوريا، وأمهلت وزارتي الخارجية والدفاع شهر كبداية و90 يوما كنهاية لإنهاء تفاصيل الخطة، كانت مفاجئة من الوزن الثقيل لتركيا قبل روسيا، الحالمة ومنذ بدايات الثورة السورية، وحتى قبل أن تبدأ بدعم الإخوان المسلمين والمنظمات التكفيرية، ومن بعدهم داعش، تقسيم المنطقة الكردية باحتلال مساحات من أراضي سوريا.
  بعد استنفاذ كل الطرق والأساليب مع أمريكا، وعدم تمكنها من إقناعها والأوروبيين برأيها، تحركت نحو روسيا وتنازلت لها، واختلقت نظرية الانقلاب والمساعدة الروسية، والعملية معروفة للجميع.
وكصفقة مفتعلة اجتازت الحدود، بموافقة روسية والمعارضة السورية التكفيرية الضمنية، وسكوت أمريكي، واستلمت جرابلس من داعش، بمخابرة هاتفية، بحجة محاربة الإرهاب، مع ذلك عنونتها العالم عملية اجتياح لأراضي سوريا المدمرة، لذلك لم تتمكن رغم كل التحركات السياسية والدبلوماسية، وتنازلها لإيران في بعض القضايا الاقتصادية، والتخلي عن المعارضة، والسكوت على تدمير حلب، الحصول على موافقة علنية من الدول الكبرى، وبالتالي لم تدرج مطلبها بالمنطقة الآمنة، وخطتها، إلى أروقة هيئة الأمم، وبقيت ولا تزال اجتياح الجيش التركي وبمرافقة شكلية لشريحة من المدنيين السوريين، انتهاكا لأراضي سوريا، واحتلال عسكري. وبسبب عدم قدرتها على إقامة منطقة آمنة قانونية، قامت بتحريض داعش على مواجهة جيشها في مدينة الباب، وتمت التضحية بجنودها والمدنيين في المنطقة.
حافظت تركيا بهذه الطريقة على خطتها، وظهرت على أنها لا تملك القدرة على تحرير المدينة والمنطقة المحيطة بها، متحججة بشراسة مقاومة داعش، وسلامة المدنيين، علما بأنها تقتل يوميا أعداد منهم. وكمقارنة عسكرية، فقد تمكن الجيش العراقي من القضاء على داعش في أحد أصعب محاورها، وهي موصل الغربية، وجيشها لا يعادل جزء من الجيش التركي، والخطة هي بأن تبين للعالم بأن جيشها يحتاج إلى أسناد جوي من دول التحالف ومن روسيا، وهو ما حصل حتى ولو بشكل مقنن، علما بأنها حررت المدينة الأهم استراتيجية من الباب بالنسبة للمنظمة، والتي كانت تمر من خلالها معظم الإمدادات الخارجية البرية القادمة عن طريق موانئ ومطارات تركيا. 
 والأسباب التالية تقف خلف عدم إعطاء الأوامر لمنظمة داعش بإخلاء مدينة الباب:
1- لتبين للعالم بأنها لم تكن على علاقة مع المنظمة، وهي الأن تخسر جنودها، ولا بد من مساعدة دولية رسمية في حربها على داعش في تلك المنطقة، أي اعتراف دولي بخطتها.
2- ترسيخ السيطرة التركية على المنطقة، على أمل الحصول على موافقة مجلس الأمن، تحت حجة جعلها ملجأ للمهاجرين، أي عمليا تستلم الوصاية، بحكم وجود جنودها سلفا في المنطقة، وهنا خطط تعمير سوريا في المستقبل ستؤدي مفعولها، لأنها ستستمر عقوداً، قبل أن يتم تأمين مسكن للمهاجرين الموجودين في المنطقة الآمنة والموجودة تحت سيطرة الجيش التركي، وبالتالي فعلى المنطقة السلام، ستصبح مثلها مثل لواء اسكندرونه.  
3- وبهذه الخطة ستكون قد حصلت على موافقة دولية في حربها على القوات الكردية تحت حجة تدخلها في المنطقة الأمنة المعترفة بها دوليا، ومن السهل لها أن تفتعل مؤامرة وتخلق حرباً بين الكرد وعرب المنطقة، أو المعارضة العربية المسلحة التابعة لها.
مع ذلك ورغم عدم الاعتراف الدولي، أنجزت تركيا الكثير، فكما هو معروف هي الأن تحتل جزءً مما أرادته، وأصبحت الآمرة على المعارضتين السورية السياسية والمسلحة، وعلى الأغلب سيكون هناك حراك أمريكي روسي لجذبها إلى حلفها، فهي تملك موقعا استراتيجيا مهما لربما أهم من الموقع الإيراني، وهنا احتمالية تحركها ثانية: 
  أولاً، بفرض مقترحها على الاهتمام الأمريكي الروسي بالقوة الكردية لمحاربة داعش، علما أنها القوة الوحيدة القابلة والحاضرة لتنفيذ الحرب الأمريكية ضد داعش. 
  والثاني، بعرض مخططها كمشروع لتوسيع المنطقة الآمنة.
 وعندها ستتم عملية تحرير الباب والمناطق المجاورة التي تود السيطرة عليها. لكن ومن جهة أخرى ظهور المعضلة المنبثقة بشكل مفاجئ، خطة دونالد ترمب، الضربة غير المتوقعة، والتي قد تجبر تركيا على إعادة حساباتها، لأن احتمالية أن تكون الخطة موجهة لها بسبب تحالفها مع روسيا، والتلويح بالورقة الكردية كمنطقة فيدرالية أو ذاتية آمنة، أي محمية أمريكياً، إلى جانب ما تم تبريره من قبل إدارة ترمب بأنها ستخفف من الهجرة إلى أوروبا، وتقلل من معاناة الشعب السوري في المخيمات الخارجية.
 لا يستبعد أن تتم دراسة الخطة الأمريكية مع روسيا، أثناء أو بعد انتهاء الوزارتين من تفاصيلها، ففي الواقع الفعلي الاقتراح الروسي من خلال دستور سوريا المعروض تحمل مشروعا مشابهاً، من حيث الكيان الإداري السوري القادم، والطرفين يقدمان مقترحا لمنطقة كردية ذات إدارة ذاتية أو فيدرالية، وهي ما أدت على الأغلب إلى عصبية رئيس وفد سلطة بشار الأسد، في آستانة، وحديثه المخل بالأدب، أمام الإعلام حول الفيدرالية الكردية، ولا شك طريقة كلامه الفاجر عكست على أن الخطة مطروحة على سلطته، ومعروضة كنتيجة مفروغة منها، وهو ما تبين من خلال مسودة الدستور المقترح من الخارجية الروسية، والتي لم يتم رفضها بل دراستها والتعديل فيها.
 وتبقى القضية الكردية، وحراكهم العسكري والسياسي، محور كل التحركات في هذه المنطقة، فمن جهة، المستقبل يبشر بأمل كبير، وهو مرتبط، إلى جانب مصالح الدول الكبرى، بمدى استيعاب الأطراف الكردية لمجريات الأحداث، ودراستها بحنكة، لمواجهة المتربصين بها. والثانية قاتمة، وهي أن الدولتين الكبريين قد يفضلون الدول الإقليمية ومصالحهم الحاضرة على عملية تشكيل كيان كردي. ولا شك هناك من يفتعل الفوضى الجارية في سوريا، ويزيد من عمرها الزمني لغايات، فإما أن ينتظر الكرد إلى أن يقرر المتحكمون بأمر سوريا، وعندها سيتم تقرير مصير المنطقة الكردية ضمن مصير سوريا بشكل عام، وقد لا تكون في صالح القضية. أو على الأطراف الكردية استباق الزمن والعمل معا على نقاط مشتركة؛ والتحرك على الساحتين الداخلية والخارجية بنسق متقارب، ونحن في المجلس الوطني الكردستاني -سوريا نقترح أن نتعامل مع الوضع الجاري وبشراكة متجاوزين الاختلافات، لصالح القضية، لأننا نتوقع الأسوأ في حالتي: الانتظار، أو العمل بشكل انفرادي.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
27/1/2016م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…