د. محمود عباس
2- والاحتمال الأخر، والأقرب من الأول للمطلب الكردي، وتعكس شارعه، وهو الذي تم طرحه على شكل مقترح لدستور إقليم كردستان من قبل المجلس الوطني الكردي، وكان في عمقه جس نبط الشارع، رغم تبرئة المجلس ذاته منه، والادعاء بأنه لم يطرح عليهم بعد. ومن خلال قراءتنا له، فرضت احتمالية ذاتها، وهي أن تكون ورائها نفس القوة التي سمحت للمجلس بحضور مؤتمر آستانة، وبهذه النسبة الهزيلة، والوفد اليتيم، مقارنة بنسبة المعارضة العربية، والتي لا تعكس ولا بأي شكل من الأشكال سوية القضية الكردية، ولا يمكن أن يكونوا ممثلون (مع تقديرنا للشخصيات المدعوة) على سوية شعب نسبتهم كما نقول 15% من الشعوب السورية، ويملكون القوة في منطقتهم، إذا أدرجنا فيها التحويرات التاريخية والديمغرافية على مدى القرن الماضي، والعملية تخلق الشكوك في جدية الدعوة، مثلما تظهر في خفايا عملية عزل ال تف دم. وهذه الفيدرالية، لم تندرج كمصطلح في سياق الدستور، لبعدين، رغم إنها لا تزال في واقع الاحتمالات:
الأول، إرضاء للقوى المعادية لأسم الفيدرالية والنظام اللامركزي، بدءً من المعارضة السورية العروبية، والائتلاف الوطني السوري والمتضمن أعضاء من المجلس الوطني الكردي، إلى القوى الإقليمية المعادية للقضية الكردية أو التي لها يد في طرحه بهذا الشكل.
والثاني، لربما محاولة لتذكير الناس بأنه يختلف عن الفيدرالية المطروحة في مؤتمر رميلان الأول والثاني، والتي انهالت عليها موجات من الانتقادات، ومنها أنها كانت سابقة لوقتها، وعلى الكرد الانتظار إلى أن تنتهي القضية السورية بشكل عام وتتشكل الحكومة المركزية وحينها يمكن الحوار معها على النظام الملائم للمنطقة، علما أن نفسهم الذين خرجوا بهذا النقد قدموا الدستور المتضمن نظام إقليم كردستان سوريا.
واحتمالية أن يكون هذا النموذج مطروحا على طاولة آستانة، ضعيف جداً، وإن طرح في حال حضور الوفد الكردي؛ سيلاقي اعتراضا من جميع الأطراف، ليس فقط، قد يكون المقترح البديل عن النموذج الأول، والتي فيه دور السلطة المركزية أضعف من الحكومة الفيدرالية، وقراراتها الرئيسة، وستحافظ على شخصيتها السياسية والإدارية مقارنة بالاحتمال الأول، بل لأنها فيدرالية كردية بمعظم بنودها. والغريب هنا، أن هذا النموذج أقرب إلى النظام الأمريكي، والأول إلى النظام الروسي، وهذه دلالة على أن الحركة الكردية أدوات بيد الأخرين ولا يملكون قراراتهم، ومن السهل تبديلهم أو مقايضتهم حسب الطلب، بعكس تركيا التي استطاعت ولمصالحها تغيير علاقاتها الاستراتيجية العالمية، ولم تبالي بالضغوطات الأمريكية والأوروبية.
الأجندات والعلاقات السياسية غيرت في المعادلة الكردية مثلما في المراكز، ولا يستبعد أن تكون تركيا وراء هذه اللعبة، كونها الأكثر تضرراً وأكبر القوى المعترضة على هذا النظام، أي نظام إقليم كردستان سوريا، وبعد أن تكون قد تخلصت من القوة الكردية العسكرية المسيطرة على الأرض سيكون من السهل احتضان السياسية وتقزيمها، رغم أن الاحتمال الأول ضعيف، وستظل القوة العسكرية ما دام داعش موجوداً على الساحة الجغرافية، وأمريكا بحاجة إليها لتحارب عنها في المنطقة، لأن احتمالية أن تتخلى تركيا عن علاقتها مع روسيا في الفترة القريبة ضعيفة، لأنها تدرك أنه من السهل للأخيرة المسيطرة على الواقع السوري وضع الكرد بديلا عنها في المنطقة كقوة مساندة، وبذلك ستمنحهم فيدرالية على غرار نموذجها، وعدم تخلي تركيا عن التمسك بالتحالف مع روسيا، ستقلل من احتمالية وضع جيوشها كبديل عن القوة الكردية لمحاربة داعش في الرقة أو في العمق السوري، وبهذه المناسبة فهي تلعب في منطقة الباب أقذر وأخبث أعمالها، فلا هي تطرد داعش من الباب، ولا تنهي الحرب هناك، ولعدة احتمالات، منها:
أولا، رغم أنه بإمكانها إخراج داعش من المدينة بطلب مثلما فعلتها في جرابلس، لكنها تضحي بجنودها، وتبقي على داعش قريبة من حدودها لجلب انتباه الدول الكبرى للعمليات الإرهابية التي تحدث على أراضيها، لكسبها في محاربتها للإرهاب ومن ضمنها القوة الكردية المدرجة ضمن هذه المجموعة، وعلى أساسها ستشوه القضية الكردية في المحافل الدولية وستستمر في محاولة تغيير رأيهم حولها، أي عمليا وتحت غطاء العمال الكردستاني تظهر، الكرد في خانة الإرهاب ضمن تركيا على الأقل، والحكومة التركية كدولة ديمقراطية تحارب الإرهاب، وعلى هذه الاستراتيجية عتمت وتعتم على جرائمها في المدن الكردية وحصلت على الصمت الدولي.
وثانيا، أنها تريد أن تبين للعالم أنها مستمرة في محاربة إرهاب داعش ولا بد لجيشها من البقاء في المنطقة الكردية ضمن سوريا، وغايتها الرئيسة منها فصل المنطقة عن بعضها، الجزيرة عن عفرين.
والثالثة، لتجد لذاتها تبريرا أمام المنظمات العالمية بالبقاء في الأراضي السورية، لتحصل على موافقة دولية حول اجتياحها للأراضي السورية، بعد أن حصلت على موافقة روسية ضمنية ومعظم قوى المعارضة، والغريب هنا أن روسيا ذاتها التي تضرب المعارضة تتفق معها حول الاجتياح التركي للأراضي السورية!
الاحتمالين، حول النظام المقترح للمنطقة المذكورة آنفاً، لا يعكسان حقيقة مطالب الشعب الكردي في سوريا، ونقصها أو قلة إيجابياتها مقارنة بسلبياتها هي نتيجة ضعف، أو لنقل سذاجة طارحيها، وصراع الأحزاب التي تتبنى النظامين، ال تف دم مع المجلس الوطني الكردي، اللذين خلقا شرخا فظيعا بين أطراف الحركة الثقافية، وفي المجتمع الكردي عامة، ونحن هنا لا نتحدث عن ظروف الحرب، ومخلفاتها، بل عن استغلال القوى الإقليمية لسذاجتهما وإدراجهما إلى صراع قذر على سلطة المنطقة، وأجبرتهما على استخدام أساليب رخيصة في التعامل، وبالتالي غابت بينهم الدبلوماسية والحوار والوعي السياسي والوطني. ولا نستبعد بأنه وعلى هذه الدروب في التعامل أن يتم إلغاء مشاريع الطرفين، لأنهما يضعفان اقتراحاتهما بذاتهما ويشاركان الأعداء بشكل أو آخر في تهميش القضية الفيدرالية الكردية، وقد يحتاج هذا المجتمع إلى عقود لإعادة الوئام بينها، أو لالتئام الجرح الذي خلقوه.
مع ذلك لا تزال أمام الحركة الكردية السورية وخاصة الطرفين المذكورين وقتا لتلافي الخسارة، وعدم الضياع، إذا تحرروا ولو جزئياً من إملاءات القوى الإقليمية، وتجاوزا ضعفهما والإملاءات الإقليمية واستطاعوا خلق حوارات جادة على طرحيهما، وبالتالي الاتفاق على النظام البديل، أو بديلا مشتركا عن طرحيهما، تتفق عليه الحركة الكردية، وبشكل مبدئي، ومن المرجح أن يكون المتفق عليه عرض قريب من نظام الإقليم الفيدرالي لجنوب كردستان.
واردة جداً، احتمالية ظهور مواجهة شرسة من قبل القوى الإقليمية والمعارضة العربية السورية ومعها السلطة، مقابل احتمالية كسب الحركة الكردية الرهان في صراعها مع هذه الأطراف أقوى، إذا تفاهمت، وعلى الأغلب ستقف الدول الكبرى، روسيا وأمريكا، معها في حالة التوافق، لأنها على الأقل ستؤدي دورها بشكل أنقى وأقوى في محاربة الإرهاب، ومن المتوقع أن تزيد الإدارة الأمريكية الجديدة دعمها للقوات الكردية، ولربما تطبق طريقة بوش، بفرض تقارب كردي، لتحجيم سريع على منظمة داعش، فهذه ستدعم سياستها الداخلية، وكرسالة مباشرة لتركيا، وهنا على الأطراف الكردية دراسة مجريات الأحداث والمستقبل بدقة، والاقتناع بأنه لا مجال بدون محاولات التحرر من الإملاءات الإقليمية، و إقامة حوارات جادة، والاتفاق على نقاط مشتركة.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
1/17/2016م