خوشناف سليمان
خطة الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب الاقتصادية، تبدو للوهلة الاولى طموحة جدا، ولكن آفاق نجاحها ضئيلة. تتضمن الخطة ضخ أموال ضخمة والحد من زيادة الضرائب وخفض المديونية، وذلك بهدف إنعاش الإقتصاد. لتحقيق ذلك، ينوي ترامب بتبني سياسات الحمائية، التي لا تخلو من مخاطر وتحديات جمة، قد تفضي في نهاية المطاف الى إحتمال بروز أزمة إقتصادية عالمية جديدة. ومما يعزز هذه المخاوف، إعلانه سابقا بإختيار روبرت لايتهايزر مندوبا للتجارة الخارجية، والذي يعتبر من دعاة تعزيز الحمائية. وهو دليل واضح على عزمه بالمضي قدما في تطبيق هذا النهج الصارم في التجارة الخارجية، تنفيذا لوعوده خلال حملته الانتخابية.
الحمائية هي سياسة إقتصادية تهدف الى حماية الإنتاج الوطني من المنافسة الأجنبية، والى تقييد التجارة بين الدول، وتستند الى مجموعة من التدابير الحمائية، مثل رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، وأنظمة اخرى تحد وتقيد من كمياتها؛ وكذلك وضع عراقيل امام الأجانب لمنعهم الولوج او الإستيلاء على الأسواق الداخلية. وقد تجلت هذه النزعة بأسطع صورها في خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وفوز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري، وازدياد شعبية الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة التي تؤمن بالحمائية.
في هذا السياق، قام قسم التحليلات التابع لأحد أكبر البنوك في العالم، سيتي بنك، بنشر دراسة حديثة أجراها خبراءه الإقتصاديون، والتي ترصد الآثار الرئيسية، التي قد تترتب عن سياسات دونالد ترامب. ويعتقدون، ان نقص الخبرة السياسية لدى الرئيس الجديد، ورغبته في إضعاف القطاع المالي ورفع الضوابط عن صناعات معينة، واللجوء الى تطبيق سياسات الحمائية، تحمل في ثناياها عواقب خطيرة، قد تؤدي الى حدوث إختلالات إقتصادية، مثل عجز الموازنة، وزيادة الديون، وإرتفاع أسعار الفائدة، مما يعني تباطؤ وركود الإقتصاد العالمي.
إزدياد الأقتراض
وفقا لتقديرات البنك، فإن برنامج التحفيز المالي في فترة رئاسة دونالد ترامب القادمة، سيؤدي الى زيادة العجز في ميزانية الولايات المتحدة في السنوات العشرة المقبلة، والى تراجع الإيرادات، الذي سيمثل عجز سنوي بمقدار 5.5٪ لميزانية البلاد. ومن المتوقع ان ينعكس ذلك، في الأمد البعيد، في زيادة معدل مديونية الدولة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي لتصل الى 105٪ بحلول نهاية عام 2026.
إرتفاع أسعار الفائدة
ويعتقد الخبراء في سيتي بنك، بأن خطة ترامب، الرامية الى تخفيف الأعمال التجارية، ستؤدي الى إنعاش الإقتصاد وزيادة وتيرة نشاطه في نهاية عام 2017. ومن المتوقع حصول الشركات والأفراد على إعفاء ضريبي جزئي على دخولهم المعلنة، مما سيوفر مزيداً من فرص العمل، وخاصة في قطاع الإنشاء والبناء. وهو أمر سيفضي الى زيادة تدريجية لمعدلات التضخم، مما سيحث بنك الاحتياطي الفيدرالي القيام بتفعيل إجراءات ترمي الى تشديد السياسة النقدية من خلال رفع أسعار الفائدة، وهي مهمة تندرج في قائمة مهام المؤسسة المالية، ألا وهي الحفاظ على معدل تضخم لا يتجاوز نسبة 2 في المئة سنويا.
مخاطر على الاقتصاد العالمي
يخشى الباحثون في سيتي-بنك، أن برنامج دونالد ترامب التجاري، المستند على السياسة الحمائية، سيخلف آثار سيئة للغاية، ليس فقط على إقتصاد الولايات المتحدة، بل على الاقتصاد العالمي بالاجمع. وهم يبررون ذلك بحجة إحتمال نشوب حرب تجارية مع الصين في المقام الاول، حيث تعهد الرئيس الامريكي المنتخب، السعي الى فرض رسوم جمركية بنسبة 45٪ على إستيراد البضائع من العملاق الآسيوي. وفي حال تطبيق هذه النوايا وترجمتها الى قانون ساري المفعول، فأن ذلك سيفضي الى إنخفاض قيمة عملة اليوان وتباطؤ وتيرة النمو بنسبة 0.5 نقطة مئوية. وعلى الأرجح أن يكون رد فعل الصين عنيفا في هذه الحالة، إذ سيضطر بكين الى تبنى سياسات مماثلة لحماية مصالحها التجارية، ولن يكون أمام واشنطن لزيادة صادراتها غير خفض قيمة الدولار لمنح منتجاتها مزايا نسبية أفضل مقارنة بالأسعار المنافسة. وهنا تكمن الطامة الكبرى، لأن المعركة لن تنحصر بين الجانبين فقط، إذ ستمتد حتما إلى إقتصادات البلدان الأخرى كاليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي وإقتصادات البلدان الناشئة وذلك من أجل الحفاظ على حصصها التصديرية في التجارة الدولية. وفي حال إتخاذ الآخرين خطوات حمائية مماثلة، ستزداد الأحوال سوء، وستتعثر عمليات توفير العملة الأجنبية اللازمة لإستيراد المنتجات الأولية أو شبه المصنعة، كما أن غياب المنافسة التجارية سيؤدي بالشركات المحلية الى إستمرار الحصول على الدعم الحكومي، وما يمثل ذلك من عبأ كبير على عجز الميزانية العامة. وبالتالي من المحتمل أن تتراجع معدلات نمو الإنتاج في تلك البلدان بنسبة واحد نقطة مئوية أو أكثر في نهاية عام 2017. كل ذلك سيلحق أضرار جسيمة بالإقتصاد وسيخلف آثار سلبية على أسواق المال وعلى وتائر نمو الناتج الإجمالي للاقتصاد العالمي.