اكرم حسين
-1-
عندما تبنت حركة المجتمع الديمقراطي مصطلح “روج افا” للدلالة على المنطقة الكردية الملحقة بسوريا – كانت تنعتها اغلب ادبيات الاحزاب الكردية السورية – بالجزء الكردستاني الملحق بسوريا او كردستان سوريا – قامت عاصفة من الاستنكار والاستهجان والرفض ، لأن “المصطلح ” لا يعبر عن جوهر القضية الكردية في سوريا كقضية أرض وشعب ، لا بل ذهب البعض الى القول بان “روج افا” كلمة عامة وهلامية ، ولا تشير الى ارض بعينها او شيئ محدد ومحسوس يمكن تلمسه أو تصوره ، فكلمة “روج افا” تعني غرب – كل غرب -ولا تعني مكانا بعينه او ارضا هي للكرد تاريخيا ،
لكن اثناء الحديث كان يربط بين كلمة غرب وكردستان ، لتستخدم على النحو -روجافي كردستان- ووظفت دلاليا بالشكل الذي لا تثير فيه حفيظة الشوفينين العرب والترك ، وكتعبير عن جوهر فلسفة الامة الديمقراطية التي تجد نفسها بديلة عن الدولة “القوموية” التي اثبت التاريخ “فشلها” ، وهي كلمة كردية استخدمت للدلالة على وجود مكون كردي في سوريا له الحق ان يتمتع بحقوقه القومية وان يعيش في دولة تستند الى قيم المواطنة المتساوية ، رغم ان حامل مشروع ” الامة الديمقراطية ” هو من الكرد انفسهم ،وتضحيات الاف الشهداء الكرد الذين فقدوا حياتهم من اجل حلم كردستان !
-2-
الان وبعد كل هذا الزمن من استخدام مصطلح “روج افا ” في إشارة الى المنطقة الكردية ، في الاعلام المحلي والاقليمي والدولي ، لا بل الى تعامل وقبول السكان المحليين والكرد انفسهم به ، تفأجئ الجميع بتغيير فيدرالية “روج افا- شمال سوريا” الى “فدرالية شمال سورية “، رغم تحفظ اطراف مهمة وشخصيات وطنية من المجلس التأسيسي على حذف كلمة ” روج افا” من التسمية ، لينهي بذلك علاقته بالمكان التاريخي للكرد ولو على صعيد الدلالة ، ولتنضم هذه الخطوة الى ما حصل من تغيير ديمغرافي للمنطقة الكردية بسبب الهجرة التي تعددت اسبابها ، من الهروب من جحيم الحرب الى العيش في النعيم الاوربي ، او الاستقرار والعيش الامن ، في الوقت الذي هاجر فيه معظم الشباب اما طلبا للعلم او العمل او خوفا من التجنيد الاجباري ، الذي فرضته الادارة الذاتية ، في حين أن البعض الاخر هاجر بسبب النزاع القائم بين تف دم والمجلس الكردي ، والذي يبدو بان نهايته ليست في صالح الشعب الكردي
-3-
ان تغيير الاسم قد خلق شرخا وانقساما في الشارع الكردي ، وخاصة بين انصار تف دم انفسهم ، لان هؤلاء انضموا و انخرطوا في الحرب الدائرة ، دفاعا عن ارضهم ووطنهم كردستان ، وسقطوا شهداء من اجل ان يحظى ابناء الشعب الكردي بالحرية والكرامة، لا من اجل أي شيئ اخر.
-4-
يبدو بان تغيير اسم الفدرالية هو من تداعيات الاتفاق الروسي – التركي الذي خلق موازيين جديدة ، وغير قواعد اللعبة، بعد أن سحبت تركيا يدها من المعارضة المسلحة في حلب ، مقابل منع قيام أي كيان كردي ، وتحت اية مسميات على حدودها الجنوبية ، على غرار ما تم في لوزان 1923 ، عندما الغيت معاهدة سيفر 1920 التي اقرت باستقلال كردستان ، وبذلك اغتيل حلم اقامة دولة كردستان المستقلة في كل من تركيا والعراق ، والسؤال هل نشهد لوزان 2 ؟
-5-
قد يقول البعض انها السياسة التي فرضت موازينها القوى والاتفاقيات الاخيرة، وكما تم حذف مصطلح “روج افا” سيتم استعادته ، عندما تتغير الظروف والاوضاع ، لكني اقول قد يكون ذلك صحيحا ، لكن قضايا الشعوب وحقوقها غير قابلة للتغيير او التعديل ، بغض النظر عن موازيين القوى والامكانيات المتاحة او وجود داعمين حقيقين .
-6-
هل نحن امام ظروف واوضاع شبيهة لما قامت به الدول الكبرى من غدر لثورة الملا مصطفى البارزاني عام 1975 حين عقدت اتفاقية الجزائر بين صدام حسين والشاه الايراني ، لان الادارة الناشئة رغم كل المأخذ عليها ، ووصفها من قبل البعض باللا كردية ، كانت تؤسس لوجود كردي ما ، نظراً لما قامت به ، من اعمال مثل اعادة اسماء القرى والبلدات الكردية وتدريس اللغة الكردية في المدارس وبناء مؤسسات عسكرية ومدنية ، تؤكد واقعيا الفرضية الكردية للإدارة الذاتية ، والتي كانت تتقدم باتجاه المزيد من الممارسات الكردية التي غيبتها الانظمة المتعاقبة ، اذاً نحن نشهد غدراُ للتاريخ واستعادة لماضيه، فهل يتحقق ما يطمح اليه البعض من غلاة الشوفينين؟
-7-
الشعب الكردي اليوم بين مطرقة الاتحاد الديمقراطي وسندان المجلس الوطني الذي يؤكد على مشروعه القومي سياسيا ، ويستند الى دعم الرئيس مسعود البارزاني الذي يحاول ان يحول اقليم كردستان العراق الى دولة كردية مستقلة ، تحظى بالاعتراف الاقليمي والدولي .
-8-
كردستان سوريا حقيقية تاريخية وحياتية ، وفي وجدان كل كردي سوري ، مهما كان اتجاهه السياسي او الحزبي ، ولن تتغير حقيقة كردستان مهما حاول البعض طمسها او تغييبها لانها قضية شعب يعيش على ارضه التاريخية.