لغة الخطاب السياسي (بصمة ثقافية)

محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
ديرك: 17/12/2016
 
نضطر دوما إلى التذكير بما يفترض أنه من الأبجدية لدى الذين يتعاملون مع التعبير الثقافي
لكننا نفاجأ أن كثيرين لا يزالون يهملونها –او ربما لا يعرفونها.
فالمرء عندما يضع القلم بين أصابعه، او يضع أصابعه على الكيبورد-يعلن تلقائيا، أنه دخل عالم التعبير الثقافي –إذا صح التعبير-. وأبرز ملامح هذا التعبير او أداته هو” الكتابة”.
فالكتابة هي –كما قال قدماء “قيد” في سياق مقولة عامة تقول: “القراءة صيد والكتابة قيد”.
الكتابة هي تعبير احترافي، يفترض انه يحسن اختيار الأفكار التي هي مخزنة في الذاكرة والذهنية بما يتلاءم مع الغرض منها. ومنه توصيل أفكار معينة تتصل بموضوعات معينة.
هنا لا بد أن نتذكر أن مستوى التعبير يختلف وفقا لمستوى الذي يكتب، معرفة واتقانا ودقة… ومستوى الفهم أيضا يختلف وفقا لمستوى امتلاك مفاتيح الفهم من الكلمات والمعاني والدلالات الدقيقة لها …وهذه جميعا ناتج ما يبذله المرء من جهود للتعمق في الفهم واكتساب مَلَكة التعبير، وللموهبة دورها –او لنقل وللذكاء دورها-فالذكاء قد يوفّر الموهبة، وكلاهما فطري–كما ترجّح نتائج بحوث علم النفس.
مطلوب في هذه الحالة أن يبذل الكاتب الذي ارتقى بنفسه في القدرة الاحترافية فملك ناصية اللغة، واختزن الكثير من المفاهيم والمصطلحات وسبك التعبير…الخ. أن  يبذل جهدا لتحديد الفئة التي يكتب لها بشكل عام. وفي حال كونها من الشباب او ذوي المقدرة المحدودة، فيجاهد في تسهيل  لغة خطابه (مستوى تعبيره) ليقترب من مستوى قدرتهم على الفهم. على الرغم من أنها مهمة ليست سهلة. فالانزلاق من سوية ما عليه الكاتب بشكل طبيعي أصبح ملكة لديه، إلى سوية بأسلوب اصطناعي متكلف يفقد منهجه في التعبير طبيعته وسلاسته. لكن الضرورة لها أحكام.
ففي ظروف كثرت فيها المعرفة السطحية، وتوفرت لها وسائل النشر والتفاعل مع المكتوب بلا كفاءة … يضطر الكاتب أن يأخذ هذا الواقع بالاعتبار عندما يضطر لمخاطبة هذه الفئات والشرائح…
من ناحية أخرى، مطلوب ممن ينتمي إلى هذه الفئات والشرائح أيضا أن يجاهدوا للارتقاء بأنفسهم بالقراءة واكتساب الخبرة فيها وفي فهمها وفي التعبير –في حال اعتماده-. 
هذه قضية قديمة /جديدة. ففي العهد العباسي كان شاعران هما: أبو تمام والبحتري. فكان شعر الثاني(البحتري) ينتشر بين عامة الناس سريعا، بينما شعر الأول (أبو تمام) يقتصر على المثقفين الكبار. ويشكو العامة من مشقة فهمه. حتى لقد سأله بعضهم قائلا: لماذا لا نفهم ما تقول؟!  فرد قائلا: لماذا لا تفهمون ما أقول؟!
وأتذكر أن هذا التساؤل تجدد في البرنامج الأسبوعي للمرحوم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وأظنه “حديث الأربعاء” او اسم شبيه مع التذكير أن كتابا للمرحوم (طه حسين) أيضا يحمل اسما شبيها. حينها قال الدكتور: أحاول أن أجاهد لتبسيط الشرح، وأرجو أن تجاهدوا لتفهموه. فنلتقي في وسط الدرب كما يقال.
هذه المشكلة تصبح أكثر تعقيدا عندما يتعلق الأمر بعلوم إنسانية (علم الاجتماع، علم السياسية، علم الأخلاق…).
ببساطة لأن هذه لعلوم تتناول قضايا ذات صلة بإنسان عاقل حر، فهي قابلة باستمرار للتغير والحركية-ان صح التعبير-مما يجعل ضبط مفاهيمها وما تحمل من معان أصعب، وبالتالي صعوبة الفهم وفق سوية واحدة لدى الجميع .
بخلاف العلوم الطبيعية (الفيزياء والكيمياء وعلم الحياء …) فمفاهيمها محددة وثابتة، وتصبح سهلة وواضحة لمن يفهمها. وفي العلوم المجردة كالرياضيات والفيزياء الرياضية. فمثلا: الفهم واحد لدى جميع من يعرف العلاقة التالية: 7×2=14.
لكن بعدد من يكون، يحضر الاختلاف  في مفاهيم “الديموقراطية” و”الحرية” و”الحقوق ” و” والواجبات”و”الليبرالية” و”العولمة”…الخ. 
هذا على مستوى المعرفة. 
فما بالك على مستوى دور الذاتية (العامل الشخصي) للفرد من ميول ومواقف ومصالح …
لذلك سنحاول التطرق إلى منهج التعبير ونتائج السير فيه (مع مراعاة الاختلاف من شخص لآخر) خاصة فيما يتعلق بلغة التعبير في ميدان السياسة. 
ونذكّر بأن الجانب المعرفي/ النظري (الفكري) يختلف. فلا يتطابق بالضرورة مع الجانب العملي(التطبيقي).
باختصار ليس المثقف بالضرورة سياسي ميداني ناجح.
لكن من المهم أن يكون الذي يمارس أدوارا قيادية في السياسة مثقفا. فان لم يكن كذلك ،فان سويته المتخلفة تنعكس سلبا على سوية الوعي العام للقضايا السياسية التي يقودها، و على أبعادها الإبداعية المنتجة.
………………………………………
يُتبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…