ماجد ع محمد
الثائر الحقيقي هو من يُقاتل بعيداً عن المدنيين وليس بين ظهرانيهم
مع أن الاتفاق حول خروج المقاتلين من حلب هو بدايةً جاء عقب لقاءات متتالية في أنقرة بين تركيا وروسيا وبعض الفصائل المقربة من تركيا قبل أن يتم التوقيع المباشر على أرض الواقع من قبل أحد أطراف المعارضة المسلحة والنظام بإشرافٍ مباشر من الروس، حيث وقّع على الاتفاق رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في حلب اللواء زيد صالح، والعماد الروسي فلاديمير سامنتشنكو، فيما الطرف المفاوض من قبل النظام فهو الشيخ عمر الرحمون، مقابل المفاوض عن قوات المعارضة “الفاروق” وهو مسؤول التفاوض عن مجلس قيادة حلب، وبحسب صحيفة عنب بلدي، فإن الشيخ عمر الرحمون يحمل شهادة ماجستير في الشريعة الإسلامية ونشط في الحراك الثوري والمسلح، وهو من أسّس حركة “أحرار الصوفية” في محافظة حماة مطلع الثورة، كما أنه شقيق سامي الرحمون (أبو العلمين)، قائد كتائب “أبو العلمين” في “الجيش الحر” سابقًا وهو حالياً قيادي عسكري في جبهة فتح الشام.
فهذه هي الحقيقة التي نشرتها الكثير من وسائل الإعلام، إلا أن المعنيون بتشويه وعي الناس ربما يغيروا أبطال الحكاية كلها، وقد يسعون جاهدين بعد أيام لإخفاء تراتيل الإتفاقية ومعدها، ومخرجها، وراعيها المقيم في أنقرة، لذا ولكي يتم لهم ذلك فيلزم جنود الإعلام المضلل قصة أخرى يختلقونها أو يسعون لخلقها حتى تشد الأنظار إليها عوضاً عن الطامة الكبرى، وحتى يتم بذلك نسيان الاتفاقية ومن وقع عليها لكي يُبرئوا ساحة كل من ساهم فيها من خلال التشبث والتعلق بشيء آخر من بنات أفكارهم.
لذا فمن غير المستغرب أن يقوم بعض النشطاء والإعلاميون في الأيام القادمة بنشر قصص وأكاذيب واهية تتعلق بدور الكرد في تسليم حلب، علماً أن الطرف الكردي الممثل بوحدات الحماية الشعبية لم يكن يعلم بشيء عن كل طبخة التفاوض التركية الروسية، ومن ثم الروسية الأسدية المتعلقة بتسليم المدينة، إلا أن النشطاء الذين انتقلوا من حب الأسد ومديحه إلى مديح غيره خلال شهور، فربما حباً بالمعبود الجديد وإبعاداً لمسؤوليته عما آلت إليها الأوضاع في سوريا لن يدخروا جهداً في البحث عن متهم جديد في كل ما جرى ويجري في حلب، حتى يبرئوا ساحة حبيبهم الذي استوطن قلوبهم وبلمح البصر حل محل الأسد على عرش الأفئدة، إذ أنهم في هذا الخصوص قد لا يجدوا غير الكرد كأضعف حلقة، وكجهة مكروهة أيضاً من لدن معبودهم الجديد عوضاً عن معبودهم (أسدهم) السابق.
ومع أن العقل والمنطق يقول بأنه إذا ما أصاب المرء مكروهاً من حيث يدري أو لا تدري فعليه قبل أن يتهم الذين حوله، وقبل أن يحمّل الجيران أو العالم أجمع تبعات ما حصل له، عليه بادئ ذي بدء أن يلتفت إلى نفسه حتى يدرك السبب الذي حال دون نجاحه، ويدرك الأسباب الحقيقية وراء تقهقره، وإذا ما أخفق في مشرعٍ ما فقبل أن يتهم البشرية كلها بالإخفاق، عليه أن يعود إلى نفسه، يحاكمها، يراجعها حتى يدرك السبب الرئيس لمصابه الجلل، ومن بين الأطراف الرئيسية لسقوط حلب فقد أورد الكاتب عبدو خليل في مقالة له تحت عنوان”حلب وسقوط المرجعيات الثورية” (بأن سقوط الأحياء الشرقية بحلب هو ليس سوى سقوط للمرجعيات السلفية والجهادية، وأن سيطرة النظام لم تكن لتتم لولا رفضها المضمر لتلك المجاميع التي لم تمتلك مشروعاً مقنعاً يليق بتلك المدينة الضاربة في أعماق التاريخ، وأن تلك المعادلة أدركها النظام جيداً منذ ثمانينات القرن الماضي، وعلى المعارضة السورية اليوم أن تتعلم هذا الدرس أيضاً) ولكن مافائدة العبرة للمعارضة بعد تدمير المدينة وتهجير ناسها وقتل الآلاف من أبنائها العُزّل، بغض النظر عن إجرام النظام أو وحشيته؟.
كما وكأن الدول الخليجية أيضاً كانت على علم ودراية مسبقة بكل ما سيجري بحلب لأنه وفق تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي الأخير في دبي الذي جاء تحت عنوان استشـــــــــــراف التحديات ورسم خريطة الاستقرار في 14 من الشهر الجاري، حيث توقع التقرير “أن يستعيد نظام الأسد شرعيته وذلك بفضل استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية تمتد من دمشق إلى حلب، وأن وضع النظام سيكون في وضع أفضل يمكنه استعادة السيطرة على الجزء الغربي من البلاد، ويرى التقرير عن حالة العالم 2017 أنه رغم إصرار المجتمع الدولي على استخدام القوة العسكرية والسياسية لإجبار نظام الأسد على تشارك السلطة، إلا أن القوى الدولية حسب التقرير ستُدرك بأن الحكومة السورية تمثل السلطة الصالحة الوحيدة المتبقية في الدولة”
وبناءً على هذه المعطيات وتلك وللعمل على تضليل الناس، فمن غير المستغرب إطلاقاً أن يستعين محبو السلطان بنظرية غوبلز القائمة على توجيه الأنظار إلى أماكن أخرى، وذلك باختلاق عدو جديد حتى يبرئوا ساحة قادة الفصائل الذين وقعوا على الاتفاق مع الروس والنظام، وكذلك لتبرئه ساحة بطلهم الجديد من تبعات ما حصل بحلب، وهو ما كان قد باشر به الصحفي فداء عيتاني في مادته المعنونة بـ: الوداع أصدقائي في حلب، حيث يكتب هذا الشخص متباكياً على أهالي حلب وهو يقول: “آلاف غادروا الى مناطق النظام، بل عشرات الالاف، ومثلهم الى مناطق الاكراد، ومن هنا وهناك يصل الحديث والمعلومات عن اعتقال مئات النسوة من قبل ميليشيات، واخذهن الى جهات مجهولة، البعض من الميليشيات يتحدث عن نساء مستعبدات كونهن من سبايا الحرب، السبايا هنا لسن بالمعنى الديني، هن مجرد رق جديد سيفترسه مقاتلون من الاكراد وميليشيات النظام” علماً أن الكثير من الاخوة العرب الذين التجئوا الى مناطق نفوذ وحدات الحماية الشعبية وبناءً على عشرات التقارير المرئية والمكتوبة بينوا بأنهم أكثر تقديراً واحتراماً هناك من أغلب مناطق نفوذ الفصائل الاسلامية المتطرفة في سوريا!!!.
لذا فوفقاً للأفكار التي ترعرع عليها الآلاف من خريجي مدرسة ميشيل عفلق صاحب عقلية تذويب كل الهويات الاثنية في بوتقة القومية العربية، وانتقال فريقٍ منهم إلى مدرسة المسيحي الآخر عزمي بشارة القريبة من مدرسة العفالقة، والذي يقول عن صاحبها الكاتب أحمد أبو دقة بأن عزمي بشارة (كمفكر عربي يسعى لبناء مجتمع عربي بطابع ليبرالي مع ضمان إذابة تأثير الطوائف الدينية على حركة هذا المجتمع وإنتاجه). لذا فبناءً على المدارس المذكورة أعلاه وبناءً على الصور الذهنية المشوهة للآخر في أذهان هؤلاء الصحفيين والنشطاء، نقول بأنه عقب تقهقر الفصائل العسكرية في حلب بعد اتفاقهم المعلن مع الروس والنظام، وللحفاظ على الصورة الطاهرة للسلطان الجديد وإبعادها عن كل ما جرى في تلك المدينة المنكوبة، وبما أنه بحسب الاتفاق الأخير فإن المقاتلون سينتقلون إلى إدلب بالحافلات كما كان الحال مع ثوار داريا، وبما أن أمثال العيتاني بالمئات وليسوا بالعشرات، لذا وقبل أن تصبح منطقة عفرين كوباني ثانية بعد أن يتم تجميع كل الفصائل العسكرية بمعية ممولي الدول الاقليمية في محافظة إدلب، وقبل أن يقوم جيشٌ من النشطاء الأفاكين بخلق أكاذيبهم عن الكرد الكفرة، ومن ثم يقوموا بتحريض الكتائب التي خرجت متقهقرة من حلب والتي قد تكون بأمس الحاجة لإعادة الثقة بالنفس وكذلك استعادةً لماء الوجه الذي فقدوه في حلب، فقد يكونوا بحاجة ماسة لانتصار ما، في مكانٍ ما، ولو كان انتصاراً وهمياً، وذلك عبر تحريضهم ودفعهم لغزو الكفرة الكرد في عفرين، طالماً أن الكفرة العرب في القرداحة وقاسيون بعيدون عن أسنانهم.
والسؤال فيا ترى إذا ما اعتبرنا سلفاً بأن حزب الاتحاد الديمقراطي هو عطّار سياسي ومجرد بياع متنقل أي بياع (جنته) فهل في جعبة باقي أطياف الحركة الكردية في سوريا، وتحديداً المجلس الوطني الكردي شيئا ليفعلوه من أجل وقاية عفرين من المخاطر المحدقة بها قبل أن يقع الفأس بالرأس؟