إبراهيم اليوسف
جاءت الدعوة الروسية التي وجهت للأحزاب الكردية لحضور لقاء حميميم، كي تكشف، مرة أخرى، عن هزال دور الكثيرين من المثقفين الكرد الذين ظلوا صامتين- في الغالب- إلا ذلك النمط الذي بات يكتب انتصاراً لرأي هذه الجهة السياسية، أو نقيضتها، انطلاقاً من خطاب عاطفي، أو أيديولوجي، حزبي. وإن في إطار محاولة إعادة إنتاج لخطابه بطريقة لا شأن لها بالدور المنوط بالخطاب الثقافي، والدور المعول على المثقف.
بعيداً عن تخندقات المصالح. سواء بالنسبة للمجلس الوطني الكردي الذي ينضم إلى أحد الواجهات المصطنعة إقليمياً، وخليجياً، وعربياً، وأوربياً، بل وأمريكياً- من جهة- وهو: الائتلاف.
والطرف الآخر المقابل: ب ي د والأحزاب الميكروسكوبية الدائرة في فلكه علانية أو مواءمة- من جهة أخرى ولها نظيراتها لدى المجلس أيضاً- ناهيك عمن هم خارج الإطارين، على مختلف أشكال بعدها أو قربها من هذا الطرف أو ذاك، فإننا لم نلمس أي خطاب ثقافي، عميق، مقْنع، يقدم رؤاه، من موقعه غير المباشر، على اعتبار أنه- في زمن الحرب- تسقط ثقافة النأي بالنفس المزعومة. هذه الثقافة التي لا تفسير لها، ولا تصنيف لها، إلا ضمن دائرة واحدة هي انتهازية ممارسها: مثقفاً كان أو شبه مثقف، في زمن ذروة صعود الأشباه والأدعياء، في الميادين كافة. ومنها ميدانا: الثقافة والإعلام..!.
وإذا كان هناك الآن ثمة موقفان متناقضان، أحدهما مع تلبية الدعوة والآخر مع رفضها، فإن هذين الموقفين لا يمكن النظر إليهما على أنهما طارئين، أو جديدين. بل هما نتاج موقف كل طرف منهما، على حدة، مما يدور في سوريا-تحديداً- إذ إن كل طرف منهما قد حسم خياره، وإن كان الاتحاد الديمقراطي، وكما قلت عنه، ذات مرة، في لقاء تلفزيوني، قبل أربعة أعوام، وفي مواجهة من اتهمه بتبعيته -آنذاك للنظام- وكان هذا التنظيم يرفض الاعتراف -آنئذ- بأي تفاهم بينه والنظام: إنه ينطلق من مصالحه، فحسب..!. أي إنه لا يتخذ مواقفه على قاعدة الانطلاق من استراتيجية ما. وقد أكدت مجريات سياساته في المنطقة ذلك، على نحو جلي، بالرغم من عدم الرضى عن الأطراف التي ربط مصيره بها..!.
كما أنه من الخطأ أن ينظر إلى موقف أحزاب المجلس الوطني الكردي، من خلال وجوده في الائتلاف، الهش، المتداعي، المنفرط، الذي تم فرض بعض الأشخاص الأوَّل عليه، ممن لا تاريخ مشرفاً لهم، في مواجهة النظام. بل إن كثيرين جداً، من بينهم، لم تختلف رؤاهم عن سلوكيات واستبداد النظام، قيد شعرة. ولم يكن لهم من خلاف معه، إلا على الامتيازات التي استحصلها، هذا الأنموذج، من خلال لصوصياته، واعتياشاته، على حساب دماء السوريين، ولا جرأة لأحد من فضائه على كشف الملف المالي لواجهات المعارضة- بوضوح- أمام أبناء الشعب السوري، بعد حوالي ست سنوات من عمر الثورة، وبعد أكثر من أربع سنوات من تأسيس الائتلاف..!.
لن أندهش البتة، ألا تكون هناك لدينا مراكز دراسات استراتيجة كردية” غير حزبية” تقدم خلاصات، ورؤى، لمسيرة شعب وبلد ووطن، بعد بضع سنوات مرت، وذلك، لأنه، لم نكلف أنفسنا، بتقويمنا لانتفاضة12 آذار2004، ولم نتناول الدروس والعبر التي قدمتها لنا. كما أن الإرشيف الضخم الذي تناول يوميات هذه الانتفاضة، وماتلتها من وقائع، لم يؤرشف كردياً. بينما يمكن الآن، الحصول على الكثير من يوميات ثورة الشيخ سعيد بيران1925 من بعض المراكز المعنية، وفي هذا ما ينم عن أن العمل السياسي لدينا ظل في إطار ظروف ولادته.
لقد كان حرياً بمثل هذه المراكز أن تضع- وبحيادية- تفاصيل لوحة الواقع أمام أيدي المعنيين، فيما لو كانت لدى هؤلاء-أي المعنيين- المقدرة، على قراءة هذه التفاصيل، واستنباط الدروس منها، لئلا يكون الموقف السياسي من قبلهم اعتباطياً. وما حدث هو- العكس – إذ إن الحزب الكردي- وأعني الطرفين المتناقضين- هرولا، في أول خطوة لهما، في سبيل نقل فيروس خلافهما المستعصي إلى-المثقفين- و فرض وتكريس شرذمتهم. وفي هذا الكثير من الدلالات التي يمكن استقراؤها، ومعرفة أسبابها.
إن فيرسة السياسي للمثقف بعدواه، والعمل على جعله تابعاً، من خلال تقديم إغراءات ومكاسب خاصة له-إن وقف إلى جانبه- وفي واقعنا النقابي ما يؤكد ذلك. همش دور المثقف، بل قزمه، وجعله تابعاً، طالما أنه يقبل بأعطياته، ومكارمه، سواء أكان وسيطاً في دفعها له- بالقطارة- أو مالك خزنة، أو صاحب مائدة، متأسسة على مائدة أخرى، هي: مائدة دم أهله.!.
ربما يقول قائل: أو يحتاج السياسي إلى معرفة ما قامت به روسيا، من دور سلبي، في هدر دماء السوريين. إذ إنها لم تتدخل-في بدايات الثورة- على نحو ميداني علني فاضح- بالرغم من فيتواتها – نتيجة هزالها، الذي تبع مرحلة انهيار الاتحاد السوفياتي السابق. وإنما فعلت ذلك، بعد صعود التواطؤ الأممي. ونذكر هنا الخطوط الحمراء المزعومة لكل من: أوباما- أردوغان التي كانت أحد أسباب استكمال- حالة الاستدباب لدى بوتين ونظامه، بالإضافة إلى التفاهمات المخفية بين روسيا وأمريكا وأوربا عموماً..!.
لابد من معرفة إن غياب الكرد عن أي محفل هو خطأ كبير وفادح، ولكن روسيا، لا يمكن لها أن تغامر بالنظام، أو تعيد النظر في سياساتها، تجاه الكرد. هذا على ضوء تاريخها، وممارساتها، حتى الآن. لذلك، فإنها طرف مشكوك في ذمته. بل إن أيدي قادتها ملطخة بدماء السوريين. ناهيك عن أنها غير صادقة، حتى في حربها على الإرهاب، والتكفيريين، الراديكاليين. إذ إن الرقة معقل داعش. معقل الإرهاب، وكان حرياً بها التخلص من داعش من هذا المهاد. ناهيك عن أن كل هذا الخراب الذي ألحقته- بحلب- والذي يصل إلى مرحلة ما بعد الوحشية- من خلال استهداف المدنيين الأبرياء- يجعلها طرفاً لا يقل سوءاً عن داعش، والنظام، وماهي إلا صاحبة-بالونات اختبار- غير مسؤولة.
كما أن ما يجعل نية هذا الطرف إركاعاً للكردي، وتشويهاً لصفحته، والقطع بينه والسوري- على نحو نهائي- قبل إجراء أية تسوية فعلية، هو أنها تدعو لهذا للقاء، في عقر دار النظام، ومعقله الرمزي. لا في موسكو، بل وبغياب تام، للأطراف الدولية، ومن دون ورقة عمل واضحة.
مؤكد، أن الكثير من أطراف المعارضة السورية التي تتنكر لحقوق الكرد، هي من تدفع الكردي إلى التفكير بالقطيعة. ضمن إطار حقه الشرعي الذي تستكثره عليه، أصلا. وما تهديدات المدعو ميشيل كيلو الذي بات يدعو-الآن- ومن خلال بعض الوجوه السياحية- إلى تشكيل بديل آخر للمعارضة عساه يحقق من خلاله مالم يحققه من خلال كتلته وحضوره المزورين في الائتلاف على شاكلة قوى الأخوان المسلمين التي شرعنت تزوير الكتل، وكان الكردي الأكثر جهلاً في هذه اللعبة. ما تهديداته إلا الوجه المفضوح للعداء الشوفيني لوجود الكردي مالم يقبل امحاءه، وعدميته، على حساب خصوصيته….!.