أحمـــــد قاســــــم
المرحلة التي وصلت إليها سوريا وشعبها مفصلية, تحتاج إلى قرار شجاع من خلال مراجعة الذات وتحديد المسؤوليات. فلما كانت الثورة سلمية, والشوارع ممتلئة بالجماهير الغفيرة تُعْلى أصواتها من الحناجر, تنادي بالحرية والكرامة, إلى أن سميت الثورة بثورة ” الحرية والكرامة “, كانت الآمال معقودة عليها بالإنتصار. لكن ومنذ أن تحولت المظاهرات وانطلاقاتها العفوية إلى الجوامع, وتبنى الكثير من ” الناشطين ” شعارات إسلاموية, كنا نتخوف من أن تتحول الثورة من ثورة الجماهير الشعبية إلى صراع طائفي بغيض, وبالتالي تتحول الثورة السلمية إلى حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس. وكان النظام يسعى في ذلك من أجل إنقاذ نفسه من السقوط.
لقد تسرعت القوى الإسلامية من الداخل ومن الخارج في العمل من أجل السيطرة على الشارع من خلال بث روح الفتنة الطائفية بالتوازي مع إعلام النظام الذي أخذ أيضاً ذلك المنحى الخطير, ظناً منها ( أي القوى الإسلامية ) أن النظام سينهار في غضون أسابيع أو أشهر, لذلك حاولت أن تجهز نفسها للسيطرة على الحكم من جهة, ومن جهة أخرى لعبت دوراً قذراً في زرع بذورالفتنة بين المعارضة الوطنية الديمقراطية لتفتيتها وإضعافها لتكون عاجزة عن أن تكون بديلاً للنظام في حال سقوطه. وهذا ما كان يسعى إليه النظام أيضاً, كونه يعلم مسبقاً بأن المجتمع الدولي سيرفض البديل الإسلامي, وسيسحب دعمه للمعارضة عند تأكيده بأن بديل النظام في حال سقوطه ستكون القوى الإسلامية المتطرفة, وخاصة بعد أن تشكلت قوى مسلحة تحت مسميات إسلامية متعددة, وحصلت تلك القوى الدعم المفتوح من العديد من الدول, مما أدى إلى إضعاف المعارضة الديمقراطية التي واجهت هجمات قوات النظام من جهة, ومن جهة كانت مواجهة المتطرفين الإرهابيين الإسلاميين أخطر وأصعب.
لقد وقع الشعب السوري ومعارضي النظام بين نارين لايمكن إخمادهما, فأدى ذلك إلى تراجع القوى الديمقراطية وتفكيكها لتبقى الساحة مفتوحة للنظام ولتلك القوى الإرهابية التي كان لحزب الإخوان المسلمين دور في تواجدها أيضاً, ظناً منه, على أن الشعب السوري, وكذلك المجتمع الدولي سيختار حزب الإخوان ليتولى الحكم بعد إسقاط النظام خوفاً من إستلام الإسلام المتطرف.
وما حصل خلال ما يقارب ستة سنوات, علينا أن نراجع كل فصول الحرب وأسبابها وآلياتها ومآربها ومشاربها, لنتمكن من تصحيح المسار وإنقاذ البلد من الهاوية. فالعصابات الإسلاموية لن تتخلى عن السلاح, والقوى الديمقراطية عاجزة عن المواجهة المسلحة. والنظام مصر على الحل العسكري, فلا يمكن أن ينتهي الإرهاب والنظام باقٍ.
علينا مواجهة الواقع بآلامه ومخاطره من خلال مناشدة صادقة لمن تبقى من أصحاب الضمائر الحية ليلتقوا تحت سقف واحد من أجل مراجعة ومناقشة كل ما حصل في سوريا ومن أجل إيجاد حلول ناجعة للكارثة التي حلت بالبلاد.
إن الطائفية البغيضة التي لعبت دورها التدميري يجب مناهضتها بكل الأشكال, كونها كانت السلاح ذو حدين تقتل المعارضة الديمقراطية من جهة وتناصر الإستبداد من جهة أخرى. فكل ظاهرة دينية يجب الإبتعاد عنها ومحاربتها بكل السبل, حيث أن الشعب السوري ليس سنياً وشيعياً فقط, بل إنه درزي وإيزيدي ومسيحي واسماعيلي ووووالخ. وكذلك ليس عربياً فقط, فهو عربي وكوردي وآشوري وكلداني وأرمني و شركزي وتركماني … فإن ترك الصراع بين السنة والشيعة أو بين قومية وأخرى على الحكم يعني تدمير سوريا وشعبها كما يحصل اليوم. فلا بد من مخرج ننهي هذا الصراع المخيف والمدمر. علينا أن نعلن جهاراً نهاراً عن رفضنا لكل قوة تحمل راية دينية ومذهبية. ولا نقبل راية إلا الراية السورية التي تتمثل بعلم الثورة, وكذلك نرفض الأشكال والزي الذي يشير إلى مذهب أو عقيدة. فإما أن نكون سوريين ندافع عن حقيقة شعب سوريا أو لانكون.
المرحلة صعبة, والمستقبل مخيف, وفي كلا الحالتين, إن انتصر النظام وعاد إلى سيطرته الكاملة من خلال القضاء على المعارضة سينتقم من كل ظاهرة تدعو إلى الديمقراطية ليجعل من سوريا سجناً خانقاً, وإن سقط النظام ونحن في هذه الحالة علينا أن نعلم بأن أسوأ من دواعش حاضرة لتسلم الحكم لطالما المعارضة الديمقراطية مشتتة.
دعوة صادقة من الضمير أدعو السوريون أمام مسؤولياتهم التاريخية.
———————-
6/12/2016