عناوين ومضامين

  ابن الجزيرة
ibneljezire@maktoob.com  

عندما يريد المرء أن يطلق اسما على احد أبنائه فإنه – عادة—يختار اسما لأحد أجداده غالبا في شرقنا العاطفي جدا..وقد يختار اسم أحد القواد أو العلماء أو الشهداء أو..أو الخ.

والتسمية – في بعض الأحوال،بل في غالبها- تمثل حال الثقافة في العصر الذي تمت التسمية فيه.
لنعد مثلا إلى مرحلة الجاهلية في العرب فقد كانت التسميات من نوع:
  عبد مناف- هاشم- قتيبة- خنساء- صخر –حريقيص- جدعان- عبد اللات- جحش- خزيمة..خنيس- حذافة-السكران- صفوان- كنانة..الخ(إضافة إلى أسماء أخرى محمد-خديجة-حليمة-عائشة..الخ) (اغلب الأسماء من كتيب زوجات النبي الطاهرات..

-محمد محمود الصواف –دار الاعتصام 1399 ھ / 1979 م )
وعندما جاء الإسلام جعل التسمية حقا للمسمى بها، وأوجب على الآباء أن يختاروا أحسن الأسماء لأبنائهم،لئلا يشمئزوا منها..

أو يخجلوا منها..

أو يتألموا منها..على المستوى النفسي- ودوما للحال النفسية آثارها على صاحبها سلبا أو إيجابا- فقال الرسول (ص) خير الأسماء ما حمد وعبد(محمد ،احمد، عبد الله، عبد العزيز، عبد الواحد…الخ)
وفي مرحلة الحكم الأموي كانت الأسماء هي ذاتها في الغالب مع تأثير من توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم..وقد غير هو نفسه بعض الأسماء إلى ما هو أحسن.
في مرحلة الحكم العباسي كانت تأثيرات الثقافات الفارسية والرومانية والحبشية والسريانية والأرمنية والآشورية،والأمازيغية والكردية والمغولية والتترية والتركية  ..الخ(1)   قد وجدت طريقها إلى الثقافة الإسلامية عبر عدد كبير من الذين تركوا أثرا فاعلا على حال العصر..

فتلاقحت الأسماء بين ما كانت عربية وما كانت من الثقافات الأخرى التي تفاعلت مع الإسلام، عبر أبنائها الذين دخلوا الإسلام، وأغنوا مضمونه عبر التفسيرات الواعية..و الاجتهادات الذكية والمسؤولة..


كما قامت أمم بغزوات وحروب في المنطقة مثل التتار والمغول والصليبيين…الخ
فظهرت أسماء تنتسب إلى هذه الحقب ، وهي غالبا ما تكون مركبة، أو محمولة بألقاب مثل:    أبو جعفر المنصور،أبو العباس السفاح، هارون الرشيد، المعتصم بالله والمستعصم بالله…الخ.

على مستوى الخلفاء..وكان واضحا في هذه الحركة إيجاد نوع من الصلة بين حكم هؤلاء وبين التفويض الإلهي بشكل ما وهي حركة سياسية في قالب ديني- نوع من استغلال الدين أحيانا– ولكن الحروب أفرزت قادة جمعوا في أسمائهم بين الجذور وبين الإسلام الذي دخلوا فيه ومن هذه الأسماء مثلا :شير بك-أوليا بك بن بوداق بك بن شاه محمد بك-رستم بك بن حسن بك-بدر بك بن شاه علي بك-سليم –بايزيد-ركن الدولة – المستجير بالله- عضد الدولة- أبو الشجاع-أبو الذواد محمد بن المسيب- ست الناس- نصر الدولة-ابن شبل- ابن عطير-أسد الدين شركوه- الملك الأفضل- العزيز- العادل..الخ
وفي عهد العثمانيين غلبت التسميات التركية والمملوكية …وجميعها متأثرة بحالة الحروب والغزوات والظروف المشابهة والناتجة عنها..سيف الإسلام طغتكين-محمد الملك المظفر-الملك الظاهر غازي-أبو السعادات مجد الدين مبارك-أبو العباس شمس الدين ..-أبو الغنائم مسلم بن محمود الشيرازي-الملك الأشرف مظفر الدين أبو الفتح موسى …-( أغلب الأسماء من كتاب “شرفنامه”)
وإذا لاحظنا الكتب الرسمية التي تداولها العرب في مدارسهم وجامعاتهم ومنتدياتهم..الخ نجد أن اغلب هذه التسميات غيبت لأنها غير عربية الأصل أو أنها قدمت على أنها عربية – ممارسة زيف تاريخي معلوم ومقصود- وكان حظ الأكراد في هذا التغييب اكبر، وكذلك فعل الترك وفعلت فارس ..بل لقد حاربوا كل ما يمكن أن يشير إلى الخصوصية الكردية بكل الوسائل المتاحة (المخالفة للإسلام والمختلفة معه،المخالفة للقوانين الإنسانية والقيمية الأخلاقية ، والمخلفة للحس البشري السليم والعادات الاجتماعية في شكلها القبلي حتى…الخ).
وعلى الرغم من هذا السرد الطويل نسبيا فليس القصد هذا..
القصد هو العناوين التي تذيل المطبوعات والمنشورات السياسية أساسا ومهما كان مصدرها..

ولكني أحبذ الإشارة إلى الكردية منها كإنسان كردي يهمني أن لا ينساق أبناء أمتي إلى ما انساق إليه الغير فضيعوا وأضاعوا..
من هذه العناوين التي تكون طويلة ومهيبة في حالتها الو رقية، ولكنها عندما تقارن بواقع حالها في أرض الواقع تصبح سبة لأصحابها، لا قيمة أو حالة تفاعلية واقعية في مستواها ..
كلمات مثل:  سكرتير الحزب في..
السيد الأمين العام للحزب الديمقراطي ….

الليبرالي..

التقدمي..

المنفتح على الجهات الأربعة..

الجماهير الشعبية الواعية ذات الحس السليم الذي لا يخيب..
المجلس المشترك بين جميع أعضاء وكوادر الحزبين …
الهيئة العامة للتجمعات القومية المشاركة في الحفل البهيج..الخ
ال….ال…..الخ.
وأتساءل ..؟
لماذا الأسماء ضخمة والمسميات أقل توافقا معها..؟
لماذا العناوين المبهرة، والأعمال الضئيلة..؟
لماذا الانسياق مع الانحراف والتزييف إلى حد يتعطل في الاسم والمسمى معا ما لم يكونا متوافقين واقعيا..؟
هل هي استجابة لشعور بالنقص فيعوض بهذه الألقاب…؟
هل هو انسياق مع ما هو دارج في ثقافة مهزومة في أغلب جوانبها بسبب حالة الانحراف والتزييف هذه..؟
الجواب لدى أصحاب هذه الأسماء والعناوين..!!!

———
(1) ص57-هامش”1″-:
(ايبك :لفظ أعجمي مركب من لفظين تركيين وهما: آي و بك، والأول يعني القمر وأما الثاني فيرادف بالعربية لفظ أمير.

ويلاحظ ان أسماء معظم السلاطين والمماليك وأمرائهم هي أسماء أشياء أو حيوان في اللغات الفارسية والتترية والتركية.

مثل: بيبرس ومعناه الأمير الفهد، قلاوون ومعناه البطة، وبكتمر ومعناه المير الحديد…) انظر الحاشية رقم 2 في السلوك ج1 ق2 ص 368
 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…