د. محمود عباس
لنختلف، وما الضرر! أين هي المصيبة؟ هل في الخلافات، أم فينا، الذين لا نود أن نتقبل المفاهيم الحضارية، ولا نطبقها على ذاتنا، وستكون حالة صحية إذا استطعنا أن نعالجها بحنكة، وبأساليب وطرق حضارية وفكر متفتح، ونعرف كيف نتمادى فيها بدراية بحيث لا تبلغ إلى سوية الصراع والقطيعة بين أطراف الحركة وتابعيهم من المجتمع.
شريحة لا تستهان بها من الكرد تعيش ضمن المجتمعات الحضارية، وترى كيف يعامل سياسييهم ومثقفيهم بعضهم البعض، وكيف يعيشون على الاختلافات في جميع القضايا، يتقبلون النقد، لا يتركون الوجه الآخر له دون تمعن وتحليل، وكيف يتعاملون فيما بينهم في حالتي الخلافات والتوافق، نلاحظ ونستمع ونتعجب ولا ندرسها، ولا نتعلم منهم، والأغرب أننا لا نود التخلي عن الثقافة التي رسختها الأعداء فينا، والتشرب من ثقافتهم، علماً أننا ندرك أن تلك الأساليب، وذاك المنهج، هي التي أرست صرح حضارتهم وهي التي تحافظ على ديمومتها، وشريحة كافية منا تعيش تلك الحضارة ولكنها تتعامل بثقافة الشرق الموبوءة، وخاصة عندما يواجه كرديه الآخر، ولا نود أن نقتنع بأنه لا بد من وجود الاختلافات والخلافات وخاصة في الظروف التي نعيشها.
وبهذا النمط الفكري، والتعامل، وبأساليب تقربنا لمشاكلنا وخلافاتنا، نحن اليوم، نكاد نتعرى أمام القوى الإقليمية والعالمية، ورغم أن معظمهم يرددون أسم الكردي، لكن وللأسف، نجرد ذاتنا من القوة والتقدير وشبه الاعتراف إلى مجرد أدوات تستخدم لتنفيذ أجندات الأخرين دون المصالح الكردية. ونادراً ما نتمعن في دراسة هذه الحقيقة، والتخطيط للمستقبل، تحت حجة أن الحاضر الموجود تلهينا عن القادم، والكردي الأخر يخون القضية، والأصابع تواجه بعضها. فعلينا أن نعترف يوما بأننا نتحمل بعض الذنوب وليست جميعها ملقاة على عاتق القوى الخارجية، وإن كان كذلك، فلماذا نكررها، ولا نستخلص منها التجربة؟ ولماذا لم نتعلم كيف نتعامل فيما بيننا؟ ونجد الطريقة للتحرر من إملاءات القوى الإقليمية؟ لماذا نتقاتل ونحن نعلم تماما أنها أحد أفظع الأسباب المؤدية إلى استهزاء العالم بنا وسقوطنا وفي كل قرن في نفس المستنقع الذي نتمرغ فيه اليوم؟
لربما حان لنا:
1. أن نتناول قضايانا بمفاهيم مختلفة، وبأساليب عصرية حضارية، وعلينا أن نستمع ونتقبل النقد من الأخر وندرسه كحالة حضارية، ونبتعد ونبعد المجتمع عن التخوين والتلاسن.
2. وأن أسقاط طرف لا يرفع من شأن الآخر، وأن إقصاء أي جهة من الحركة الكردية ضعف لكليتها.
3. ولتطبيق أو تقبل النقطتين السابقتين، لا بد من البحث عن تراكم معرفي ومفاهيم مغايرة، وشذب بعض الأجزاء من ثقافتنا.
4. وعلينا أن نتقبل أنه هناك وباء الخلافات مستشري بيننا ومنذ قرون ونحتاج إلى الدواء.
5. وندرك أننا نعيش الضعف بكل أوصافه، والاستئثار بالسلطة الفردية الحزبية، ضعف بحد ذاته، وهي موجودة بسبب الإملاءات الإقليمية، ولا قدرة لأي طرف كردي أو كردستاني الخلاص منه حتى ولو رغب وحاول. وعلينا مساعدة بعضنا للتحرر منه.
6. وعلينا أن ننسى وصف الذات بأننا أبطال الشرق، الصفة التي أعمت أبصارنا، إلى أن أصبحنا نسهى عن الحقيقة، ونفهم أن الشجاعة العشوائية حالة ترافقها الجهالة، وعدم تقدير للمستقبل.
7. نحتاج إلى توعية ذاتنا وشعبنا، وعلينا أن نستخدم الذكاء والحنكة لحل قضايانا، فالشجاعة لوحدها لا تفتح دروب التحرر.
8. إعادة بناء الثقة بالذات، لتقبل النقد، وتناول الخلافات كحقائق لا بد منها في هذا الوجود، وخاصة في خضم الصراعات الفكرية، والاستراتيجيات المتضاربة في المنطقة.
9. ولابد لنا ككرد أن نشخص أمراضنا الفكرية، وضعفنا المستدام، لنكون على مقدرة السماح للكردي الآخر بالتعبير عن رأيه بحرية، والسير في الدرب الذي أختاره دون تخوينه، أو تصعيد التلاسن.
الأطراف الكردية بحركتيها السياسية والثقافية معنية، والإدارة الذاتية والأحزاب المشتركة فيها، والمجلس الوطني الكردي بأحزابه، لكل جهة أخطائها، ولكل طرف نواقصه، والكل لهم حصة فيما جرى ويجري في جنوب غربي كردستان من هجرة ومعاناة وغيرها من الكوارث، والتي ولا شك أن الجميع يعيش تحت هيمنة السلطات الاستعمارية، حيث الإملاءات، والضغوطات، وخلق الكوارث، وضعف إمكانيات التحرر، ولكن وفي واقع الخلافات الداخلية الكردية فإن سلطة الأمر الواقع وبسبب سيطرتها تتحمل الجانب الأكبر، لذلك فالمطلوب منهم قبل الأخرين، التخلي عن مطلق المفاهيم والنهج، واحتكار الحقيقة دون الآخر، وفرض مسالك نضالهم وتحالفاتهم مع القوى الإقليمية أو الكبرى، وعرضها على أنها أنسب الطرق، والوحيدة التي ستوصل المجتمع الكردي إلى غايته، ولا بد من التعامل والتحاور للتخلص من الإملاءات الخارجية، أو تقليصها إلى الحد الأدنى،، وعدم تنفيذ أجنداتهم قدر المستطاع.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
10/24/2016م
المقال الافتتاحي المنشور في جريدة بينوسا نو العدد(54) الناطقة باسم الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.