د. محمود عباس
معظم المؤشرات تبين أن الورقة الكردية هي الأكثر إثارة، وأقربها إلى استراتيجية ترمب القادمة في منطقة الشرق الأوسط، لأن مفاهيمه الخاصة والمتعلقة بالمنظمات الإسلامية الراديكالية، والدول التي قدمت وتقدم لهم الدعمين المادي والمعنوي والإيديولوجي، ومن جملتهم تركيا الإسلامية، حتى ولو كانت تظهر ذاتها بالوجه الليبرالي الإسلامي، تتقاطع والأهداف الكردية العسكرية، وهي ما ستجعل من مصلحة أمريكا دعمهم عسكريا، ولربما تصعيدها إلى سوية اعترافات سياسية، لكن نهجه ذاك والذي سايرته طوال رحلته الانتخابية، يتعارض وخلفيته كرجل أعمال، وعلاقات أمريكا الاقتصادية، وهيمنتها كإمبراطورية، لذلك فإن الشهور الثلاث الأولى بعد 20 من كانون الثاني يوم استلام وتسليم المنصب، ستتوضح الاستراتيجية القادمة، فقد يهادن ترمب وتشذب من نهجه بعد دخول البيت الأبيض، لصالح العلاقات الاقتصادية والعسكرية الكلاسيكية، كما ولا يستهان بقوة الحزب وتأثيره، إن كان من المجلسين ، الشيوخ والنواب، أو من أقطابه المخفيين.
فالمقاربة بين نهج ترمب السياسي، وصفاته الشخصية، وفرضية متطلبات أمريكا كإمبراطورية، تدفع بالعديد من المحللين السياسيين، إلى احتمالية ظهور تناقضات في إدارته، واستراتيجيتها في الشرق الأوسط، أو تكتيكها بالنسبة للكرد كقوة معتمدة لمحاربة الإرهاب في المنطقة، وتضعف هنا قدرات التخمين لقادم علاقات أمريكا مع الكرد، فوجود تركيا على الساحة، كثاني أكبر دولة في الناتو، وحليفها التاريخي منذ ما قبل الحرب الباردة، وراس حربتها في محاولة نشر النهج الإسلام الليبرالي في العالمين العربي والإسلامي، تجعلها الدولة التي يتوقع التخلي عنها بتلك السهولة من أجل قوة كردية لا تزال في بدايات تصاعدها.
مع ذلك فعدم وجود بديل يؤمن جانبه على الساحة لأداء مهمة محاربة داعش، ترجح تجاوز العلاقات الأمريكية الاستراتيجية والاقتصادية مع دول المنطقة، وبينهم تركيا، وذلك بتصعيد مساعدة الكرد عسكريا، والشكوك في هذه ضعيفة، بل ويتوقع، في حال حدوثها، أن تساهم هذا النوع من المساعدات على فتح قنوات جديدة من العلاقات معهم، على المستوى السياسي. كما وترجح احتمالية بلوغ أمريكا بعلاقاتها إلى هذه المرحلة، القوة الديمغرافية، والاقتصادية، والمساحة الجغرافية التي يسكنونها، والتي من السهل خلق قوة عسكرية موازية أو بديلة للتي تستند عليها أمريكا في المنطقة، خاصة وأن مصداقية بعضهم أصبحت مشكوكة في أمرها، وتبينت من خلال ما قامت بها تركيا في السنة الماضية من التقرب إلى روسيا، وتهجمها على أوربا وأمريكا، واتهامها بمؤامرة الانقلاب.
ولا يستبعد استخدامهم للكرد، كورقة ضغط على دول المنطقة وخاصة المتأثرة بالقضية الكردستانية، لذلك من السذاجة عدم دراسة الحالة المخالفة، للدعم والتأييد، وهي التخلي عنهم بعد أداء المهمة، أي القضاء على المنظمات التكفيرية في المنطقة، وللتغطية على الخدعة، والتلاعب الدبلوماسي، قد يعرض على الكرد فيما بعد، وفي أفضل الحالات، قبول شروط الدول المستعمرة لكردستان، وأعلاها حقوق المواطنة، مثلما حدثت في المرات السابقة، وبالتالي ستظل أمريكا محافظة على حلفائها الكلاسيكيين، تركيا والسعودية على رأس القائمة، وبالتالي لن يتم فك رباط عقودها الاقتصادية والسياسية والعسكرية معهم. وهنا تظل جدلية الوجود الروسي قائماً، رغم أنها الدولة الأقل أماناً في علاقاتها، وتاريخها مع الكرد تظهر هذا التخوف، لكنها البديل الذي يجب على الكرد عدم استبعاده إن أمكن.
مع ذلك، فإن أغلبية المراقبين، وشريحة واسعة من السياسيين الكرد، يستندون على تقاطع مصالح الكرد القومية، المهددين أكثر من أي شعب آخر في المنطقة من قبل المنظمات الإسلامية الراديكالية التكفيرية، مع مصالح أمريكا في المنطقة، وهذه ترفع من تفاؤل البعض، وآمالهم، بأن مستقبل أفضل تنتظرهم، ليس فقط في العراق وسوريا، بل وضمن تركيا. وهذه الجدلية المشبعة بالتناقضات والاحتمالات تعتمد في كثيره على مرونة استراتيجية إدارة أردوغان القادمة ونباهتها، ومدى تقبلها لمصالح إدارة أمريكا القادمة، وتنازلها عن طلباتها، واتهاماتها. ولا شك، إن أردوغان وحكومته على دراية بمثل هذه الخفايا الدبلوماسية، وقد تبينت وبشكل واضح، كيف فضل مصلحة تركيا على عنجهيته الشخصية؛ وإيديولوجية حزبه الإسلامي، عندما تنازل لروسيا، وابتعد عن الناتو وأمريكا، وخلق هوة ما بينه وبين المنظمات الإسلامية المعارضة، ويكاد يتخلى عن المعارضة السورية، باستثناء ما يحتاجه لتمرير أجنداته ضمن سوريا وضد الكرد، وهو الذي كان يتعامل معهم على مبدأ الحلف السني عن قناعة، قبل أن يرجح المصالح القومية، والنهج العثماني عليه.
الاحتمالات المذكورة، إلى جوانب عوامل عديدة، تدفع بأغلبية المحللين والمراقبين السياسيين، على عدم الرجحان بين كفتي السلبيات والإيجابيات، بالنسبة للكرد وحكومة أردوغان، وعلاقات أمريكا القادمة معهم، أو بحث روسيا عنهم، فالأعمدة التي ستبني إدارة ترمب عليها الاستراتيجية الأمريكية القادمة، بل والتركية الأردوغانية مقابلها، متنوعة، وتغلفها ضبابية كثيفة، وفيها خطوط تقاطع وتضاربات، ومنها:
1- تأثيرات الانقلاب الفاشل على الحكومة التركية، ومنها تغيير بوصلة علاقاتها، وكيف ستتعامل معها الإدارة الأمريكية القادمة.
2- تهديدات حكومة أردوغان للدول الأوربية تحت حجج: المس بسمعة أردوغان، وقضية الفيزا الأوروبية، وعلاقتها بالمهاجرين، واتهام بعض الدول الأوروبية لها بتجاوز حقوق الإنسان والحريات، وغيرها.
3- قضية حرية الصحافة والإعلام، ومدى تعرض المبادئ الديمقراطية في إدارة أردوغان للانتهاكات.
4- قضية التقرب من روسيا.
5- أصرار تركيا على تسليم غولان.
6- تزايد الشكوك حول ابتعادها عن حلف الناتو وهي الدولة القوية الثانية المشاركة فيها.
7- علاقات تركيا مع المنظمات الإرهابية، بدءاً من داعش إلى المعارضة السورية ومن ضمنهم جبهة النصرة.
8- والأخيرة تؤدي إلى التوجه التركي نحو دعم المنظمات السنية ومعظمها متهمة بالإرهاب، وهي موجودة في قائمة أجندات إدارة ترمب القادمة.
9- طموح أردوغان التوسعية، وتتبين من خلال تدخلاتها في قضيتي الموصل وشمال سوريا، تحت حجة السنة، وحزب العمال الكردستاني أو ال ي ب ك، قبل قضية داعش.
10- حصول أردوغان على موافقة روسيا لتدخلها في غربي كردستان، في الوقت الذي تدعم أمريكا القوات الكردية لمحاربة داعش، ومعروفة لإدارة أمريكا أن المستهدف ليس داعش بقدر ما هي القوات التي تستند عليها أمريكا في حربها ضد داعش.
11- واضحة للسياسيين الأمريكيين والأوروبيين أن حكومة أردوغان إسلامية، وهي غير مرغوبة في نظر إدارة ترمب القادمة، فلا يهمها إن كانت إسلامية راديكالية أو ليبرالية، خاصة وأنها تملك كل الإثباتات على علاقتها مع المنظمات الإسلامية الراديكالية التكفيرية والمتهمة سلفا بالإرهاب.
12- والنقطة السابقة تزيد من أهمية الاعتماد على الكرد كقوة عسكرية، وترجح احتمالية تصعيد المساعدات، وبالتالي السياسي، والتعامل معهم لا حقا اقتصاديا، وكإدارة مستقلة على سوية كونفدرالية، ولا شك إنجاح هذه الاحتمالية أو سقوطها تستند في كثيره على الكرد ومدى قدرتهم على استخدام هذه الظروف، ودراستها معا كقوة كردستانية لا كأحزاب تبحث عن مصالح آنية أو مناطقية.
قد يكون من السابق لأوانه وضع كل هذه الاحتمالات والتوقعات على طاولة التحليل، والاستنتاج، والبناء عليه، أو رؤية المستقبل، لكن من الحكمة مناقشتها معا، وبشكل مستمر وعلى مستوى كردستاني، تشترك فيها كل القوى السياسية والثقافية الكردية، أو الكردستانية قدر المستطاع، حتى ولو كانوا على خلاف بين بعضهم. فالتغيرات السياسية تحدث بين لحظة وأخرى، وترمب على منصات الحملة الانتخابية قد لا يكون هو ذاته في البيت الأبيض، أو عندما يكون محاط بأقطاب المحللين والاستراتيجيين الجمهورين، وعلماء السياسة والخبراء العسكريين والاقتصاديين الأمريكيين، والذين معظمهم لا يريدون تقليص مساحات الإمبراطورية الأمريكية، إلى جانب أن العلاقات الروسية والصينية والأمريكية ستجري في دروب غير معروفة، بناءً على مبدأ نهج ترامب المغامر، والذي يضع أصدقاء أمريكا على منصة المحاكمة، ويدرس تعامله معهم، رغم وجود القطبين، أو ثلاث، وهو الذي رغم ذلك يشدد على إحداث تعديلات في الناتو، وعليه كيف سيكون تعامله مع تركيا الإسلامية والتي لا تخفي تحالفها مع العالمين الإسلامي العربي، على نهج المذهب السني، والذي عليه يبني الكرد أمالهم، بأنها ترجح كفتهم، إلى جانب صفتين يتسم بها الكرد، الأول أنهم أبعد شعوب المنطقة عن التعصب الديني وعن الراديكالية الإسلامية، والثاني تعارض مصالحهم مع المنظمات الإسلامية التكفيرية والدول الداعمة لها.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
12/11/2016م